دفع التوتر المتصاعد بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، العملة الإيرانية نحو الهبوط المتسارع لتفقد نحو 16% من قيمتها منذ بداية يناير/كانون الثاني، وسط مخاوف من هبوط أكبر وانعكاس ذلك على أسعار السلع في الأسواق، في ظل توقعات بشن واشنطن ضربات على المصالح الإيرانية بعد اتهامها مجموعات مسلحة مدعومة من إيران بالوقوف وراء هجوم بطائرة مسيرة على القوات المتمركزة عند الحدود الأردنية السورية وتوعدت بالرد عليه، بينما نفت طهران ضلوعها في الهجوم.
لم يسلم الاقتصاد الإيراني بالأساس من مفاعيل الصراع الإقليمي الذي تزيد رقعته مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وهذا التوتر إلى جانب عوامل اقتصادية مهمة باتت تطيح حالة استقرار شهدها الريال الإيراني منذ أكثر من عام عند حاجز 500 ألف ريال لكل دولار أميركي.
لكن منذ قرابة شهر تقريباً، بدأ سعر صرف الدولار يتعدى حاجز الـ 500 ألف ريال في السوق الموازية، وخلال الأسبوع الأخير زادت وتيرة تراجع العملة الإيرانية ليرتفع سعر الصرف خلال اليومين الأخيرين إلى أكثر من 580 ألف ريال، لتفقد العملة الإيرانية نحو 16% من قيمتها منذ بداية يناير/كانون الثاني.
وقال الخبير الاقتصادي الإيراني، إيرج يوسفي، في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن التوتر الأخير في المنطقة له مفاعيله وتأثيراته على الاقتصاد الإيراني، مشيرا إلى أن ارتفاع سعر الصرف بنسبة 20 ألف ريال خلال اليومين الأخيرين فقط يعود إلى التوتر الناتج عن حادث مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة في قاعدة "البرج 22" الأميركية على الحدود الأردنية السورية.
وأضاف يوسفي أنه إذا استمر هذا التوتر خلال الأيام القادمة، فإن سعر الدولار قد يتخطى حاجز 600 ألف ريال، وربما يصل إلى 700 ألف ريال.
وعما إذا كان هذا التوتر قد ترك آثاره على السلع والمعيشة في البلاد، أكد الخبير الاقتصادي الإيراني أن سوق العملات هو أول سوق يتأثر سريعاً بالتوتر السياسي والأمني في المنطقة، ثم يرتد ذلك على بقية الأسواق، فتراجع الريال مقابل الدولار سيتسبب مع مرور الوقت في ارتفاع أسعار جميع السلع، سواء المستوردة أو المحلية، ما عدا أسعار السلع المدعومة حكومياً مثل الوقود والخبز والكهرباء والمياه، لكون أسعارها ثابتة لا تتغير إلا بقرارات حكومية.
وأضاف يوسفي أن الولايات المتحدة منذ حرب غزة وعلى خلفية التوتر الذي سببته في المنطقة، قد حالت دون وصول إيران إلى أرصدتها البالغة قيمتها 6 مليارات دولارات في الدوحة لدى البنكين القطريين الأهلي ودخان.
وأشار إلى أن هذه الأموال كانت مجمدة في كوريا الجنوبية وجرى الإفراج عنها بتفاهم مع واشنطن وأودعت في البنكين القطريين، لافتا إلى أنه قبل الحرب الإسرائيلية على غزة كان من المقرر أن تستفيد إيران من هذه الأرصدة لشراء السلع الأساسية، لكنها بعد الحرب حتى الآن لم تسمح الولايات المتحدة باستخدام هذه الأموال.
