استمع إلى الملخص
- **تدهور القطاع الصناعي**: رغم التصريحات الرسمية بنمو الصادرات، يؤكد الصناعيون أن الصناعة السورية تدهورت بسبب التضييق وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما أدى لتراجع الصادرات وزيادة الاعتماد على الواردات.
- **عجز الميزان التجاري**: العجز التجاري السوري يتفاقم، حيث بلغت الواردات 3.35 مليارات يورو مقابل صادرات بقيمة 954 مليون يورو، مما يعكس تدهور الإنتاج المحلي وزيادة الاعتماد على الاستيراد.
يرى اقتصاديون سوريون أن نظام بشار الأسد يحاول، خلال الفترة الأخيرة، تسويق انتعاش الاقتصاد و التجارة السورية وعودة الصناعة والتصدير، وجاءت التصريحات الرسمية لترسّخ هذه الصورة، حيث أكدت أن معظم الصادرات كانت من خلال القطاع الصناعي. وفي المقابل، يرى محللو اقتصاد، في حديثهم لـ"العربي الجديد"، أن النظام السوري يحاول الالتفاف على الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي تعاني منها البلاد، عبر تصدير أوهام للشارع بأن الأوضاع الاقتصادية في طريقها للتحسن، على عكس الواقع الذي يؤكد تفاقم العجز التجاري وتدهور مختلف القطاعات.
ويعمد النظام السوري إلى المراوغة والإعلان عن بعض المعلومات الخاصة بالواردات وإخفاء أخرى، وهو ما حدث في بيانات نصف العام الجاري التي لم يذكر فيها حجم الواردات، كما أنه يتلاعب بأرقام الصادرات، حسب محللي اقتصاد.
نصف الحقيقة
في هذا السياق، وصف الاقتصادي السوري عماد الدين المصبح ما يعلنه النظام حول انتعاش الصادرات بـ"نصف الحقيقة" من خلال التركيز على أرقام الصادرات، من دون التطرق إلى الواردات أو عجز الميزان التجاري خلال النصف الأول من العام الحالي.
ويشير المصبح لـ"العربي الجديد" إلى أن "الأهم من حجم الصادرات ربما هو معرفة طبيعتها، هل هي مواد أولية تصدّر من دون الاستفادة من قيمها المضافة خلال التصنيع؟ هل هي مواد لازمة للسوق والمستهلكين وبتصديرها ترتفع الأسعار؟ كما لا بد من معرفة الجهة المصدرة، هل هي قطاع خاص أم عام؟
لأن القطاع الحكومي، برأي الاقتصادي السوري، "قد تهدّم" ولم يعد يصدّر، بعد مراحل تعمد تكبيدها خسائر استعدادا للخصخصة، وتقتصر صادراته على بعض الخامات كالفوسفات والمشروب الكحولي "العرق" وأغذية السوريين، من إنتاج المؤسسة العامة للصناعات الغذائية.
وكان معاون وزير الاقتصاد لشؤون التجارة الخارجية في حكومة بشار الأسد، شادي جوهرة، قد كشف مؤخرا أن إجمالي قيمة الصادرات السورية في النصف الأول من العام الجاري بلغ ما يفوق 500 مليون يورو، بزيادة تبلغ نحو 39%، مقارنة بقيمة الصادرات في النصف الأول من عام 2023. وبيّن معاون الوزير، خلال تصريحات سابقة، أن قيمة صادرات القطاع الصناعي في النصف الأول من العام الجاري بلغت ما يفوق 354 مليون يورو، من دون صادرات الصناعات الاستخراجية كالفوسفات وغيرها (التي بلغت نحو 73 مليون يورو)، منوهاً في الوقت ذاته إلى وصول الصادرات السورية في النصف الأول من عام 2024 إلى نحو 90 دولة عربية وأجنبية.
هدم القطاع الصناعي
حول القطاعات التي حققت نموا في التصدير، يشير المسؤول في حكومة بشار الأسد إلى أن قيمة صادرات قطاع الصناعات الكيميائية هي الأكبر ضمن صادرات القطاع الصناعي، وشكلت نحو 47% من صادرات القطاع، تليها صادرات قطاع الصناعات الغذائية بنسبة 17%، تليها صادرات قطاع الصناعات النسيجية بنسبة 15%. وفي هذا الإطار، يقول الصناعي السوري محمد طيب العلو إن "الصناعة السورية تهدمت بمعنى الكلمة"، بعد مراحل التضييق والإعاقة المستمرة منذ سنوات، من خلال رفع أسعار حوامل الطاقة التي انعكست "بشكل كبير" على تكاليف الإنتاج، وأفقدت المنتج السوري قدرته على المنافسة في الأسواق الخارجية.
ويضيف العلو لـ"العربي الجديد" أن العقوبات ورفع أسوار حدود الدول المجاورة والعالمية في وجه الإنتاج السوري، خاصة بعد وضع المخدرات ضمن المنتجات، أساءا وانعكسا على تراجع الصادرات، لكن الأهم- برأيه- ما تعانيه القطاعات الإنتاجية بشكل عام "صناعية وزراعية واستخراجية" تكمن في تراجع الإنتاج نتيجة أسباب كثيرة، منها ندرة المواد الأولية وارتفاع الأجور وانقطاع الكهرباء والمحروقات.
