تواجه مجموعة كريدي سويس المالية وضعا صعبا في ظل سلسلة فضائح هزتها، وتراجع قيمتها في البورصة إلى أقل من الثلث خلال عام ونصف العام، ما يحيي في الأذهان ذكرى انهيار مصرف ليمان براذرز الأميركي، الضحية الأولى الكبرى للأزمة المالية التي عصفت بالعالم في 2008-2009.
وأصدرت اللجنة الأوروبية حول المخاطر المؤسسية التابعة للبنك المركزي الأوروبي، في نهاية أيلول/سبتمبر، إنذارا غير مسبوق منذ أكثر من عشر سنوات إلى القطاع المالي الأوروبي، داعية المصارف إلى "الاستعداد" لـ"سيناريوهات مخاطر قصوى"، ازداد احتمال حصولها منذ مطلع العام.
غير أن الخبراء أوصوا بعدم الاستسلام للذعر، معتبرين أن ثاني أكبر مصرف سويسري والنظام المالي المصرفي الأوروبي بمجمله أفضل تسلحا لمواجهة أزمة مما كانا عليه في بداية السنة.
لماذا يثير مصرف كريدي سويس المخاوف؟
عند اندلاع أزمة ليمان براذرز عام 2008، قررت إدارة الرئيس جورج بوش آنذاك أن تدعه يغرق على أمل أن تجعل منه مثالا، من دون أن تقدر كل العواقب المحتملة.
وأثار إفلاس الشركة الضخمة مخاوف في السوق من احتمال أن تتبعها مؤسسات أخرى، ما زاد من حدة المصاعب وحمل العديد من الدول على التدخل. وفي هذا السياق، فُكّكت شركة "فورتيس" البلجيكية الهولندية ووُضع فرعها البلجيكي تحت إشراف مصرف "بي إن بي باريبا" الفرنسي.
والأهم أن الدول اضطرت إلى اتخاذ تدابير عاجلة لإسعاف مؤسسات عديدة تعتبر "أكبر من أن يُسمح بسقوطها"، إذ كانت ستتسبب في حال إفلاسها بانهيار النظام المالي بالكامل، ومنها شركة التأمين الأميركية "إي إيه جي" وبنك "دكسيا" الفرنسي البلجيكي الذي لم ينجح بنهاية المطاف في تخطي أزمة الديون اليونانية.
غير أن عمليات الإنقاذ هذه كانت مكلفة جدا للمالية العامة، ومهّدت لأزمة الديون التي تلتها، وفرضت تبني سياسات تقشف مالي، لا سيما في أوروبا.
أي دروس استخلصت من أزمة 2008-2009؟
بذلت المصارف في العقد المنصرم جهودا هائلة لتوطيد متانتها في وجه أي أزمات قد تواجهها.
وفي هذا السياق، جرى رفع نسبة كفاية رأس المال التي يتحتم على المصارف الالتزام بها لضمان قدرتها على امتصاص خسائر محتملة، بموجب القواعد التي وضعتها "لجنة بازل للرقابة المصرفية"، ومقرها المدينة السويسرية.
وأعلنت مجموعة كريدي سويس، في نتائجها لمنتصف السنة الصادرة في نهاية تموز/يوليو، عن نسبة ملاءة قدرها 13,5%. وعلى سبيل المقارنة، تصل هذه النسبة إلى 12,2% لمصرف بي إن بي باريبا، و14,95% لمصرف "يونيكريديت" الإيطالي و13% لدويتشه بنك.
وأكد المسؤول في وكالة موديز للتصنيف الائتماني آلان لوران أن نسبة الأصول هذه، التي تسمح بمواجهة خسائر غير متوقعة، "تعززت بقوة" بعد أزمة 2008، وتجرى تعديل طريقة احتسابها لجهة تشديد القيود على المصارف.
كما تفرض الهيئة المصرفية الأوروبية على خمسين مصرفا كبيرا في القارة الخضوع دوريا لاختبارات إجهاد. وأظهرت نتائج آخر اختبارات نشرت في نهاية تموز/يوليو 2021 أن المؤسسات قادرة على امتصاص عواقب أزمة اقتصادية خطيرة من دون تكبد خسائر كبرى.
هل ثمة مخاوف من مفعول دومينو جديد؟
أكد غيوم لارمارو، الشريك في شركة كولومبوس كونسالتينغ المكلف الخدمات المالية، أن مجموعة كريدي سويس "تبقى شركة مالية متينة".
ولفتت فانيسا هولتز، مسؤولة فرنسا في بنك أميركا، إلى أنه في حال قيام أزمة، فإن "المتانة المالية للمصارف قوية جدا"، مشددة على أنه "جرى استخلاص العبر بصورة جيدة من 2008".
ثم أنه في حال إفلاس مصرف، فإن القارة الأوروبية "باتت تملك إطارا" للخروج من الأزمة أيا كان حجمها، بحسب ما أكدت في شباط/فبراير رئيسة بنك "سانتاندير" الإسباني آنا بوتين، التي تترأس لوبي المصارف الأوروبية.
وإن حاولت الحكومات، كوسيلة أخيرة، صرف أموال لإنقاذ مصرف، ثمة قاعدة جديدة تفرض في مرحلة أولى على المساهمين أو كبار الدائنين توفير التمويل، خلافا لما كانت عليه الحال قبل 2008.
كما تساهم المصارف في صندوق أوروبي هدفه منع تكبّد دافعي الضرائب فاتورة باهظة.
(فرانس برس)