هل يصمد الاقتصاد الإسرائيلي في حرب شاملة مع حزب الله؟

26 سبتمبر 2024
حريق في موقع استهدفه حزب الله بكريات شمونة، شمالي فلسطين المحتلة، 24 سبتمبر 2024 (فرانس بر
+ الخط -

يسيطر التوتر على المؤسسات المالية والمستثمرين في إسرائيل من اتساع نطاق القتال، ليصل إلى حرب شاملة باتت وشيكة مع حزب الله اللبناني، إذ تزداد الضربات ضراوة من جانبه، وتصل إلى مناطق أعمق في إسرائيل، رداً على العدوان الوحشي الإسرائيلي على جنوب لبنان.

يرتسم سيناريو كابوسي للاقتصاد الإسرائيلي، حتى بات بعض المستثمرين يستعدون لحرب قد تبتلع إسرائيل بأكملها، بما فيها تل أبيب، وسط قلق متزايد من أن حزب الله قد يكون قادراً على شنّ مثل هذه الحرب. وفي ظل مثل هذا السيناريو، سيتضرر النمو الاقتصادي بشدة، وربما أكثر من الضربة التي تلقاها بعد عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 والاستنزاف الواسع للموارد المالية الإسرائيلية التي سُخِّرَت للإنفاق على القتال الذي طال أمده في قطاع غزة.

ويتوقع اقتصاديون ارتفاع نفقات الجيش الإسرائيلي بشكل أكبر حال نشوب حرب لا يمكن السيطرة عليها مع حزب الله، بما يزيد وتيرة هروب المستثمرين ويؤدي إلى إطاحة البنوك وهبوط قيمة الشيكل، الأمر الذي يضطر بنك إسرائيل إلى التدخل بما يؤدي إلى استنزاف احتياطيه من النقد الأجنبي.

بينما كانت الأنشطة الاقتصادية المختلفة تنتظر نهاية الحرب على غزة وعودة جنود الاحتياط إلى وظائفهم وتعافي الاقتصاد، إذ بحكومة بنيامين نتنياهو توسِّع جبهة الصراع مع حزب الله بالبدء بشنّ غارات غير مسبوقة على جنوب لبنان في الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول الجاري، ما تسبب في مقتل نحو 600 شخص وإصابة نحو 2000 آخرين حتى الثلاثاء الماضي، وذلك بعد أيام قليلة من تفجير أجهزة النداء الآلي المحمولة "البيجر" التي تسببت في مقتل 39 شخصاً وإصابة أكثر من ثلاثة آلاف شخص، لتتسع جبهة القتال مع حزب الله الذي يردّ برشقات صاروخية، تظهر بعض التقارير والصور التي تفلت من قبضة التعتيم الإسرائيلي أنها تتسبب بأضرار تبدو مؤلمة لإسرائيل واقتصادها حال استمرارها وتراكمها، حيث طاول القصف لأول مرة تل أبيب أمس، وفق ما اعلن الحزب.

الحرب تدفع الاقتصاد إلى حافة الهاوية

ويتجه الوضع الاقتصادي الصعب أساساً في إسرائيل إلى منطقة أكثر حدة. فقد بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي 0.7% فقط بين إبريل/نيسان ويونيو/حزيران، على أساس سنوي، أي أقل بنحو 5.2% عن توقعات خبراء الاقتصاد، وفقاً لوكالة بلومبيرغ الأميركية. وفي السادس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، اضطر وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إلى مطالبة الكنيست بالموافقة على زيادة طارئة في عجز الموازنة. وكانت هذه هي المرة الثانية التي يقدم فيها مثل هذا الطلب هذا العام، بينما بات إسراف سموتريتش في الإنفاق على الحرب يقلق المستثمرين، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية.

