هل يتحمّل الاقتصاد الأميركي تبعات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين؟

07 يناير 2025
احتجاجات على خطط ترامب لترحيل المهاجرين في نيويورك، 9 نوفمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التوظيف في الاقتصاد الأميركي: عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين غير الشرعيين قد تؤدي إلى فقدان وظائف للأميركيين، حيث يشكل هؤلاء المهاجرون جزءاً أساسياً في قطاعات مثل البناء والزراعة والمطاعم، مما يفاقم مشكلة نقص العمالة مع ارتفاع نسبة الشيخوخة.

- أسعار المستهلكين: الترحيل قد يسبب اختناقات في الإمداد وارتفاع الأسعار، خاصة في الزراعة والبناء. قد تلجأ الشركات إلى الأتمتة أو زيادة الواردات، مما يزيد التكاليف أو العجز التجاري.

- المالية العامة: تؤثر الترحيلات على المالية العامة بتقليص القوة العاملة والضغط على الميزانية، حيث يساهم المهاجرون في الإيرادات عبر الضرائب، وإزالتهم قد تؤدي إلى عجز مالي بسبب تقليص القاعدة الضريبية.

تترقّب الأسواق الأميركية الوصول الفعلي للرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لمعرفة مدى جديته في تهديده بإجراء عمليات ترحيل جماعي للمهاجرين غير الشرعيين، وما يمكن أن يكون لذلك من تبعات على الاقتصاد الأميركي والعالمي، في وقت تتزايد فيه المخاطر الجيوسياسية في العديد من المناطق حول العالم.

وعند تولّي ترامب منصبه في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري، ستكون عمليات الترحيل أولوية لساكن البيت الأبيض الجديد، حيث وعد الرئيس المنتخب بتنفيذ أكبر حملة ترحيل في تاريخ الولايات المتحدة، بحق المهاجرين غير الشرعيين، تتضمن مداهمات لأماكن العمل وإلغاء برامج الإفراج المشروط. ويعتزم مساعده الرئيسي ستيفن ميلر، و"قيصر الحدود" توم هومان، مسؤول ملف الهجرة، استخدام القوات المسلحة لتنفيذ المهمة. واستشهد ترامب بـ"عملية ويبتاك"، وهي حملة مثيرة للجدل في خمسينيات القرن الماضي في عهد الرئيس دوايت أيزنهاور، والتي أسفرت عن ترحيل ما يصل إلى 1.3 مليون شخص، مصدر إلهام له.

ووفقاً لمركز بيو للأبحاث، وُجد حوالي 11 مليون مهاجر غير مصرّح لهم بالعيش والعمل في الولايات المتحدة في عام 2022، من بينهم 8.3 ملايين يعملون، ويُعتقد أنّ العدد قد ارتفع الآن. ويقدّر الخبراء أنّ هناك حوالي 10 ملايين عامل غير مصرّح لهم، وهو ما يمثل 6% من القوى العاملة، يعمل كثير منهم في مواقع البناء والمزارع، بالإضافة إلى المطاعم. وتستضيف ولايات كاليفورنيا وفلوريدا ونيويورك وتكساس ما يقرب من نصفهم. وتقول مجلة ذي إيكونوميست إنه يمكن تقييم التداعيات الاقتصادية لترحيل هذه الفئة السكانية، سواء بشكل كامل أو جزئي، وهو الأرجح، من خلال ثلاثة أبعاد: هي التوظيف، وأسعار المستهلكين، والمالية العامة.

التوظيف في الاقتصاد الأميركي

غالباً ما يُناقش موضوع الترحيل باعتباره وسيلة لتعزيز فرص العمل للأميركيين، حيث صرّح ميلر في أكثر من مناسبة سابقة بأنّ الترحيلات الجماعية ستخلق وظائف للأميركيين وتزيد الأجور، إلا أنّ حقيقة ما سيحدث تعتمد على ما إذا كانت العمالة المهاجرة غير المصرّح بها تُعتبر بديلاً عن العمالة المحلية أو مكملة لها. وتشير الأدلة إلى الاحتمال الثاني، إذ وجدت دراسة أجرتها كلوي إيست من جامعة كولورادو دنفر أن عمليات الترحيل في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أدت إلى فقدان وظيفة واحدة لكل 11 مهاجراً جرى ترحيلهم. وقدّم معهد بيترسون للاقتصاد الدولي نتائج مماثلة، حيث قدّر الباحثون أنّ ترحيل 1.3 مليون عامل فقط، سيؤدي إلى انخفاض دائم في التوظيف بنسبة 0.6%، وسيكون الإنتاج أكثر تأثراً.

وأوضح مايكل كليمنز من جامعة جورج ماسون قائلاً: "المهاجرون غير المصرح لهم لا يوفرون فقط العمالة لتلبية طلب ثابت، بل هم مكوّن أساسي للإنتاج". فمثلاً، يجب على شخص ما تعبئة المأكولات البحرية لتحضير سلطات اللوبستر وجني الخيار يدوياً للسلطات اليونانية، ولكن نادراً ما يقبل الأميركيون على مثل هذه الوظائف بالأجور المعروضة. وخلال جائحة كوفيد-19، أجرى المجلس الوطني لأرباب العمل الزراعيين مسحاً لمعرفة عدد الأميركيين العاطلين عن العمل الذين قد يقبلون ما يقرب من 100 ألف وظيفة موسمية في المزارع جرى الإعلان عنها للعمال الضيوف عبر برنامج فيدرالي، فلم يتقدم سوى 337 فقط، وذلك في ذروة الأزمة.

