قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" هذا الأسبوع إن بكين قررت حظر استخدام أجهزة "أيفون"، التي تنتجها شركة "آبل" الأميركية، وغيرها من الأجهزة ذات العلامات التجارية الأجنبية، على العاملين في وكالات الحكومة المركزية الصينية، فيما بدا كحلقة جديدة من مسلسل التنافس اللامنتهي بين العملاقين، الصيني والأميركي.
وذكرت "بلومبيرغ"، يوم أمس الخميس، أن مثل هذا الحظر قد يمتد أيضًا إلى الشركات المملوكة للدولة والكيانات الأخرى المدعومة من الحكومة الصينية، ما قد يشمل أعداداً ضخمة من المواطنين، في الاقتصاد الذي تسيطر عليه السلطات المركزية، في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 1.4 مليار نسمة.
وقال المكتب الوطني للإحصاء في الصين إنه قد تم توظيف حوالي 56.3 مليون عامل في المناطق الحضرية في "الوحدات المملوكة للدولة" في عام 2021. وتحصل هذه الوظائف على متوسط أجر يزيد بنحو 8% عن المتوسط الحضري الوطني، ما يجعلها قطاعاً هاماً لشركة متخصصة في الأجهزة المتميزة، مثل "آبل".
ولما كانت شركة "آبل" تشحن ما يقرب من 230 مليون جهاز "أيفون" على مستوى العالم كل عام، فإن 56 مليونًا سيكونون جزءًا كبيرًا من مجموعة العملاء المحتملين في سوق الهواتف الذكية العالمية، التي تتميز في الوقت نفسه باقترابها من حالة التشبع، مع توقع تحقيق معدلات نمو بطيئة فيها.
وعلاوة على ذلك، فقد أطلقت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "هواوي" هاتفًا ذكيًا جديدًا، يقال إنه يوفر سرعة تشبه سرعة الجيل الخامس، على الرغم من الحظر الأميركي على نوع الرقائق المتقدمة اللازمة عادةً لمثل هذه الأجهزة.
وبيع الجهاز الجديد المسمى "ميت 60 برو" في غضون ساعات، ولم يتم الوفاء بكافة الطلبات. وحرصت الشركة الصينية على إطلاقه قبيل إعلان شركة "آبل" المتوقع عن تشكيلة "آيفون" الجديدة لهذا العام، في حفل من المقرر عقده الأسبوع المقبل.
وعلى مدار يومي الأربعاء والخميس، تراجع سعر سهم "آبل" بصورة غير معتادة، ما كلف الشركة حوالي 194 مليار دولار من قيمتها السوقية. وقد يكون هناك بعض المبالغة في تقديرات المستثمرين لقيمة السهم، وفقاً لما قاله محللو الأسواق، إلا أن التراجع الكبير يشي بالعديد من المخاطر غير الواضحة حتى الآن، والمرتبطة بعملية الحظر في هذه السوق، التي كانت لسنوات واحدة من أهم أماكن التصنيع للشركة الأميركية، بالإضافة إلى توفيرها ما يقرب من ربع المشترين للجهاز المحظور.
ورغم التنافس التجاري بين أكبر اقتصادين في العالم، تدرك الصين جيداً أن لديها على الأقل بعض المصلحة في عدم إلحاق الضرر المفرط بأحد أهم الموظِفين في البلاد، في وقتٍ تتزايد فيه معدلات البطالة لديها. ووفقاً لبيانات رسمية، يوجد في واحدة فقط من المدن الصينية أكثر من مليون عامل، يعملون في بناء منتجات شركة "آبل"، أو في وظائف ذات صلة بالشركة.
وتمثل التطورات الأخيرة أحدث التحديات التي تواجهها شركة "آبل" في الدولة التي تعد الآن ثالث أكبر قطاع جغرافي لمبيعاتها، ما جعلها تستحوذ على 19% من إجمالي إيرادات الشركة في فترة الـ12 شهرًا المنتهية في يونيو/ حزيران.
وحققت مبيعات شركة "آبل" في منطقة الصين الكبرى هوامش تشغيلية قبل خصم الضرائب كانت أعلى بنسبة 12% من متوسط ما تحقق على مستوى الشركة خلال السنة المالية الأخيرة. وأدت قيود جائحة كوفيد-19 وتداعياتها إلى إعاقة إنتاج طرازات "أيفون برو" في الصين العام الماضي، ما أدى إلى تأخر وصول الشحنات للسوق الأميركية خلال فترة المبيعات الرئيسية. وتحاول شركة "آبل" حالياً تجنب تركز مراكز التصنيع في الصين، حيث بدأت إنتاج الأجهزة في دول مثل الهند وفيتنام.
