- التصعيد في الشرق الأوسط وإعادة تقييم توقعات أسعار الفائدة بعد أرقام التضخم الأمريكية السيئة يضيفان ضغوطًا قد تؤدي إلى انهيار الأسواق.
- صندوق النقد الدولي ينتقد السياسة المالية الأمريكية ويحذر من إعادة إشعال التضخم، مع بقاء المخاطر مرتفعة بسبب التوترات الجيوسياسية والديون.
بعد ارتفاعات قوية شهدها الربع الأول من العام، تبدو أسواق الأسهم والسندات في العديد من الاقتصادات الكبرى قريبة من نقطة انعطاف محتملة، يرجح البعض أن تكون سلبية للغاية، تسبب فيها تراكم تلال من الديون العامة والخاصة في تلك البلدان.
ويرى البعض أن التصعيد المفاجئ للأعمال العدائية في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، وإعادة تقييم المحللين بصورة مفاجئة لتوقعات أسعار الفائدة في أعقاب صدور أرقام التضخم الأميركية التي جاءت أسوأ من المتوقع، مثلا القشة التي ربما تتسبب في قصم ظهر البعير، وانهيار الأسواق في وقت قريب.
وتشكل المخاطر الجيوسياسية الحالية، وتحديداً المرتبطة بتصعيد المواجهة بين إيران وإسرائيل، بمشاركة حلفائهما، وما قد تتسبب فيه من تعطيل للتجارة العالمية ومن ثم ظهور متجدد لشبح التضخم، مزيجاً غير محبب للمستثمرين.
وفي تحليل حديث نشرته جريدة التليغراف البريطانية، قال جيريمي وارنر، محلل الأعمال والاقتصاد الحائز على عدة جوائز، إن "هذا المزيج قد يكون له آثار واسعة النطاق على الأسواق المالية، التي أصبحت معرضة للخطر على نحو مضاعف، بسبب المبالغة في تقييمات أسعار الأصول، والتي امتدت إلى نقطة الانهيار، بينما الاقتصاد العالمي غارق في الديون".
وأشار وارنر إلى تصوره أن العديد من التفاصيل مهيأة لتكوين "لحظة مينسكي" أخرى، والتي سميت على اسم الاقتصادي الأميركي هيمان مينسكي، ويقصد بها النقطة التي تنهار فيها الأسواق والاقتصادات المثقلة بالديون فجأة.
وتتلخص رؤية مينسكي الاقتصادية الثابتة في فكرة مفادها أن الاستقرار في الأسواق المالية يولد عدم الاستقرار. وكلما طال أمد بقاء الأمور مستقرة ويمكن التنبؤ بها، كلما أصبحت الأسواق المالية أكثر غفلة عن المخاطر الكامنة، وهو ما يؤدي في أغلب الأحيان إلى انهيار الصرح بأكمله في نهاية المطاف.
وأمس الثلاثاء، وجّه صندوق النقد الدولي انتقادات مباشرة غير معتادة لصناع القرار في الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن الأداء المتميز الذي حققته البلاد في الآونة الأخيرة، وتفوقت به على كافة الاقتصادات المتقدمة، كان مدفوعا جزئيا بسياسة مالية غير مستدامة.
وقال صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي لآفاق الاقتصاد العالمي إن "إسراف واشنطن في الإنفاق يهدد بإعادة إشعال التضخم وتقويض الاستقرار المالي طويل الأجل في جميع أنحاء العالم، من خلال زيادة تكاليف التمويل العالمية. وحذر صندوق النقد الدولي من أنه "ستتعين التضحية بشيء ما".
وعلى مدار الـ25 شهراً الأخيرة، اتبع بنك الاحتياط الفيدرالي السياسة الأكثر تشددا التي تشهدها البلاد في أكثر من أربعة عقود، أملاً في التصدي للتضخم الذي تغول في الاقتصاد الأكبر في العالم، في صورة غير معهودة.
وعلى الرغم من ذلك، يرى أغلب الاقتصاديين أن البنك المركزي الأميركي استطاع تجنب الدخول في ركود، ليتمكن الاقتصاد من تحقيق الهبوط الناعم، بينما خرجت أسواق الأسهم والسندات من دورة التشديد سالمة (نسبياً).
