هل يتمكن المركزي الأوروبي من التغلب على التضخم بعد خفضه الفائدة للمرة الرابعة هذا العام؟
استمع إلى الملخص
- تتأثر قطاعات مثل الخدمات والسياحة بارتفاع الأسعار، بينما تستفيد البنوك من قروض ميسورة بفائدة 3.15%، مما يعزز الاستثمار والنمو الاقتصادي.
- تراجع العولمة والحمائية الذاتية يزيدان التضخم، مع تأثيرات من جائحة كورونا والحرب في الشرق الأوسط، مما يزيد من دعم الأحزاب الشعبوية ويثير جدلاً حول فعالية السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي.
في ضوء المخاوف المتزايدة بشأن ضعف الاقتصاد في منطقة اليورو، والخشية من أن تؤدي النزاعات التجارية مع الولايات المتحدة ورئيسها المستقبلي دونالد ترامب إلى فرض ضغوط إضافية، وتزامناً مع الأزمات الحكومية التي تعيشها كل من فرنسا وألمانيا، أقدم البنك المركزي الأوروبي الأسبوع الماضي، وللمرة الرابعة هذا العام على خفض أسعار الفائدة على الودائع بنسبة 0.25، لتستقر عند 3%.
وفي الوقت الذي مهّد فيه مسؤولوه للقيام بتخفيضات أخرى العام المقبل، تزايدت التساؤلات عن الصعوبات التي تواجه المركزي الأوروبي للتغلب على معدل التضخم الذي عاد للارتفاع مجدداً في منطقة اليورو، حيث اعتبر البعض أن البنك ربما يكون قد ارتكب أخطاءً في وضع سياساته النقدية.
وفي وقت يستهدف المركزي الأوروبي تحقيق معدل تضخم سنوي بنسبة 2% على المدى المتوسط، قال الباحث الاقتصادي توماس ستيلر في حواره مع "العربي الجديد" إن إمكانية لجم المركزي الأوروبي لوحش التضخم، الذي عاد واتخذ اتجاهاً تصاعدياً، تعد صعبة نسبياً، ومن المرجح أن يستمر التضخم في عام 2025، ولا إمكانية لهزيمته كما وعدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد. وبين ستيلر أن التضخم وصل إلى 2.4% في منطقة اليورو في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، متوقعاً عودة أسعار الفائدة للارتفاع العام المقبل.
وأشار أيضاً إلى أن "قطاعات مثل الخدمات والسياحة والتأمين لن تنجو من الأسعار المرتفعة، وسيدور معدل التضخم فيها حول 4%، وسيطاول التضخم السلع الأساسية التي لا تزال تعاند، ولا تُستبعد منها أسعار مشتقات الطاقة أو الأغذية، التي ستكون عند مستوى 2.7%، وفق آخر البيانات".
من جهة ثانية، اعتبر ستيلر أن "قرارات المركزي الأوروبي ستشعر بها البنوك التجارية، حيث تتلقى فوائد على أموالها التي تحتفظ بها في البنك المركزي، وبالطبع سيشعر بها المدخرون، لأن الفوائد ستمرر إلى ودائع العملاء، فيما ستستفيد البنوك التجارية التي تريد أن تحصل على أموال جديدة من المركزي الأوروبي بفائدة 3.15% بدلاً من 3.40%، وهو ما ستجري ترجمته إلى قروض ميسورة التكلفة للشركات والأفراد من أجل الاستثمار، وبالتالي ضمان النمو".
ومن وجهة نظر ستيلر، يعد تراجع العولمة مقلقاً للسلطات النقدية ويغذي التضخم بدرجة أكبر مما كان متوقعاً في السابق. ويكلف الاتجاه نحو الحمائية الذاتية والمنافسة غير العادلة باستخدام التعريفات الجمركية والعزلة الاقتصادات أكثر مما قد يرغب فيه الأفراد، من دون أن ننسى تراكمات تأثيرات جائحة كورونا.
وأشار ستيلر إلى وجود إجماع لدى الخبراء على أن اختناقات التسليم المستمرة لها تبعاتها أيضاً، ناهيك عن المنعطف الذي تسببت به الحرب في منطقة الشرق الأوسط، واضطرار غالبية سفن شركات الشحن البحري للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، بدلاً من المرور من قناة السويس، الأمر الذي يؤخر التسليم بمعدل الثلث عن عدد الأيام المقدرة سابقاً، وهو أمر مهدر للوقت ومضيع للمال، ويؤدي إلى التضخم.
وفي السياق، بينت دراسة حديثة لمعهد كيل للاقتصاد العالمي أن التضخم والنمو انحرفا بشكل كبير عن توقعات السنوات الثلاث الماضية. وفي دراسة بعنوان "مفاجآت التضخم ونتائج الانتخابات"، أبرز المعهد أنه قام بتحليل 365 عملية انتخابات في 18 دولة صناعية بين عامي 1948و2023، وأظهرت النتيجة أن صدمة التضخم بمقدار عشر نقاط مئوية خلال الفترة التشريعية، مقترنة بنمو الأجور بأقل من المتوسط، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة حصة الأصوات للأحزاب الشعبوية والمتطرفة في الانتخابات التالية بما نسبته 2.8%.
المركزي الأوروبي وأخطاء السياسة النقدية
وفي الوقت الذي حذر فيه الخبير الاقتصادي غوستاف هورن، والذي يعتبر من مناهضي السياسة النقدية المتشددة، في مقال بمجلة ماكرونوم الإلكترونية من استمرار الضغوط التضخمية، بينت دراسة للمعهد الألماني للبحوث الاقتصادية في برلين أن المركزي الأوروبي ساهم في عام 2022 في وصول معدل التضخم إلى مستوى 10.6%. وتشير تقديرات الخبراء إلى أن ردة فعل المركزي الأوروبي كانت خاطئة بخصوص تأثيرات أسعار الطاقة على التضخم، وبدلاً من الزعم بأن السياسة النقدية ليس لها أي تأثير على هذا القطاع، كان على البنك أن يخفض الطلب على المواد الخام، من خلال زيادة أسعار الفائدة بسرعة أكبر، وزيادة سعر اليورو مقابل العملات الأخرى بشكل أكبر.
وبحكم أن الأوضاع ما زالت مقلقة بسبب بقاء السياسة النقدية التقييدية، واستمرار تأثير الزيادات السابقة في أسعار الفائدة على الديون القائمة، برز الكثير من الجدل والشكوك لدى العديد من الاقتصاديين حول ما إذا كانت التخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة مناسبة حقاً. واعتبر كبير الاقتصاديين في "كومرس بنك" الألماني يورغ كريمر، في حوار مع "هاندلسبلات"، أنه لا ينبغي للمركزي أن يخفض الفوائد بهذه الوتيرة وبسرعة أكبر مما ينبغي، رغم سعيه لتحفيز الاقتصاد الراكد.