أخطر ما يحدث في مصر حالياً هو أن البلاد دخلت في دوامة القروض الخارجية قصيرة ومتوسطة الأجل، وليست الطويلة المريحة في السداد والتي قد تبلغ مدتها 20 عاما وربما أكثر كما كان الحال في السابق، وأنه باتت هناك صعوبة في تدبير الموارد الدولارية الذاتية التي يمكن من خلالها سداد الديون المستحقة على البلاد في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد.
صحيح أن البنك المركزي المصري يسدد أقساط وأعباء الديون الخارجية في مواعيدها المحددة، هذه شهادة لا بد من الاعتراف بها، وصحيح أيضاً أن الحكومة لم تتخلف يوماً ما وطوال السنوات الثلاثين الماضية عن سداد قسط خارجي مستحق عليها.
في الماضي كان يتم سداد هذه الديون الخارجية من موارد دولارية حقيقية ناتجة عن إيرادات البلاد من النقد الأجنبي سواء من السياحة أو الصادرات أو الاستثمارات الأجنبية أو تحويلات العاملين في الخارج وغيرها، لكن حالياً اختلف الوضع بعض الشيء، فالحكومة باتت تقترض من الخارج لسداد ديون مستحقة عليها للخارج أيضاً.
آخر ما قامت به وزارة المالية هو اقتراض 4 مليارات دولار اليوم الخميس عبر طرح سندات دولية في بورصة إيرلندا، وهذا القرض سيتم توجيه 3 مليارات دولار من حصيلته لسداد ديون خارجية حل أجلها لمستثمرين دوليين، وفي نفس اليوم اقترض البنك المركزي ملياري دولار من بنوك عالمية، أي أن الحكومة اقترضت 6 مليارات دولار في يوم واحد.
أضف إلى ذلك اقتراض 6 مليارات دولار أخرى خلال الفترة الماضية عبر ابرام الحكومة اتفاقيات ثنائية مع السعودية والإمارات والصين وغيرها، والقرض الأخير يعد شرطاً من قبل صندوق النقد الدولي مقابل تمرير القرض الذي طلبته مصر.
كما تتفاوض الحكومة لاقتراض 21 مليار دولار أخرى من مؤسسات دولية منها 12 مليار دولار من صندوق النقد و9 مليارات من مؤسسات أخرى منها البنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية.
إذن، المشكلة باتت لا تكمن فقط في القروض الخارجية التقليدية المستحقة على مصر مثل مستحقات دول نادي باريس البالغة 1.6 مليار دولار سنوياً، فهذه القروض من السهل سدادها، لكن المشكلة تكمن في سياسة التوسع السريع في الاقتراض الخارجي من قبل الحكومة.
كما تكمن في الديون الخارجية الأخرى المستحقة على البلاد في العام المقبل، خاصة المتعلقة بدول الخليج الثلاثة (السعودية والامارات والكويت) التي حصلت عليها الحكومة منذ 3 يوليو وحتى الآن، أضف إلى ذلك ديون مستحقات تركيا وليبيا ومستثمرين دوليين. أخرين
السؤال: هل لدى الاقتصاد المصري القدرة على توليد إيرادات مستقبلية من النقد الأجنبي يتم من خلالها سداد هذه الديون الضخمة، أم ستواصل الحكومة سياسة الاقتراض لسداد القروض المستحقة، وهنا تدخل البلاد بوابة جهنمية لا طاقة لها بها.
على السلطات أن تتحرك للحيلولة دون وصول البلاد لهذه المرحلة الخطيرة، وبالتالي تكرر البلاد تجارب دول سبقتها مثل اليونان وقبرص وبولندا وايرلندا وغيرها من الدول التي وصلت لمرحلة عجزها عن سداد الديون الخارجية، ولولا حصولها على مزيد من القروض الخارجية لأعلنت إفلاسها.
الوضع صعب ومعقد، وحالة مصر شيء، وحالة الدول المتعثرة الأخرى شيء آخر، فهذه الدول وجدت من يقرضها ويساندها ويعومها لأنها عضوة بتكتلات اقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي الملتزم بمساعدة الدول الأعضاء في حال تعثرها المالي.