ومع ذلك، لا تزال الصين أكبر قاعدة تصنيعية للشركة على الإطلاق، ولا يزال جهاز "آيفون" هو أهم منتجات شركة "آبل"، حيث يأتي وحده بأكثر من 52% من الإيرادات. ومن المفارقات أن هذا يجعل شركة "آبل" هدفا سهلا نسبيا في الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين.
وعلى الجانب الآخر، فرضت الولايات المتحدة قيوداً صارمة على شحنات الرقائق المتقدمة، والتكنولوجيا ذات الصلة، إلى الصين، والتي ردت بدورها بفرض قيودها الخاصة على الشركات الأميركية، مثل شركة ميكرون لصناعة شرائح الذاكرة.
كما فرضت بكين عقوبات أخرى على الشركات الأميركية، مثل حجب الموافقة على عمليات الاندماج والاستحواذ الكبرى، ما أدى إلى عرقلة خطط النمو لشركات أشباه الموصلات الأميركية، مثل "كوالكوم".
ويرى مراقبون أن استهداف "آبل" بحجر واحد سيؤدي إلى تموجات في بحر التكنولوجيا ككل، كون الشركة واحدة من أكبر مشتري الرقائق في العالم. فـ"إذا لم يتمكن عملاق مثل "آبل" تفادي "تراشق الرصاص" بين البلدين، فمن عساه يفعل؟".
وعلى نحو متصل، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تحقيقًا رسميًا حول شريحة متقدمة مصنوعة في الصين، وموجودة داخل أحدث هاتف ذكي تم طرحه من شركة "هواوي" الصينية، بالتزامن مع تصاعد التوترات بين القوتين العظميين، في سباقهما التكنولوجي.
وقالت وزارة التجارة الأميركية، التي فرضت سلسلة من القيود ضد "هواوي" وضد صناعة الرقائق الصينية على مدار العامين الماضيين، إنها تعمل على الحصول على مزيد من المعلومات حول معالج "7 نانومتر" "المزعوم" الذي تم اكتشافه داخل هاتف ميت 60 برو".
وتم تصنيع الشريحة من قبل الشركة الصينية الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، والتي تم إدراجها مثل "هواوي" في القائمة السوداء من قبل الولايات المتحدة، لمنعها من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية المتقدمة.
وأثار اكتشاف الشريحة جدلاً في واشنطن حول فعالية العقوبات التي تهدف إلى احتواء منافس جيوسياسي، وتزامن مع تحرك الصين الأخير لتوسيع الحظر على استخدام أجهزة "آيفون" لديها.
ومثل الكشف الهادئ لشركة "هواوي" عن هاتفها الذكي، والإعلان عن استخدامه للتكنولوجيا التي سعت الولايات المتحدة إلى إبعادها عن أيدي بكين، تهديداً لنجاح جهود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الهادفة لعرقلة التطور التكنولوجي الصيني. وتم طرح هاتف "هواوي" للبيع عبر الإنترنت، بينما كانت وزيرة التجارة جينا رايموندو في رحلة إلى الصين الأسبوع الماضي، الأحدث في سلسلة من الزيارات الدبلوماسية الأميركية رفيعة المستوى إلى بكين.
وأدت القيود الأميركية الصارمة، والمفروضة منذ عام 2019، إلى انهيار شركة "هواوي"، وأجبرتها على إعادة بناء العمليات لديها، بتكلفة باهظة على الحكومة الصينية.
وأثارت أجهزة "هواوي" الجديدة موجة من المشاعر القومية على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، بدا فيها الأمر "انتصار مدوياً" في مواجهة العقوبات الأميركية.
وارتفعت أسهم شركات تصنيع معدات أشباه الموصلات الصينية بما يصل إلى 20%، بعد أن حفزت أنباء التحقيق الأميركي الرهانات على أن القطاع سيتمتع بدعم متزايد من الدولة.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ للصحفيين في مؤتمر صحفي دوري في بكين يوم الجمعة: "لقد عارضنا دائمًا تسييس قضايا التجارة والتكنولوجيا، وإساءة استخدام مفهوم الأمن القومي". وأضافت: "العقوبات لن توقف تنمية الصين، ولن تؤدي إلا إلى زيادة عزمها على الاعتماد على الذات والابتكار التكنولوجي".