وكانت الولايات المتحدة وإيران قد توصلتا، في 11 أغسطس/ آب الماضي، عبر وساطة قطرية، إلى اتفاق يقضي بالإفراج عن خمسة أميركيين محتجزين لدى إيران مقابل الإفراج عن خمسة إيرانيين مسجونين في الولايات المتحدة، والإفراج عن 6 مليارات دولار، هي أرصدة إيرانية كانت مجمّدة لدى كوريا الجنوبية بفعل العقوبات الأميركية المفروضة على إيران منذ 2018، على خلفية الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
وبعد أيام من عملية "طوفان الأقصى"، دعا مشرعون أميركيون إلى منع استخدام إيران أرصدتها المفرج عنها الموجودة في قطر، قبل أن يقر مجلس النواب الأميركي في 30 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي مشروعاً حظي بموافقة الأغلبية ينص على منع إيران من الوصول إلى المليارات الستة.
لكن بعد أيام من إقرار هذا المشروع وفي 4 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أكد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن الموارد الإيرانية في قطر "في متناول يد الجمهورية الإٍسلامية ونحن يمكننا استخدامهما حسب حاجاتنا"، قائلا: "على الإدارة الأميركية أن تلتزم بتعهداتها في الاتفاق تجاه إيران ونحن قد حصلنا على ضمانات لازمة في هذا الخصوص، لأنه ثبت لنا أن أميركا لا يمكن الثقة بها".
كما قال محافظ البنك المركزي الإيراني محمد رضا فرزين، إن الأرصدة الإيرانية في قطر "غير مجمدة على الإطلاق"، قائلا إن مسار استخدام الـ 6 مليارات دولار "في طور التنفيذ".
ووفق يوسفي، فإن هناك أسباباً رئيسية أخرى وراء الهبوط الجديد للريال، لافتا إلى سياسة الحكومة لتعويض عجز الموازنة وتوفير أموال إنفاقها مثل مكافآت ومعايدات في آخر السنة الإيرانية، مشيرا إلى أن العام الماضي في هذا التوقيت أيضاً ارتفع سعر الصرف إلى نحو 600 ألف ريال.
وأكد أن مفاصل الاقتصاد الإيراني في يد الحكومة التي تستحوذ على عوائد صادرات النفط والغاز والبتروكيمياويات، لافتا إلى عامل آخر وهو التضخم الذي يشهده الاقتصاد الإيراني في الوقت الراهن بنسبة 40%، بالمقارنة مع العام الماضي.
وقال: "إذا اعتبرنا الدولار أيضا سلعة فإن سعره كذلك يجب أن يرتفع"، لافتا إلى قيام الحكومة بطباعة النقود أو ما يعرف برفع القاعدة النقدية، على الرغم من جهود البنك المركزي لكبح السيولة.
وأكد أن طباعة النقود ستزيد من التضخم في الاقتصاد وستساهم أيضا في رفع سعر الدولار والعملات الأجنبية. حول ما إذا كان سعر الدولار سيتراجع مرة أخرى عند بلوغه حاجز 600 ألف ريال على غرار ما حصل العام الماضي، استبعد يوسفي ذلك هذا العام، متوقعاً أن يتسبب ارتفاع سعر الدولار في تضخم أسعار السلع والخدمات أيضاً.
وقال الخبير الإيراني نفسه إن الحكومة ضغطت لمنع ارتفاع سعر الدولار، واليوم هذا الضغط لم يعد ينفع، مضيفا أنه من المنطقي أن يتضخم سعر الدولار شهرياً، الأمر الذي يسبب غلاء أسعار السلع والخدمات.
بدوره، عزا عضو غرفة التجارة الإيرانية العراقية حميد حسيني، السبب الرئيسي وراء ارتفاع أسعار الدولار والعملات الأجنبية إلى "أسباب سياسية وأمنية والمواجهات والحوادث الأخيرة في المنطقة"، مشيرا إلى أن ثمة أسباباً اقتصادية أيضا لعبت دورها في ذلك.
وتوقع حسيني في حديث مع وكالة "تسنيم" الإيرانية، عودة الاستقرار إلى سوق العملات الأجنبية مرة أخرى، معتبراً أن تراجع الريال "مؤقت". ولفت إلى أن البنك المركزي الإيراني سيتمكن من ضبط السوق والحد من تراجع الريال من خلال ضخ النقد الأجنبي إلى السوق في ظل ارتفاع إيراداته.