يستمر نظام بشار الأسد، منذ بدء الثورة عام 2011، بإصدار موازنات بمليارات الليرات من دون قطع حساب الموازنات السابقة، أو التطرق إلى نسب تنفيذ الشق الاستثماري، أو حتى استعراض الموارد التي ستمول الموازنة العامة المتنامية بالليرة السورية والمتراجعة عملياً إذا ما قيست بالدولار.
ومع أفول العام الجاري حدد المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي بمجلس الوزراء السوري، أول من أمس، مشروع الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2024 بـ35500 مليار ليرة سورية موزعة على 26500 مليار ليرة للإنفاق الجاري و9000 مليار للإنفاق الاستثماري.
وكشفت مصادر عن الاجتماع الذي ترأسه رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، أن قيمة الدعم الاجتماعي بلغت 6210 مليارات ليرة منها 50 ملياراً للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية و75 ملياراً لصندوق دعم الإنتاج الزراعي و2000 مليار لدعم المشتقات النفطية و103 مليارات للخميرة و7 مليارات لصندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية و50 ملياراً لصندوق التحول إلى الري الحديث، كما جرى رصد مبلغ 75 مليار ليرة لدعم المناطق المتضررة من الزلزال.
وقال الاقتصادي عبد الناصر الجاسم إن القراءة الأولية لاعتمادات مشروع الموازنة تدلل على تراجع كتلة الدعم، بخاصة قطاع المحروقات، ما يشير إلى استمرار حكومة الأسد بسياسة سحب الدعم.
ويتساءل الاقتصادي السوري خلال حديثه مع "العربي الجديد" عن مصادر تمويل الموازنة بواقع تراجع موارد الخزينة العامة وعن سبب عدم صدور قانون القطع لموازنة العام الجاري والأعوام السابقة، لمعرفة الإنفاق الحقيقي وحجم العجز، وهل سيتم ترحيل العجز إلى موازنة العام المقبل.
وكانت سورية قد أقرت موازنة عام 2023 بمبلغ 16550 مليار ليرة، موزعة 13550 ملياراً للإنفاق الجاري و3000 مليار للإنفاق الاستثماري وتم إقرار الدعم الاجتماعي بمبلغ 4927 ملياراً.
ويحذر الجاسم من التمويل بالعجز لتأمين مليارات الموازنة، لأن طبع عملة بروسيا من دون أرصدة سيزيد من التضخم وتهاوي سعر الليرة، إذ اعتادت حكومة الأسد خلال السنوات الماضية على تغطية العجز عبر الاقتراض الداخلي "طرح سندات خزينة الدولة" ومد اليد إلى مصرف سورية المركزي كاعتمادات مأخوذة من الاحتياطي لدى المصرف الذي شارف على الإفلاس، بعدما كان الاحتياطي 18 مليار دولار عام 2011.
ويلفت الجاسم إلى أن سعر الدولار بالسوق السوداء نهاية العام الماضي لم يزد عن 6500 ليرة، في حين يبلغ اليوم نحو 14 ألف ليرة، ما يعني أي ادعاء بزيادة قيمة الموازنة أو كتلة الدعم، هو "ادعاء كاذب".
من جهته، يقول الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش، إن النسبة الكبيرة للزيادة في الموازنة العامة للدولة لعام 2024 تعد اعترافاً غير مباشر من الحكومة بنسبة التضخم الحاصل خلال هذا العام، فمن غير المعقول في أي دولة بالعالم أن تزداد اعتمادات الموازنة بهذه النسبة، مؤكداً أن موازنة العام القادم ناتجة عن تضخم، بخاصة بعد المرسوم الرئاسي الذي أقر زيادة الرواتب والأجور.
ويضيف عربش في تصريحات صحافية أنه إذا ما تم تصحيح أرقام الموازنة التي تم إقرارها بمعدلات التضخم الحاصلة في عام 2023، فستكون النتيجة أنها أقل من أرقام الموازنة في العام الحالي، وبالتالي لن يكون هناك أي تحسن بالواقع الخدمي في سورية.
ويشير إلى الترفيعات الدورية للعاملين في الدولة التي ستكون في بداية عام 2024 والتي تشكل 9 بالمائة، أي أنها ستشكل نحو 900 مليار ليرة من مجمل الموازنة العامة كحد أدنى.