باع المزارع التونسي ماهر قزمير ما يقرب من نصف أبقاره هذا العام، وهبط إنتاج قطيعه من الحليب بنسبة 85% يومياً على غرار بقية المزارعين في تونس، مما زاد نقص الحليب في متاجر البلاد، بينما تعاني الحكومة من ضائقة مالية كبرى وتضخم متفاقم.
ومثل العديد من منتجي الألبان الآخرين، يقول قزمير إنه لم يعد قادراً على تحمل تكلفة إنتاج الحليب بسعر الشراء الذي تفرضه الدولة؛ نظراً لارتفاع إنفاقه على الأعلاف والسلع والخدمات الأخرى.
وتونس، الحريصة على إبقاء الأسعار غير مرتفعة للمواطنين العاديين والملزمة في الوقت نفسه بخفض الدعم في الوقت الذي تسعى فيه للحصول على حزمة إنقاذ مالي من صندوق النقد الدولي، لم يعد متاح لديها خيارات كثيرة، وتسببت عدم قدرتها على حل المشكلة في زيادة فقر مربي الأبقار، كما زاد استياء المستهلكين الذين يعانون يومياً لإيجاد الحليب في المتاجر، مما عزز الشعور بالانهيار الاقتصادي وسوء الإدارة الحكومية في بلد يتفاقم فيه الإحباط من السياسة بالفعل.
وقال قزمير (40 عاماً) الذي ورث مزرعته عن والده "مشكلتنا هي المياه، فليس لدينا مياه لنزرع العشب للبقر ليأكل، لدينا الأرض لنزرع لكن ليس لدينا مياه، والعلف أيضاً فهو غالٍ جداً، لقد كنت أملك 50 بقرة، انظر الآن ماذا أملك؟ معيشتهم أصبحت صعبة والآن أفكر في بيعهم".
واختفت، هذا العام أيضاً، سلع رئيسية أخرى بشكل دوري من المتاجر، بما في ذلك السكر والزبدة وزيت الطهو والمياه المعلبة والبنزين إضافة الى العديد من الأدوية.
ولعبت الإحباطات الاقتصادية في تونس دوراً منذ ثورة 2011 التي جلبت الديمقراطية، وقدمت دعماً واضحاً للرئيس قيس سعيد العام الماضي، عندما أغلق البرلمان وسيطر على سلطات واسعة في خطوات وصفها خصومه بالانقلاب.
والآن هو المسؤول الأول عن مصير تونس، فقد تجنب في الغالب مناقشة الاقتصاد، تاركا تفاصيل محادثات تونس مع صندوق النقد الدولي للحكومة التي عينها، وألقى باللوم علنا على المخازن والمضاربين ومؤامرات في نقص سلع أساسية.
ومع ذلك، حذرت أحزاب المعارضة واتحاد الشغل ذو النفوذ القوي في تونس من "انفجار اجتماعي وشيك" إذا أجرت الحكومة المزيد من التخفيضات على الإنفاق العام، وسط أزمة غلاء المعيشة التي أعقبت سنوات من المشاكل الاقتصادية.
وارتفعت أسعار العلف على مستوى العالم بشكل كبير بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو مكون رئيسي في إنتاج الحليب.
ورفعت الحكومة أيضاً أسعار إمدادات المياه والكهرباء، منذ العام الماضي، مع تحركها لخفض الدعم لتخفيف أزمة المالية العامة تحت ضغط المقرضين الأجانب.
كما أدى الجفاف إلى انخفاض المياه، مما زاد من مشاكل المزارعين الذي يعانون مشاكل أخرى كثيرة.
ويبيع المزارعون حليبهم لتجار الجملة بسعر تحدده الدولة يبلغ 1.1 دينار (0.35 دولار) للتر الواحد. ويبلغ سعر البيع للعموم 1.35 دينار للتر.
وأضاف قزمير "سنة 2011 كنت أملك 70 بقرة، ومنذ تلك السنة في كل عام يتقلص العدد، حتى وصل لـ 12 بقرة، ففي السنة الماضية كنت أملك 22 بقرة، وهذه السنة أملك 12، لقد بعت 10 بقرات لأستطيع توفير الأكل للأخريات".
وتابع أنه ينفق 100 دينار في اليوم على العلف لإنتاج 50 لتراً من الحليب، يبيعها فقط بخمسة وخمسين ديناراً.
وأوضح أنّ إنتاجه انخفض في غضون عامين من 700 لتر يومياً إلى 100 لتر فقط في اليوم، ويعتقد أن الأبقار التي باعها تم تهريبها من قبل مشتريها إلى الجزائر المجاورة.
