يلوذ فاضل عباس الجبوري بنخلات صغيرات، زرعها في حديقة منزله ليستذكر متعته أيام طفولته وشبابه؛ وهو يتفيأ ظلال بستان والده، وقت كان عامراً بخمسة آلاف نخلة مثمرة، تحولت منذ سبعة أعوام إلى أشباح نخيل؛ احترق نصفها وماتت الباقية مرضاً.
نحو خمسمائة نخلة تضررت في بستانه بفعل المعارك التي كانت تدور بين القوات الأميركية والمقاومة، بعد احتلال العراق في 2003، حيث كان المقاومون يختبئون داخل البساتين، وما تلا ذلك من إهمال حكومي جاء على ما تبقى من تلك البساتين، بحسب رواية الجبوري.
كان لازماً على الجبوري وإخوته أن يتركوا بستانهم الذي ورثوه عن والدهم، ويهجروا قريتهم في شمال بغداد، هربا نحو منطقة آمنة داخل العراق، بعد اشتداد وقع الطائفية عام 2006، فيما تحول البستان الذي كان عامراً إلى مقبرة نخيل.
ليس بستان الجبوري وحده الذي ماتت أشجاره، فعلى امتداد البصر كانت بساتين النخيل تترامى على جانبي دجلة، تزهو بجمالها وتغدق على أصحابها رطباً جنيا، لكنه اليوم ما عاد حاضراً في مشهد النهر، وبحسب مختصين فإن الإهمال الحكومي أول الأسباب.
يقول الخبير الزراعي فهد العنبكي لـ "العربي الجديد" إن "الزراعة أحد القطاعات الاقتصادية المهمة التي تضررت بفعل السياسات القاتلة التي انتهجتها الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003".
اقرأ أيضاً: النخيل ثروة جرفتها الحرب في العراق
وأضاف أن الحكومة العراقية قبل 2003 كانت تتبنى مكافحة الآفات الزراعية التي تصيب النخيل عبر رش المبيدات من خلال الطائرات، كما تستورد المبيدات الجيدة، وتعتمد خططاً مدروسة للمحافظة على ثروة النخيل وتحسينها، لافتاً إلى أن كل هذه الخطط أهملتها الحكومات التي جاءت بعد هذا التاريخ.
وظل العراق، لعقود، ضمن قائمة أكثر البلدان إنتاجا للتمور، وتنتشر بساتين النخيل في 14 محافظة، فيما كانت البصرة تعتبر مركز النخيل ليس في العراق فحسب بل في العالم، حيث يشير إحصاء حكومي يرجع للعام 1977 إلى أن البصرة تحوي أكثر من 9 ملايين نخلة، فيما لا يزيد عدد النخيل في تلك المحافظة حاليا على 3.5 ملايين نخلة.
وتقدر أرقام رسمية تعود الى سنوات قليلة قبيل احتلال العراق، أن عدد النخيل في العراق يبلغ نحو 30 مليون نخلة ليكون الأول بالعالم، لكن العراق شهد تراجعا في أعداد النخيل عقب الاحتلال خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، بسبب الحروب والزحف العمراني والأمراض والإهمال الذي تعرضت له بساتين النخيل.
ووفقا لوكيل وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي العراقي مهدي العلاق، فقد انخفضت أعداد النخيل من 30 مليونا إلى 16 مليون، بالوقت الحالي، وهي أرقام تعتمد على تقديرات خبراء، وليس إحصاء رسميا ميدانيا.
لكن وبحسب مختصين تحدثوا لـ "العربي الجديد"، فإن الحروب والتخطيط المائي السيئ وراء موت نخيل البصرة التي تعاني من شحة مياه؛ بسبب ارتفاع المد الملحي من الخليج العربي باتجاه شط العرب، وانخفاض مناسيب مياه دجلة والفرات وقطع إيران لنهر الكارون، كل ذلك أدى إلى جفاف الجداول التي كانت تروي ملايين النخيل، ما تسبب بموتها.
اقرأ أيضاً: التمور الإيرانية تغزو أسواق العراق