ومن الغريب أن الأسواق تفاعلت بهدوء مع أحداث نهاية الأسبوع، ولم يقفز النفط كما كان متوقعاً، وركز الجميع بدلاً من ذلك على الجوانب الإيجابية، وفي مقدمتها الجهود الرامية إلى منع التصعيد، فلم تتراجع الأسواق إلا قليلاً.
ومع بقاء التهديد الإسرائيلي بالقيام برد انتقامي في الأجواء، تأمل الأسواق في ما يسعى إلى تحقيقه صناع السياسات، وهو أن تكون العواقب السلبية قابلة للهضم، في الطريق لتعويض الخسائر بعد التأقلم على "الأمر الطبيعي الجديد".
ويقول وارنر إن هذا النوع من التفاعل في الأسواق هو جزء من نمط جديد، يتم فيه مواجهة كل محنة بهز الأكتاف واللامبالاة، وكأن لسان حال المستثمرين يقول: "حسنًا، كان من الممكن أن يكون الأمر أسوأ".
ومع ذلك، تبدو الأمور سامة بما فيه الكفاية؛ فما كان يبدو حتى الآن صراعًا تم احتواؤه نسبيًا، رغم التكاليف البشرية المروعة، يظهر الآن علامات على التحول إلى حريق إقليمي أوسع نطاقًا، وهو ما دفع بالعديد من القوى الكبرى من حلفاء إسرائيل للاقتراب بحذر من المنطقة، على نحو غير مشهود في عقود. وتأمل الأسواق الآن في الاستقرار عند النقطة الحالية، وتجنب الانخراط في مزيد من التصعيد.
ولا تبدو إسرائيل أو إيران صاحبة مصلحة حقيقية في توسيع الصراع؛ فالخصمان، وحلفاؤهما، لا يريدان حرباً صريحة، وجميعهم يسعون لمنع ذلك. ومع ذلك، فإن احتمالات خروج الأمور عن نطاق السيطرة ما زالت مرتفعة.
وقبل أسبوع واحد فقط كان كل شيء مختلفاً، بعد ما بدا أنه نجاح للبنوك المركزية في إكمال هندسة الهبوط الاقتصادي الناعم. وبدا أن الضغوط التضخمية التي سادت خلال العامين الماضيين تنحسر بصورة واضحة، حيث باتت الأسر والشركات قادرة على التكيف بشكل جيد مع أسعار الفائدة التي لا تزال مرتفعة.
وعلاوة على ذلك، تم احتواء الاضطرابات المصرفية في العام الماضي بشكل جيد، مع تراجع احتمالات حدوث ضرر شامل أوسع نطاقا.
ورغم تسجيل ركود معتدل، من الناحية النظرية، في عدد من الاقتصادات الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة، إلا أن ذلك لم يؤد إلى ارتفاع معدلات البطالة بصورة فعلية.
وبدأ النمو يظهر مؤخراً في الاقتصادات الأوروبية، وإن بمعدلات ضعيفة حتى الآن. أما الولايات المتحدة، فلم تقترب حتى من الركود، وتنمو الآن على نحو يثير حسد الجميع.
ومع ذلك، فإن عدم تعرض الأسواق لموجات تصحيحية واضحة، أو توسع المستثمرين في جني الأرباح، ترك الأسواق المالية مكشوفة بشدة، مع استمرار التقييمات المرتفعة، وخاصة في الأسهم المرتبطة بالتكنولوجيا، وارتفاع مخاطر الائتمان الأساسية.
وبينما كان الكثير من الأسر والشركات ومطوري العقارات يعتمدون على الانخفاض الحاد في أسعار الفائدة هذا العام لإخراجهم من الحفرة التي سببتها السياسات النقدية المتشددة، يبدو الآن أن هذا سيحدث بشكل أبطأ مما كان متوقعا. ويعني ذلك أن الكثيرين سيكافحون من أجل إعادة تمويل أنفسهم بشروط معقولة.
وتتضاعف هذه المخاطر في حال ارتفاع أسعار الطاقة من جديد، وهو ما يبدو قريباً نظرًا لتطور الأحداث في الشرق الأوسط. ومن شأن التضخم الأعلى من المتوقع أن يبقي أسعار الفائدة أعلى لفترات أطول، ليعاقب المثقلين بالديون، بما في ذلك الحكومات، التي تتأرجح بالفعل على حافة الأزمة المالية.
وفي كل الأحوال فإن الهبوط الناعم المتوقع قد يتبين أنه أقرب إلى التمني، من التحقق على أرض الواقع.