وقال "منذ سنتين كنت أنتج ما يقارب 700 لتر من الحليب في اليوم بين الصباح والمساء، الآن لا أستطيع إنتاج 100 لتر في اليوم".
ويقول مبروك لكحل، وهو مسؤول بمركز تجميع الحليب في بلدة قلعة الأندلس، إنه يسمع كل يوم عن مربي أبقار يبيعون قطعانهم.
وقال "مشاكل الحليب والعلف في كامل البلاد، والناس لا تقوم بتعليف البقر من غلاء هذا المنتج، وسعر الحليب منخفض جداً ولا يحقق الربح، تكلفة لتر الحليب للفلاح 1800 ملليمتر، وكيلو العلف يتكلف بنفس السعر هذا لا يحقق ربح المزارعين المساكين، بالنسبة لنا كنا نستقبل بين 40 إلى 50 ألف لتر في اليوم، لكن الآن نستقبل 12 ألف لتر، أين هو الحليب؟".
ووقّعت تونس، الشهر الماضي، اتفاق خبراء مع صندوق النقد الدولي لحزمة إنقاذ بقيمة 1.9 مليار دولار مقابل تخفيضات الإنفاق الموعودة بما في ذلك الدعم، وقد تحتاج الحكومة إلى فرض المزيد من الزيادات في أسعار الطاقة لإتمام الصفقة.
وتونس في حاجة ماسة إلى دعم الميزانية لتجنب التخلف عن سداد الديون الذي قالت وكالات التصنيف إنه قد يحدث العام المقبل إذا استمرت الأزمة. وقد تواجه الحكومة صعوبة في دعم منتجي الألبان كما يطلب الكثير منهم الآن.
كما تواجه السلطات غضباً شعبياً متنامياً، مع تزايد أعداد التونسيين الذين غادروا البلاد عبر قوارب الهجرة إلى إيطاليا، وهي ترفض مساعدة المزارعين عبر رفض رفع أسعار الحليب للمستهلكين حتى الآن، وهو أمر قد يزيد معدلات التضخم الذي بلغ مستوى قياسياً، وصل 9.2% في أكتوبر/تشرين الأول.
وقال نائب رئيس اتحاد الفلاحين في تونس أنيس خرباش "اليوم منظومة تربية الأبقار الحلوب بدأت في الانهيار، اليوم فقدنا أكثر من 30% من قطيعنا، هذه المنظومة صرفت الدولة عليها آلاف المليارات منذ 50 سنة على الأقل، وإذا وصلت هذه المنظومة إلى الانهيار سنذهب الى أبسط الحلول وهي الاستيراد، وهذه المنظومة لا نستطيع إصلاحها إلا بعد أربع أو خمس سنوات على الأقل".
وأضاف أنّ إنتاج الحليب اليومي هبط من 1.8 مليون لتر إلى 1.1 مليون لتر فقط الآن وهو مؤشر مفزع.
وتابع "هناك تراجع كبير في الإنتاج، فقدنا حوالي 35% من إنتاجنا، تراجعنا من مليون وثمانمائة ألف إنتاج يومي إلى مليون ومئة أو مئتين ألف، واليوم لم يعد لدينا مخزون تعديلي، فإذا قارنا بالسنة الماضية في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، كان لدينا حوالي 40 مليون لتر من المخزون التعديلي، لكن اليوم ليس لدينا أكثر من 8 مليون لتر، وسنستنزفها يومياً لتعديل الأسواق من 400 إلى 500 ألف لتر يومياً، يعني الأزمة اليوم ستتعمق بالأخص في غضون أسبوعين".
وحذر خرباش أنه إذا انهارت منظومة الألبان في تونس وبيع كل قطيع الأبقار سيكلف تونس خسائر كبرى وسيجبر البلد، الذي يعاني أزمة مالية، على استيراد الحليب من الخارج بكلفة أعلى بثلاث مرات على الأقل.
وقال المواطن عبدالسلام بن مراد "الحكومة ليست موجودة، لم يحصل هذا الشيء في تاريخ تونس من قبل، لا تستطيع إيجاد الحليب عند المغازات الصغرى، تذهب إلى المغازات الكبرى التي تبدأ عملها الثامنة صباحاً، وبعد ساعة لا تجد شيئاً".
وذكرت المواطنة فايزة البواب "ما هذه الأزمة، إن لم يكن هناك أطفال نقول ليس هناك مشكل، فالكبار يمكنهم الصبر مهما كان". مضيفة، "هي ليست أزمة الحليب فقط، فهناك أزمة السكر، أزمة الزيت، أزمة الخضراوات، والبطاطا أصبحت بـ 2400 مليم، والطماطم أصبحت بـ 3800 مليم".
(الدولار = 3.1412 دينار تونسي)
(رويترز)