وأضاف: لعل ارتفاع أسعار الإنتاج المحلي في السوق السورية دليل على عدم القدرة على الكفاية الذاتية، كما أن غزو السوق السورية بالإنتاج الخارجي مؤشر على حاجتنا للسوق الخارجية وعدم قدرتنا على المنافسة، حتى في السوق المحلية.
وحول ما قيل عن ارتفاع صادرات القطاع الصناعي، يشير العلو إلى أن جلّها من القطاع الخاص (ألبسة وجلديات)، لكن صادرات القطاع الحكومي الصناعية وغير الصناعية، عدا الفوسفات، محدودة وفي تراجع مستمر.
يوضح مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصناعة بحكومة الأسد، مطيع الريم، أن أغلب الصادرات في القطاع الصناعي تعود لمصلحة شركات القطاع الخاص. وبيّن أن صادرات القطاع العام محدودة ويمكن حصرها في بعض أنواع التبغ ومنتجات غذائية، إضافة إلى تصدير بعض منتجات الشركة العامة لتصنيع العنب في حمص والسويداء "كحول".
ويضيف مدير التعاون الدولي في وزارة الصناعة أن الصادرات، خلال السنوات الأخيرة، إن لم تكن في القطاع العام الصناعي معدومة فهي في حدها الأدنى، معتبرا أن مشكلة التصدير "مشكلة عامة" حتى القطاع الخاص يعاني منها، وقسم كبير من شركات القطاع الخاص خسر الأسواق التصديرية، بسبب ارتفاع تكلفة المنتجات السورية مقارنة بدول الجوار.
غياب الواردات عن البيانات الرسمية
ويتساءل الاقتصادي السوري محمد حاج بكري عن قيمة الواردات التي غابت عن بيانات وزارة التجارة وأحاديث المسؤولين، وما هو وضع الميزان التجاري بعد تهديم عملية الإنتاج السوري، من خلال رفع التكاليف وزيادة الضرائب والإتاوات، ووضع عقبات ورسوم خلال استيراد المواد الأولية "حتى في قطاع الدواء".
ويضيف حاج بكري لـ"العربي الجديد" أن "وزارة التجارة كشفت أن الصادرات خلال العام الماضي نمت وتطورت، من دون الإشارة إلى حجم وقيمة العجز. فالصادرات في العام الماضي ومن القطاعين العام والخاص، بلغت 954 مليون يورو، ولكن المستوردات العام الماضي زادت عن 3.35 مليارات يورو، ليكون العجز في الميزان التجاري أكثر من 2.3 مليار يورو. ولو استثنينا الفوسفات فسنكون أمام أرقام مذهلة عن وقوع سورية في فخ الاستهلاك، وتراجع التصدير وتهديم الزراعة والصناعة".
يوضح مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الصناعة بحكومة الأسد، مطيع الريم، أن أغلب الصادرات في القطاع الصناعي تعود لمصلحة شركات القطاع الخاص
وعن تصريحات المسؤولين في حكومة بشار الأسد عن انتعاش الصادرات وزيادتها بنسبة 60% العام الماضي عن عام 2022، يصف الاقتصادي السوري تلك المعلومات بأنها "حقائق ناقصة ومضللة"، فالصادرات السورية زادت على صعيد الفوسفات والأحجار الصناعية والمنتجات الزراعية العطرية "كمون مثلاً"، لكن الواردات زادت على صعيد القمح نحو مليوني طن وزادت على صعيد النفط، بعد أن كانت سورية تصدّر نحو 150 ألف برميل يوميا، وزادت حتى على صعيد أبسط المنتجات الاستهلاكية اليومية للسوريين.
وعن تصريحات المسؤولين في نظام بشار الأسد وتحميل وزر تراجع الصادرات إلى تهديم الثوار للعملية الإنتاجية والعقوبات المفروضة على سورية، يردّ حاج بكري بأن الميزان التجاري السوري لم يصل يوما لمرحلة التوازن، قبل الثورة وبعدها، ولولا صادرات النفط والفوسفات والمواد الزراعية الخام، لوصلت الواردات إلى عشرة أضعاف الصادرات. ولنا في عام 2009 مثال حي، ولم تكن الثورة مندلعة ولم تكن هناك عقوبات على النظام، كما أن قطاع النفط كان في قمة الإنتاج "نحو 380 ألف برميل يوميا وصادراته نحو 150 ألف برميل".
وفي عام 2009، وحسب البيات الرسمية، بلغ عجز الميزان التجاري السوري نحو 225.6 مليار ليرة (حوالي 4 مليارات و804 ملايين دولار وقتذاك)، وحسب تقارير وزارة التجارة الخارجية، فإن قيمة الواردات بلغت 714.216 مليار ليرة سورية (ما يعادل 15 مليارا و195 مليون دولار) في حين بلغت قيمة الصادرات 488.330 مليار ليرة.
ويختم الاقتصادي السوري أن العلة في الإدارة الاقتصادية في نظام الأسد وتفشي الفساد، إن لم تشجع الحكومات المتعاقبة على التصدير عمليا وليس خطابات، بل كانت تعيقها ولا تدعمها كما الدول الأخرى، في حين تمنح وكالات الاستيراد للمنتفعين بهدف الأرباح، حتى بالنسبة للسلع الكمالية.