ومع ارتفاع معدل التوظيف بين الأميركيين المولودين في البلاد، ممن تتراوح أعمارهم بين 25 و54 عاماً، إلى أعلى مستوياته منذ عقود، وزيادة نسبة الشيخوخة بين السكان، ستزداد مشكلة نقص العمالة سوءاً.

أسعار المستهلكين

تؤدي اختناقات الإمداد عادةً إلى ارتفاع الأسعار، لكن التأثير يختلف باختلاف القطاعات. ويُعد قطاع الزراعة الأكثر عرضة للخطر حال ترحيل المهاجرين من الولايات المتحدة، حيث يشير تقرير من جامعة كاليفورنيا ديفيس إلى أنّ ما يقرب من مليون من بين 2.5 مليون عامل زراعي في الولايات المتحدة هم من المهاجرين غير الشرعيين، وتعتمد مزارع الألبان والدواجن، التي لا يمكنها استخدام تأشيرات العمال الضيوف الموسميين، بشكل خاص، عليهم.

ويمكن تعويض فقدان هذه العمالة من خلال زيادة الأتمتة، أو استخدام المزيد من العمال المؤقتين، أو الاعتماد بشكل أكبر على الواردات. ووجد كليمنز وإيثان لويس من كلية دارتموث وهانا بوستل من جامعة ديوك أنّ استبعاد 500 ألف عامل مكسيكي مؤقت من المزارع في الستينيات أدى إلى زيادة كبيرة في الميكنة. ومع ذلك، لا تزال الروبوتات غير قادرة على منافسة البشر في بعض المهام، مثل قطف الفراولة. وبالتالي، قد تكون النتيجة إما زيادة التكاليف أو عواقب أخرى غير مرغوبة لإدارة ترامب، مثل زيادة العجز التجاري.

ومن المحتمل أيضاً أن ترتفع تكاليف الإسكان، فعلى عكس شركات إنتاج الغذاء التي يمكنها أحياناً اللجوء إلى الأتمتة أو الواردات، فإنّ شركات البناء لديها خيارات أقل. ويعمل حوالي 1.5 مليون مهاجر غير شرعي في هذا القطاع، يشكلون نحو سدس القوة العاملة، وما يقارب ثلث العاملين في وظائف مثل تركيب الجدران الجافة وبناء الإطارات والأسقف. وتواجه صناعة بناء المنازل بالفعل ضغوطاً بسبب ارتفاع أسعار الفائدة؛ وقد يؤدي مزيد من اضطرابات سلاسل الإمداد إلى تفاقم النقص.

وعلى الرغم من أنّ عمليات الترحيل قد تقلل من الطلب على الإسكان، فإن بحثاً أجراه تروب هوارد من جامعة يوتا وزملاؤه وجد أنّ الترحيلات خلال إدارة أوباما فاقمت نقص المساكن، حيث طغى التأثير على جانب العرض بسبب فقدان العمالة على الانكماش في الطلب، خاصةً أن المهاجرين غير الشرعيين نادراً ما يشترون منازل جديدة.

المالية العامة

وأخيراً، هناك التكلفة على الاقتصاد الأميركي والمالية العامة في البلاد، إذ لن تؤدي الترحيلات الجماعية إلى تقليص القوة العاملة فقط، بل ستزيد من الضغط على الميزانية الأميركية. فالمهاجرون غير الشرعيين غير مؤهلين لمعظم المزايا الفيدرالية المباشرة، مثل دعم برنامج أوباما كير، والإسكان العام، وبرامج الرعاية الاجتماعية. ومع ذلك، فإنهم يساهمون في الإيرادات العامة من خلال ضرائب المبيعات والرواتب، لصالح الضمان الاجتماعي والرعاية الطبية. ويدفع العديد منهم أيضاً ضرائب عقارية بشكل غير مباشر عبر إيجاراتهم.

وتمتد الآثار المالية للهجرة على الاقتصاد الأميركي إلى ما هو أبعد من المساهمات المباشرة، حيث تزيد الهجرة من عرض العمل والإنتاج الاقتصادي، مما يرفع الدخل الخاضع للضريبة وأرباح الأعمال. ويتوقع مكتب الميزانية في الكونغرس أن يؤدي الارتفاع الأخير في أعداد المهاجرين إلى تقليص العجز الفيدرالي بمقدار 900 مليار دولار من عام 2024 إلى 2034، بسبب زيادة الإيرادات الضريبية ونمو الاقتصاد الأميركي. وستؤدي إزالة حصة كبيرة من هؤلاء العمال إلى تقليص القاعدة الضريبية، مع إبقاء التزامات الإنفاق كما هي، وهو ما يؤدي بالضرورة لعجز مالي غير متوازن. 

المساهمون