انتقلت حرب الطاقة بين روسيا والغرب من دائرة العقوبات المتبادلة، إلى استهداف المسارات المتمثلة في أنابيب نقل الغاز الرئيسية، ما يؤشر إلى بدء مرحلة جديدة من الصراع، خاصة في ظل محاولة الأوروبيين الانتقال إلى بدائل للأنابيب الروسية، في إطار خطتها لعزل موسكو عن أسواق الطاقة في القارة الباردة.
وتطمح تركيا، في خضمّ هذا الصراع، إلى أن تطرح نفسها كممر للغاز، سواء الروسي القادم من الأبواب الخلفية أو من الدول الأخرى مثل أذربيجان وإيران، وهي مساع يراها خبراء في الطاقة ومحللون اقتصاديون لن تتحقق بسهولة.
أنابيب أوروبية بديلة
وبعد أيام قليلة من تعرّض خطي أنابيب "نورد ستريم" الرئيسيين الناقلين للغاز الروسي إلى أوروبا تحت بحر البلطيق لأضرار تسببت في تسرّب الغاز، جرى الإعلان، يوم السبت الماضي، عن بدء عمل خط أنابيب الغاز الذي يربط بين شبكتي بلغاريا واليونان، ما يتيح لصوفيا الوصول إلى كميات أكبر من الغاز الأذربيجاني ويقلل من تأثير توقف الإمدادات الروسية، كما بدأ الغاز يتدفق إلى بولندا من خط أنابيب البلطيق الجديد من النرويج عبر الدنمارك، صباح اليوم ذاته، لتأمين جزء من الاحتياجات بعيدا عن روسيا، في الوقت الذي بادرت تركيا إلى الظهور في المشهد، باعتبارها في قلب نقاط نقل الغاز إلى أوروبا، سواء من أذربيجان، أو بحر قزوين، أو الشرق الأوسط، أو شرق المتوسط.
وتتطلع تركيا إلى أن تتصدر بوابة العبور الرئيسة المخصصة لنقل الغاز إلى أوروبا من خلال مسارين، الأول يتعلق بخط أنابيب "تاناب" الذي يمثل البنية التحتية التركية في ممر الغاز الجنوبي، والثاني يتعلق بالبنية التحتية لشركة "بوتاش" المملوكة للدولة واحتياطياتها من الغاز.
لكن الخبير في قطاع الطاقة، سمير سعيفان، رأى أن "الغرب لا يرغب في إعطاء تركيا الفرصة لتقود نقل الغاز من أواسط آسيا وإيران، أو حتى الغاز الروسي، رغم مؤشرات استحالة عودة العلاقات الأوروبية الروسية وحاجة القارة العجوز للغاز"، مضيفا: "لا أعتقد أنه سيجري منح تركيا هذا الدور، لاعتبارات سياسية قبل أن تكون اقتصادية".
ويشير سعيفان، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأوربيين قد يستعينون مرحلياً بالترانزيت التركي، خاصة أن نقل الغاز يحتاج إلى بنى تحتية ولا وقت لدى أوروبا أو الدول المصدرة البديلة لروسيا لتوفير هذه البنى، خاصة وأن الأوروبيين على أعتاب شتاء يتخوف من أن يكون قاسياً.
ويضيف: "لذا دور تركيا قد يكون مرحلياً، لأنها تربط أوروبا بالدول الغنية بالغاز مثل أذربيجان وتركمانستان وإيران والعراق، عبر خطوط جاهزة مثل تاب وتاناب والسيل التركي".
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي التركي، يوسف كاتب أوغلو، أن بلاده هي الخيار الأفضل والجاهز لنقل الغاز إلى أوروبا، فإلى جانب الخطوط التي تنقل النفط والغاز من روسيا وأذربيجان والعراق وروسيا إلى تركيا، هناك خطوط تمتد من الأراضي التركية وتنقل الغاز الطبيعي إلى الدول الأوروبية، مثل خط أنابيب "تاناب" الذي يعتبر جزءا من مشروع ممر الغاز الجنوبي لنقل الغاز الأذربيجاني المستخرَج من بحر قزوين لأوروبا عبر الأراضي التركية.
أنابيب تركية
ويشير أوغلو إلى أن خط "تاناب" يساهم إلى جانب خط "تاب" العابر للبحر الأدرياتيكي، في نقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، 6 مليارات منها لتلبية احتياجات تركيا، و10 مليارات تذهب إلى أوروبا، وسيزداد حجم الغاز الأذربيجاني المنقول عبر خط أنابيب "تاناب" أيضا إلى 23 مليار متر مكعب مع حلول العام المقبل، وإلى 31 مليار متر مكعب عام 2026.
كما دشنت تركيا منذ عام 2006 خط غاز جنوب القوقاز "باكو- تبليسي- أرضروم"، لنقل نحو 8.1 مليارات متر مكعب من الغاز الأذربيجاني إلى تركيا سنوياً.
وطورت أذربيجان خططاً تصديرية لاحقاً بالتنسيق مع الجانب التركي لإيصال الغاز الأذربيجاني إلى الأسواق الأوروبية، وهذا فضلاً عن خط أنابيب السيل التركي "نورد ستريم" الذي دخل العمل والتصدير منذ يناير/كانون الثاني 2020 لنقل الغاز الطبيعي من روسيا مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية ـ اليونانية، حيث تُقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يورّد للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا. وبحسب أوغلو، فإن تركيا تبحث عن تصدرها موقعا مركزيا في تصدير الطاقة لأوروبا الشرقية على الأقل.
تركيا تشتري الغاز الروسي بالروبل وتبيعه بالدولار
ويلفت إلى أن بلاده تستفيد اليوم عبر استيراد الغاز الروسي بالروبل بعد توقيع اتفاق التبادل بالعملات المحلية مع موسكو، وتصدره بالدولار، معتبراً أن ذلك سيزيد من توازن عرض العملات الأجنبية في السوق التركية، فيعوض خسائر الميزان التجاري ويساهم في تحسين سعر صرف العملة التركية التي تهاوت إلى ما دون 18.5 ليرة مقابل الدولار، وتعوض قليلا من فاتورة استيراد الطاقة، لأن تركيا تستورد أكثر من 95% من احتياجاتها من الخارج، بفاتورة تزيد عن 50 مليار دولار سنويا.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد حذر مؤخرا من أن أوروبا ينتظرها شتاء قاسٍ بسبب أزمة الغاز وستعاني من مشاكل خطيرة وحقيقية، مضيفاً أن بلاده "لا تعاني مشكلة بهذا الخصوص".