هل تكسب الجزائر معركة أمنها الغذائي؟

25 ديسمبر 2024
جانب من المعرض الوطني للفواكه والخضروات في الجزائر، 3 أكتوبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تسعى الجزائر لتحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي عبر توسيع الأراضي الزراعية وزيادة المساحات المسقية، مع التركيز على رقمنة القطاع للحصول على إحصائيات دقيقة لتحسين التخطيط.
- يلعب التمويل البنكي دورًا مهمًا في دعم الاستثمارات الزراعية، مع تحسين شبكات التخزين والتبريد، ويواجه الفلاحون تحديات في الحصول على التمويل بسبب عدم امتلاكهم لعقود امتياز.
- تمتلك الجزائر إمكانيات طبيعية كبيرة يمكن استغلالها لتحسين الزراعة، ورغم تحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 75%، لا تزال تعتمد على الواردات، مما يستدعي استثمار الأموال في الزراعة لتعزيز الإنتاج المحلي.

 

تخوض الجزائر "معركة" أمنها الغذائي، وترفع السلطات العليا للبلاد سقف الأهداف لتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية في آفاق سنوات قليلة مقبلة، موازاة مع تقليص اللجوء المعتاد للواردات.

وعلى الرغم من أنّ الخبير والمهندس الفلاحي أحمد مالحة أشار إلى الآليات الكثيرة المسخرة من قبل الدولة في هذا المجال تحقيقاً للأهداف المرجوة، إلّا أنّه أكد على أنّ عملاً شاقاً لا يزال ينتظر القطاع، فتجسيد هدف عدم استيراد القمح الصلب بداية من السنة المقبلة، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مادتي الشعير والذرة في آفاق 2027 مثلاً، يتطلب، بحسبه، توسيع الأراضي الفلاحية، خاصة في الجنوب الجزائري، موازاة مع توسيع المساحات المسقية إلى مليون هكتار، لتجاوز التبعية لـ"الزراعة المطرية"، لا سيما في ظل التغيرات المناخية وتضاؤل موسم التساقط بشكل كبير.

تصحيح الإحصائيات

شدد الخبير، في تصريحه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة رقمنة القطاع الفلاحي، فوضع الخطط العلمية يرتبط بضرورة التحكّم في إحصائيات والحصول على أرقام واقعية للقطاع، وذكر أنّ العديد من الأرقام في مختلف ميادين الزراعة خاطئة، وبالتالي "لا يمكن اتخاذها قاعدة في رسم خطة العمل الميدانية".
واستدل بأنّ المؤشرات المتوفرة في السابق بخصوص المساحات المزروعة من الحبوب كانت تقدر بـ3 ملايين هكتار، بينما لا تتجاوز حسب الأرقام الحقيقة 1.8 مليون هكتار، والأمر نفسه بالنسبة لتربية المواشي بين أرقام سابقة تشير إلى توفر الجزائر على حوالي 25 مليون رأس، في حين أن إحصائيات أخرى تؤكد على أنّ العدد قليل جدا بالمقارنة مع هذا.

وفي السياق ذاته، أكد مالحة على أهمية دور البنوك في تمويل الاستثمارات ذات الطابع الفلاحي، بالإضافة إلى الاهتمام بشبكة التخزين وغرف التبريد، لامتصاص الفائض في إنتاج مواد معينة وتحقيق التوازن في توريد السوق لتفادي حالات الندرة، إذ عادة ما تكون مطية لارتفاع الأسعار.
وهناك حلقة أساسية في النهوض وتطوير الزراعة الجزائرية، حيث إن عدداً كبيراً من الفلاحين ليست لديهم عقود امتياز (نوع من عقود لاستغلال الأراضي الفلاحية تصل إلى مدة 99 سنة)، بل يستأجرون الأراضي من فلاحين وأشخاص آخرين، ما يقصي الفلاحين الحقيقيين من الحصول على التمويلات البنكية أو الاستفادة من بطاقة الفلاح، واعتبر وضعيتهم الحالية بمثابة مغامرة تنفق فيها أموال طائلة على شكل استثمارات بدون أن تكون الأرض مضمونة.
ومن الناحية المقابلة، دعا مالحة إلى أهمية تنظيم القطاع على شكل أقطاب فلاحية تضمن عدم تشتيت الجهود، من خلال إنشاء قطب في كل مجال، بداية من الحبوب والبقوليات، وصولا إلى الخضر والفواكه باختلاف أنواعها، وبالتالي الاستفادة من خبرة بعض الولايات الرائدة في اختصاصات فلاحية معينة، والمساهمة تبعا لذلك بوفرة الإنتاج لتغطية احتياجات السوق المحلية.

موازاة مع الاستفادة، يقول الخبير: من الخبرة الأجنبية، خاصة في إطار عقود الشراكة الموقعة أخيرا مع الإيطاليين والقطريين وغيرهم، وبالتالي استقطاب التكنولوجيات الحديثة وتقاسم أعباء تمويل المشاريع الزراعية الكبرى.

الاستفادة من الإمكانيات الطبيعية في الجزائر

من جهته، أكد الخبير الفلاحي لعلا بوخالفة على أهمية الاستفادة من الإمكانيات الطبيعية للجزائر، بما في ذلك القدرات الخاصة بالمياه الجوفية للنهوض بالزراعة الصحراوية بجنوب البلاد، واستغلال أفضل للسدود في مناطق الشمال، فالجزائر تتوفر على 83 سداً من الحجمين الكبير والمتوسط تصل قدرة استيعابها إلى قرابة تسعة مليارات متر مكعب من المياه، إلّا أنّها تعاني من ضعف الصيانة وامتلاء جزء كبير منها بالطين والأوحال.

وأشار بوخالفة في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى استعمال محطات تصفية المياه المستعملة في الري الفلاحي، وذكر أنها ارتفعت من 20 محطة سنة 2000 إلى 270 محطة حاليا، تصل قدرة استيعابها إلى حدود مليار متر مكعب.
وقال الخبير إنّ الجزائر تمكنت من تحقيق اكتفائها الذاتي الغذائي بنسبة 75%، إلا أنها مرتبطة بالواردات في تغطية احتياجاتها من المواد الاستراتيجية، وعلى رأسها الحبوب، اللحوم الحمراء، الزيوت والحليب والسكر، وهو ما يكلف خزينة البلاد مبالغ تقدر بعشرة مليار دولار سنويا. وواصل بالقول إنّ استثمار هذا المبلغ في الزراعة سيحول الجزائر إلى واحد من البلدان الرائدة في العالم، تغطي احتياجات مواطنيها وتصدر فائض المنتجات للخارج.
وخلال تطرقه إلى تطوير القطاع الزراعي واستعمال التقنيات الحديثة، أشار لعلا بوخالفة إلى ضرورة التنسيق بين وزارة الفلاحة والوزارات المعنية بالبحث العلمي، لجعل هذا الأخير في خدمة الزراعة.

المساهمون