هل هذا معقول، وهل هناك حكومة عاقلة تصدر مثل هذه القرارات الغريبة التي تدمر ما تبقى من الاقتصاد المصري، لكن عدت وقلت لنفسي: لمَ الاستغراب والتعجب؟ فالنظام الذي قتل وشوى مئات المصريين في ميادين رابعة والنهضة ورمسيس والجيزة والمطرية وغيرها، ولا يزال يقتل المتظاهرين السلميين بالرصاص الحي في الشوارع والحواري، ويسجن أكثر من 40 ألف معتقل سياسي، ليس من المستغرب عليه أن يصدر قرارات من هذا النوع تضر بواحد من أبرز موارد البلاد من النقد الأجنبي وهو قطاع السياحة.
فجأة تفتق ذهن النظام عن حيلة بارعة وفي منتهى الذكاء تضمن له عدم دخول ممثلي منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني العالمية البلاد، وتحول دون أن تطأ أقدام هؤلاء تراب مصر من دون الحصول على إذن مسبق، حتى لا يُفاجأ النظام بهؤلاء وهم يعلنون نتائج تقارير حقوقية تدين انتهاكات حقوق الإنسان من داخل البلاد.
الحيلة تمثلت في صدور قرار لحكومة إبراهيم محلب، بإلزام السائح الأجنبي القادم إلى مصر بالحصول على تأشيرة مسبقة من سفارات مصر في الخارج، ومنع الحصول على تأشيرة من المطارات المصرية، كما هو النظام الحالي والذي كان متبعا منذ سنوات طويلة.
وللتأكيد علي القرار، أصدرت وزارة الخارجية، تعليمات لسفاراتها بوقف منح تأشيرات دخول الأراضي المصرية للسياح الأفراد في منافذ الوصول، اعتبارًا من يوم 15 مايو المقبل، قاصرة منح التأشيرات في منافذ الوصول على التأشيرات الجماعية للوفود السياحية.
القرار يمثل ضربة شديدة للسياحة المصرية التي تعاني أصلاً من انخفاضات حادة، سواء في عدد السياح أو الإيرادات بسبب حالة الانفلات الأمني وعدم حدوث استقرار سياسي بالبلاد، والحديث المستمر والمبالغ فيه عن الإرهاب، ولا سيما في مناطق الجذب السياحي مثل سيناء وشرم الشيخ وطابا والغردقة.
كما أن القرار سيزيد متاعب شركات السياحة، ويكفي أن نقول إن إيرادات السياحة في العام 2013 تراجعت بنسبة 48% لتبلغ 5.8 مليار دولار، وتزيد النسبة إذا ما قارنا رقم إيرادات العام الذى شهد الانقلاب العسكري بأرقام العام 2010، حيث تجاوزت الإيرادات 12.5 مليار دولار، ولذا خرجت علينا شركات السياحة نفسها لتهاجم القرار، فأمس هاجم عضو جمعيتي مستثمري مرسى علم وجنوب سيناء عاطف عبد اللطيف القرار، وقال إنه يؤدي إلى تراجع السياحة بنسبة 35% تقريبًا، تكون خسائرها بمليارات الدولارات، بل أعتبر أن هذا القرار لا يصب في مصلحة الأمن القومي، بالإضافة إلى أن تراجع معدلات السياحة يؤدي إلى فقدان الكثير من العاملين لوظائفهم، وهذا أيضًا أمن قومي.
السؤال المطروح: هل منع عدة أفراد من منظمات حقوق الإنسان العالمية من دخول مصر، يعادل الفاتورة الضخمة التي يتكبدها الاقتصاد المصري؟ خاصة إذا علمنا أن عائدات السياحة تسهم بنحو 11.3% من الناتج المحلي الإجمالي وبنسبة 14.4% من إيرادات مصر من العملات الأجنبية، وأن هذه الإيرادات تجاوزت 13 مليار دولار قبل ثورة 25 يناير.
نحن أمام حكومة مرتبكة ومتناقضة، ففي مؤتمر شرم الشيخ يخرج علينا عضو في الحكومة هو وزير السياحة المصري الجديد خالد رامي ويقول إن مصر لديها خطة طموح لتعزيز إيرادات قطاع السياحة إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2020.
وبعدها بأيام تخرج علينا الحكومة نفسها بقرار "يطفش" ما تبقي من السياح الأجانب، خاصة إذا ما علمنا أن الحصول على تأشيرة مسبقة من السفارة المصرية بالخارج، يستغرق قرابة أسبوعين، وأن السفارات لا تمنح التأشيرة للسائحين عبر الإنترنت.
اقرأ أيضاً:
السياحة المصرية الأكثر تضرراً بخسائر 20 مليار دولار