وبدأت الأموال تفرّ من البلاد. فبين مايو/أيار ويوليو/تموز تضاعفت التدفقات الخارجة من البنوك الإسرائيلية إلى المؤسسات الأجنبية فقط، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إلى ملياري دولار، بحسب "إيكونوميست"، ويشعر صناع السياسات الاقتصادية في البلاد بقلق أكبر مما كانوا عليه منذ بداية الصراع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

أي اقتصاد في زمن الحرب يعتمد على مدى توافر الأموال، بينما يتعين على حكومة الاحتلال تمويل الجيش، غالباً من خلال الإنفاق بالعجز، مع ضمان بقائها قوية بما يكفي لسداد ديونها عندما يحل السلام. والسيناريو الكابوسي بالنسبة إلى إسرائيل هو صراع ينتشر إلى القدس المحتلة وتل أبيب، المركزين التجاريين للبلاد. لكن حتى حرب أقل كثافة حيث يقتصر القتال على شمال البلاد قد تكون كافية لدفع اقتصادها إلى حافة الهاوية، وفق التقرير.

وفي مارس/آذار، عندما كان الجيش الإسرائيلي يعتبر أنه يمكنه حسم الأمور عسكرياً في غزة بحلول يوليو/تموز الماضي، قدر الجنرالات أنهم سيحتاجون إلى 60 مليار شيكل (16 مليار دولار)، أو 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي فوق ميزانيتهم العادية، بالإضافة إلى زيادة دائمة قدرها 30 مليار شيكل سنوياً للتعامل مع الوضع الأمني الجديد. لكن منذ ذلك الحين، ومع استمرار القتال، استمرت توقعات العجز في الارتفاع. ومن المتوقع الآن أن يصل العجز إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو ما يقرب من ثلاثة أمثال ما كان متوقعاً قبل الحرب. ومع اتساع رقعة الحرب، من المرجح أن يزداد العجز اتساعاً.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، بلغت ديون دولة الاحتلال 62% من الناتج المحلي الإجمالي، وعلى الرغم من أنه أقل كثيراً من المتوسط في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهي نادٍ يضم في معظمه بلداناً غنية، فإن مستويات الديون مرشحة للانفلات. وإذا استمر القتال في العام المقبل، فسوف يتدهور الوضع المالي ويرتفع سقف الديون. لذا تبدي وكالات التصنيف الائتماني العالمية قلقها حيال ذلك. وتقول كل من وكالتي "فيتش" و"موديز" إنهما قد تخفضان تصنيف إسرائيل مرة أخرى بعد أن فعلتا ذلك بالفعل مرة واحدة هذا العام.

وسبق أن خفضت "موديز" في فبراير/شباط الماضي تصنيف إسرائيل للمرة الأولى على الإطلاق، الذي حُدِّد عند A2. وفي إبريل/نيسان، خفضت "ستاندرد آند بورز" تصنيف دولة الاحتلال إلى مستوى A+. وفي أغسطس/آب خفضت "فيتش" تصنيفها لإسرائيل من A+ إلى A.

ارتفاع كلفة الديون

ويؤدي خفض التصنيف الائتماني إلى ارتفاع كلفة ديون الحكومة الإسرائيلية والتضييق عليها في الحصول على تمويلات وقروض جديدة للاستمرار في شن الحرب الإجرامية على غزة ولبنان، والدخول في مواجهة واسعة مع إيران وفق مراقبين. وفي لقاءات إسرائيلية مع الاقتصاديين في وكالتي "ستاندرد آند بورز" و"موديز" خلال الأيام الماضية، أعرب كبار الاقتصاديين في الوكالتين عن قلقهم بشأن الزيادة الكبيرة المتوقعة في ميزانية الحرب. كذلك هناك مخاوف رئيسية تتعلق بالانخفاض الكبير في الاستثمارات في إسرائيل، وخصوصاً في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وزيادة غسل الأموال.

على الجانب الآخر يزيد وزير المالية سموتريتش، وهو مستوطن في الضفة الغربية ينتمي حزبه إلى أقصى اليمين المتطرف، المشكلة سوءاً. فلا أحد يعتقد أنه سيطلب من الجيش خفض التكاليف. كذلك رفض اتخاذ تدابير أخرى لكبح العجز، إما من طريق خفض الإنفاق على بنود أخرى، وإما بزيادة الضرائب. وقد استفاد حلفاؤه المتطرفون والمستوطنون، من المزيد من الإعانات والمساعدات لهم، فيما وعد بتوفير 35 مليار دولار في العام المقبل للموازنة من خلال خفض العجز، لكنه لم يذكر كيف له ذلك.

