من المتوقع أن تشكل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تهديداً قوياً بالنسبة لصانعي سياسات الاقتصاد الألماني، لأن الفوز التاريخ للجمهوري ترامب برئاسة الولايات المتحدة مقابل خسارة ساحقة لمنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، يعطي الرئيس القادم اندفاعة قوية لتنفيذ سياساته الاقتصادية التي تتوقع الدول الأوروبية أن تلحق أضراراً باقتصاداتها.
وتزداد التحديات التي تواجه السلطات الألمانية وسط انقسام سياسي أفضى، غداة انتصار ترامب التاريخي، إلى انهيار التحالف الحاكم الذي اعتبره رئيس البلاد فرانك فالتر شتاينماير، اليوم الخميس، بأنه "ليس نهاية العالم"، وذلك في تصريح صحافي تعليقاً على تصدع الائتلاف المكوّن من ثلاثة أحزاب هي "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" و"حزب الخضر" و"الحزب الديمقراطي الحر".
يأتي هذا المنعطف الخطير فيما يطالب حزب الاتحاد المسيحي المعارض (يضم الاتحاد الديمقراطي المسيحي/ الاتحاد الاجتماعي المسيحي) المستشار أولاف شولتز، بإجراء تصويت فوري على الثقة بالحكومة في الجمعية الاتحادية (البوندستاغ)، في موعد أقصاه الأسبوع المقبل، وذلك على لسان زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرز، خلال كلمة ألقاها في البوندستاغ اليوم. وهذا ما دفع بكبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى إبداء القلق إزاء انهيار الحكومة، واحتمال إجراء انتخابات مبكرة في أكبر دولة عضو في التكتل.
وعقب إقالة وزير المالية كريستيان ليندنر، قال نائب المستشار الألماني ووزير الاقتصاد روبرت هابيك إنه لن يقوم بأعمال وزير المالية، مشيراً في تصريحات لإذاعة دويتشلاند فونك، اليوم الخميس، إلى أنه لا يطمح إلى أن يكون وزيراً مؤقتاً للمالية. ودافع عن قرار المستشار شولتز بإقالة ليندنر، موضحاً أنه كان من الممكن سد فجوات الموازنة الحالية، ولكن "الإرادة لم تكن موجودة".
في غضون ذلك، برز اليوم تسجيل صادرات ألمانيا والإنتاج الصناعي انخفاضاً أكبر من المتوقع في سبتمبر/أيلول الماضي، مما أظهر ضعفاً في اثنين من الأسس الرئيسية للاقتصاد الألماني مع بداية الربع الرابع. وأظهرت بيانات من مكتب الإحصاء الاتحادي أن الصادرات انخفضت 1.7% في سبتمبر مقارنة بالشهر السابق، فيما تشير التوقعات إلى أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تضر بالصناعة والصادرات الألمانية، بعد تعهده بفرض رسوم جمركية نسبتها 10% على الواردات من جميع البلدان.
وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي أن الإنتاج الصناعي انخفض 2.5% على أساس شهري في سبتمبر، مقارنة بتوقعات في استطلاع لـ"رويترز" عند 1%.
الاقتصاد الألماني وأسباب انهيار التحالف الحكومي
قضيتا الخلاف اللتان دفعتا تحالف شولتز إلى حافة الانهيار، هما كيفية سد العجز المقدر بنحو 8 مليارات يورو (8.7 مليارات دولار) في الميزانية الفيدرالية لعام 2025، والتدابير الإضافية اللازمة لانتشال الاقتصاد الألماني من الركود الطويل، وذلك وفق تقرير أوردته شبكة بلومبيرغ أمس الأربعاء.
وأفاد التقرير بأن المساحة المتاحة لهم للمناورة كانت محدودة بسبب إصرار ليندنر على الالتزام بقواعد الاقتراض الصارمة في ألمانيا. ومما زاد من الشعور بالتناقض بين الحلفاء، أنهم عقدوا اجتماعات متنافسة مع مجموعات صناعية ومسؤولين عماليين ونشروا أوراقاً سياسية متضاربة، مما أدى إلى دعوات من مشرعي المعارضة لإجراء الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في سبتمبر 2025 في وقت مبكر.
كما تقول "بلومبيرغ" إنهم كانوا منقسمين حول كيفية معالجة المشاكل العميقة التي تواجهها الشركات المصنعة في البلاد، وخاصة شركات صناعة السيارات مثل شركة فولكس فاغن التي اضطرت إلى إعادة التفكير في التحول إلى السيارات الكهربائية والنظر في إغلاق المصانع بشكل غير مسبوق. وقالت شركة تصنيع قطع غيار السيارات Schaeffler AG يوم الثلاثاء، إنها ستلغي حوالي 4700 وظيفة في أوروبا، وتغلق موقعين مع تأثير الركود العميق في شركات صناعة السيارات الألمانية على سلاسل التوريد الخاصة بها.
