تتجه السعودية إلى التوسع في استثمارات قطاع التعدين، بهدف تحقيق مستهدفات رؤية المملكة الاستراتيجية 2030 من جانب، والاستعداد لإطلاق رؤية المملكة 2040 من جانب آخر، ما عكسته زيارة وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي، بندر الخريف، إلى الصين.
واستهدفت اجتماعات الخريف تعزيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين في قطاعي الصناعة والتعدين، إضافة إلى استعراض الفرص الاستثمارية النوعية، وفقاً لما أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس).
وعقد الخريف سلسلة من اللقاءات في مدينة شينزن مع رؤساء مجالس عدد من الشركات الصينية، تطرق خلالها إلى تعزيز التعاون في قطاع التعدين تحديداً.
وتعدّ احتياطيات المعادن في منطقة عسير السعودية واحدة من المقومات التي تعوّل عليها وزارة الصناعة والثروة المعدنية بالمملكة لتحقيق استراتيجيتها الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل، يتصدّرها الذهب والنحاس.
وقدّرت وزارة الصناعة والثروة المعدنية حجم ثروات احتياطيات المعادن في عسير وحدها بنحو 240 مليار ريال (63.98 مليار دولار)، حسبما ذكرت الوكالة السعودية.
وتضع رؤية المملكة 2030 قطاع التعدين ضمن أهم أهدافها، ليكون الركيزة الثالثة ببرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، بعد النفط والغاز، والصناعات الكيميائية.
وتقدر الرؤية إجمالي قيمة الثروات التعدينية في السعودية بـ1.3 تريليون دولار، ما يعزز من أهمية الاستثمارات في القطاع باعتبارها مستقبل توطين الصناعات في المملكة.
النفط الجديد
ويشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن قطاع التعدين يمثل بالنسبة للسعودية "النفط الجديد"، حسب توصيف ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، فهو الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي بعد النفط والبتروكيماويات، وتهدف حكومة المملكة إلى رفع مساهمته بإيراداتها لتتراوح بين 64 و70 مليار دولار مع نهاية رؤية 2030.
وفي هذا الإطار، يأتي توقيع السعودية للاتفاقيات، سواء مع الصين أو غيرها، حسبما يرى عايش، لافتاً إلى استهداف حكومة المملكة تطوير قطاع التعدين بإنشاء صندوق خاص للقطاع، بما يؤدي إلى مزيد من الاستثمار فيه، خاصة أن احتياطيات المعادن السعودية تقدرها حكومة المملكة بحوالي 1.3 تريليون دولار، تبلغ حصة الذهب فيها نحو 240 مليار دولار.
وبهذه الثروة الهائلة يمكن للسعودية التقليل من حصة قطاع النفط من الناتج المحلي الإجمالي، ومع بروز قطاعات اقتصادية أخرى تسهم في عملية التنويع الاقتصادي، بحسب عايش، مشيراً إلى إعلان السعودية أنها تعمل على جذب استثمارات بقيمة 170 مليار دولار في قطاع التعدين مع نهاية 2030.
ويضيف أن تقديرات البنك الدولي تفيد بأن العالم سيكون بحاجة إلى أكثر من 3 ملايين طن من المعادن في المرحلة الانتقالية المقبلة، بما يمثل زيادة بنسبة 500% في الطلب على المعادن، ما يؤدي إلى فجوة كبيرة في العرض، ومن هنا تأتي الاستثمارات السعودية في القطاع، سواء بشكل مباشر، عبر شركات ومؤسسات الدولة والوزارات السعودية المعنية، أو من خلال العلاقة مع دول أخرى، على رأسها الصين.
شراكة الصين
و"الصين متطورة جداً في التعدين، وترى السعودية دورها مماثلاً لدور الولايات المتحدة الأميركية في قطاع النفط"، بحسب عايش، الذي أوضح أن الصين ساعدت المملكة على اكتشاف الخام، وتطوير وبناء صناعة النفط، ومن هنا جاء تشبيه ولي العهد السعودي لقطاع التعدين بأنه "قطاع نفط جديد".
ويضيف أن "استثمار الإمكانيات والقدرات الصينية في قطاع التعدين من شأنه أن يوفر على السعودية وقتاً وكلفة، ويدخلها في عالم تقول إنها تبحث فيه عن التعاون وليس التنافس".
وينوه عايش، في هذا الصدد، إلى أهمية المعادن في التطورات التقنية الجديدة بقطاعات مثل الطاقة الشمسية والمركبات الكهربائية وطاقة الرياح، ولذا تستثمر السعودية في هذه القطاعات وترى في التعدين عاملاً أساسياً في نهضتها.
وحتى بداية العام 2023، قفز الناتج المحلي لنشاط قطاع المعادن بالسعودية بنسبة 45% منذ بدء العمل برؤية المملكة 2030 في العام 2016، وهناك قطاعات حققت نموا بأكثر من 100%، مثل إنتاج الذهب الذي قفز 144% منذ إطلاق الرؤية السعودية، والنحاس الذي نما بنسبة 111%، والزنك الذي نما بنسبة 37%، بحسب عايش، مشيراً إلى أن "القفزة بإنتاج هذه المعادن تؤكد على الجدية السعودية الكاملة في إطار الاستثمار بالتعدين".
ويذكر عايش، في هذا الصدد، أن التعدين هو أكبر القطاعات قدرة على توطين العمالة السعودية، ويُنتظر مع نهاية 2030 أن يولد هذا القطاع أكثر من 200 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، و"بالتالي فهو قطاع في غاية الأهمية لتنويع الاقتصاد السعودي على ركائز ثابتة، ليس فقط في بنيته الفوقية، وإنما في بنيته التحتية أيضاً".
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن "السعودية تدرك أهمية المعادن النادرة، والصين تكاد تكون محتكرة لبعض هذه المعادن عالمياً، ولذا تتشارك معها السعودية في إطار طموحها لتكون قبلة تصنيع بطاريات السيارات والمعدات الكهربائية. ومن هذه الزاوية، فإن قطاع التعدين يمثل بالنسبة لرؤية 2030 حجر الزاوية في التحول من اقتصاد يعتمد على النفط، إلى اقتصاد متنوع، يعتمد على التعدين والتقنيات الجديدة، والسياحة، والذكاء الاصطناعي، والمدن الذكية".