ويواصل عجز الموازنة الصعود منذ إبريل/نيسان الماضي، عندما بدأ يرتفع إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي، ليزيد إلى 7.6% في يونيو/حزيران، و8.1% في يوليو/تموز، ثم إلى 8.3% في أغسطس/آب، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية. كذلك أظهرت بيانات مالية أوردتها صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، أن المؤسسات المالية العاملة في إسرائيل حولت إلى الخارج أموالاً تصل إلى نحو 151 مليار شيكل (40.4 مليار دولار) منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وعلى الرغم من عودة بعض جنود الاحتياط إلى العمل وعودة الاستهلاك إلى مستويات ما قبل الحرب، فإنّ اقتصاد إسرائيل يظل أصغر مما كان عليه عشية الحرب. كذلك تعاني سوق العمل من ضائقة شديدة، وتكافح الشركات لملء الوظائف الشاغرة، وتعاني الشركات الصغيرة العاملة في مجال التكنولوجيا العالية في إسرائيل من ضغوط شديدة. وتحذر مؤسسة "ستارت أب نيشن" البحثية من أن هذه الشركات تخسر التمويل بسبب الحرب.

في الأثناء رُفِض منح نحو 80 ألف عامل فلسطيني تصاريح عمل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ولم يُستبدَلوا قط. ونتيجة لهذا، أصبحت صناعة البناء أصغر بنسبة 40% عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي، الأمر الذي أعاق إلى حد كبير بناء المساكن وإصلاحها. وفي الوقت الحالي، كان التأثير الأكبر في التضخم، الذي بلغ معدله السنوي 3.6% في أغسطس/آب، بعد أن تسارع خلال الصيف. وإذا تزايد نطاق هجمات حزب الله، فإن نقص عمال البناء سيصبح مشكلة أكبر.

هروب رؤوس الأموال

وفي ظل هذه الأوضاع القاتمة أضحى المستثمرون غير متأكدين من قدرة إسرائيل على التعافي. فالشيكل متقلب، والبنوك الإسرائيلية تشهد هروب رؤوس الأموال، والبنوك الثلاثة الكبرى تعلن زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى بلدان أخرى أو ربطها بالدولار. ورغم أن التضخم لا يزال أعلى من المستهدف، فقد اختار البنك المركزي التمسك بسعر الفائدة السابق في اجتماع السياسة النقدية في أغسطس/آب، خوفاً من عرقلة التعافي.

ثم هناك السيناريو الكابوسي، وفق "إيكونوميست". فقليل من المستثمرين يستعدون لحرب قد تبتلع إسرائيل بأكملها، بما في ذلك القدس المحتلة أو تل أبيب، وسط قلق متزايد من أن حزب الله قد يكون قادراً على شنّ مثل هذا الهجوم. وفي ظل مثل هذا السيناريو، سيتضرر النمو الاقتصادي الإسرائيلي بشدة، وربما أكثر من الضربة التي تلقاها بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول. وسترتفع نفقات الجيش. وقد يؤدي هروب المستثمرين إلى إطاحة البنوك وهبوط قيمة الشيكل، الأمر الذي يضطر بنك إسرائيل إلى التدخل وإنفاق احتياطيه من النقد الأجنبي. وأياً كان ما سيحدث، فإن خبراء الاقتصاد الإسرائيلي مستسلمون لفكرة تفاقم الأمور. وحتى سموتريتش، الذي يتسم عادة بالتفاؤل، بدأ الآن يشعر بالإرهاق، قائلاً أخيراً: "نحن في أطول وأغلى حرب في تاريخ إسرائيل... إسرائيل تكبدت خسائر فادحة في الصراعات السابقة، لكن ينبغي ألا نُفاجأ إذا حدث الشيء نفسه مع الصراع الحالي".

المساهمون