ويقول محللون إن التأثير المحتمل لفوز ترامب على الاقتصاد الألماني متعدد الأوجه، ويمكن أن يؤدي إلى عواقب اقتصادية كبيرة، لا سيما من خلال العلاقات التجارية. وهنالك ستة جوانب تشكل خطراً على الاقتصاد الألماني بعد انتخاب ترامب وهي:
أولاً: تكهنات الحرب التجارية
مع عودة ترامب إلى منصبه تتزايد التكهنات حول تصعيد محتمل في التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ويتوقع محللون أنه إذا طبق ترامب التعريفات الجمركية على الواردات، فإن ألمانيا، باعتبارها واحدة من أكبر المصدرين إلى الولايات المتحدة، قد تواجه تداعيات اقتصادية كبيرة. ويكمن الخوف من أن تؤدي الحرب التجارية إلى فرض تعريفات انتقامية من الاتحاد الأوروبي، مما يزيد من تعقيد علاقات التجارة بين ألمانيا والولايات المتحدة.
ثانياً: توقعات الخسارة الاقتصادية
وفقاً لتقرير صادر عن المعهد الاقتصادي الألماني (IW) اليوم الأربعاء، فإنه إذا رفع ترامب التعريفات الجمركية على الواردات الأوروبية بنسبة 10% وفرض تعريفات أعلى على البضائع الصينية، فقد تشهد ألمانيا خسارة في الناتج المحلي الإجمالي تتجاوز 127 مليار يورو خلال فترة ولايته التي تمتد لأربع سنوات. وفي سيناريو أكثر حدة حيث يفرض الجانبان تعريفات بنسبة 20%، يمكن أن تتصاعد هذه الخسارة إلى حوالي 180 مليار يورو، وهو ما يمثل انخفاضاً محتملاً بنحو 1.5% في إجمالي الناتج المحلي الألماني.
ثالثاً: على الصعيد الصناعي
من المرجح أن تتأثر القطاعات الرئيسية مثل السيارات والأدوية بشكل كبير بزيادة التعريفات الجمركية التي ينوي تطبيقها ترامب. في عام 2023، شملت الصادرات الألمانية إلى الولايات المتحدة سلعاً عالية القيمة مثل السيارات والأدوية بقيمة 171.65 مليار دولار تقريباً (158.75 مليار يورو). ومن شأن التعريفات الجمركية أن تزيد تكاليف هذه المنتجات في الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى تقليل الطلب والإضرار بهذه الصناعات الألمانية الحيوية.
رابعاً: تزايد التوترات التجارية
من بين المخاوف الكبيرة التي أثارها الاقتصاديون أيضاً أن التوترات التجارية المتزايدة في ظل إدارة ترامب قد تؤدي إلى انهيار الاستثمار الخاص داخل ألمانيا. وفي حين أن الاستهلاك الخاص قد يظل مستقراً بسبب عوامل الطلب المحلي، فإن انخفاض ثقة الأعمال التجارية الناجم عن عدم اليقين في التجارة الدولية يمكن أن يعوق قرارات الاستثمار.
خامساً: التأثيرات الاقتصادية الأوروبية الأوسع
إن العواقب المترتبة على سياسات ترامب لن تؤثر بألمانيا فحسب، بل تخلف أيضاً تداعيات أوسع نطاقاً على اقتصاد الاتحاد الأوروبي بالكامل. ومع وجود تقديرات تشير إلى أن الدول الأوروبية الأخرى مثل إيطاليا وفرنسا قد تواجه أيضاً تأثيرات جمركية تتراوح من 1% إلى أكثر من 2%، فإن هذا الترابط يعني أن التحديات الاقتصادية التي تواجه ألمانيا قد تنتشر في جميع أنحاء أوروبا.
سادساً: الاعتبارات الاستراتيجية طويلة المدى
يؤكد اقتصاديون أن الحفاظ على علاقات قوية عبر الأطلسي أمر بالغ الأهمية لكلا الجانبين وسط المنافسة العالمية المتزايدة من دول مثل الصين. كما أن النهج الاستراتيجي الذي يتضمن التعاون بدلاً من المواجهة قد يخفف من بعض الآثار السلبية للحروب الجمركية المحتملة، ويعزز الاستقرار الاقتصادي بشكل أفضل في كلتا المنطقتين.
وبالتالي قد يؤثر فوز ترامب بشكل كبير في الاقتصاد الألماني، من خلال زيادة التوترات التجارية التي تؤدي إلى خسائر محتملة في الناتج المحلي الإجمالي، وتحديات خاصة بقطاعات محددة، ولا سيما في الصادرات مثل السيارات والأدوية، وانخفاض الاستثمار الخاص بسبب عدم اليقين، وتداعيات أوسع نطاقاً على الاستقرار الاقتصادي الأوروبي.