ما كشفته صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، يوم الثلاثاء الماضي من قرار دولة الاحتلال إقامة مشروعات في قطاعات عدة بمصر يجب ألا يمر مرور الكلام، خاصة وأنه يتنافى مع أبسط قواعد أمن مصر القومي، بل ويهدده في مقتل، ويضع البلاد واقتصادها ومشروعاتها وربما مستقبلها تحت إمرة دولة احتلال تضمر العداء والكراهية الشديدين لمصر منذ تأسيسها في 1948 وحتى الآن رغم معاهدة السلام والتطبيع السياسي والاقتصادي.
الصحيفة قالت في تقرير لها إن إسرائيل تستعد للقيام بعدة مشروعات على نطاق واسع في مصر، منها مشروعات لتحلية مياه البحر ومواجهة الانخفاض المتوقع في منسوب مياه النيل، وأخرى للطاقة الشمسية وإنتاج الكهرباء، والزراعة والري والغاز، وثالثة لجذب السياحة الأجنبية لمصر، مع تهاوي إيرادات القطاع وهروب السياح في العامين الماضيين.
ما كشفته الصحيفة الإسرائيلية لم يصدمني شخصياً، إذ أن النظام يرد الجميل لدولة الاحتلال التي ساعدته في الترويج له خارجياً، ولم يصدمني تأكيدها من أن تحرك إسرائيل لإنجاز مشاريع إنماء وتطوير للبنى التحتية في مصر جاء بناء على طلب مصري، وأنّ وزارة الأمن الإسرائيلية تدرس المشاريع المعروضة بالفعل.
ولم يصدمني ثالثاً تأكيد الصحيفة من أن تحرك دولة الاحتلال لإقامة مثل هذه المشروعات في مصر وحماسها الشديد يأتي في إطار سعيها للحفاظ على بقاء النظام المصري، خوفاً من القادم، وهو أسواً إذا ما نظرنا لتفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمصريين والارتفاعات القياسية في الأسعار.
وكلنا نتابع السلام الدافئ بين النظامين المصري والإسرائيلي منذ 3 يوليو 2013 وحتى الآن، ونتابع كذلك الزيارات المستمرة التي تجريها وفود إسرائيلية للقاهرة وعقدها لقاءات مع كبار المسؤولين، بمن فيهم رئيس الحكومة نفسه.
وبعضنا يذكر زيارة وفود اقتصادية إسرائيلية عدة القاهرة خلال شهور قليلة، منها ما جرى في ديسمبر 2015 وسبتمبر 2016، والتي تم خلالها بحث إتمام صفقة تصدير الغاز الإسرائيلي لمصر ولمدة 15 عاماً، والاتفاق على التفاصيل النهائية للصفقة التي تتم رغم إعلان الحكومة المصرية عن اكتشاف أكبر حقل للغاز في العالم قبالة سواحل بورسعيد شمال شرق مصر.
ونتابع كذلك وبشكل مستمر زيارات رجال أعمال وتجار ورؤساء منظمات أعمال إسرائيليين للقاهرة، والتسهيلات التي يمنحها النظام المصري للسياح الإسرائيليين الذين زاد عددهم خلال الفترة الأخيرة خاصة في مناطق طابا وشرم الشيخ وسيناء، وكذا التسهيلات الممنوحة من الحكومة المصرية للشركات المنظمة للرحلات السياحية للقدس المحتلة.
كل ذلك معروف ولا تخفيه السلطات الحاكمة، وإذا ما تناولته وسائل الاعلام لا تحاول هذه السلطات نفيه أو التملص منه، ورغم ذلك راهنت على إصدار بيان من مؤسسة الرئاسة ينفي ما نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، ربما حفظاً لماء الوجه، كما كان يفعل نظام مبارك طوال 30 عاما، رغم تطبيع هذا النظام مع إسرائيل في قطاعات الغاز والزراعة وصناعة النسيج وغيرها، أو تصدره المؤسسة تفادياً لغضب قطاع كبير من المصريين يرفض رفضاً شديداً أي خطوات من شأنها التطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني، لكن يبدو أن هذا البيان لن يصدر.