كيف سيكون عليه حال منطقة الخليج بعد نفاد النفط، وماذا سيكون عليه الحال في حال الاستغناء عن الذهب الأسود كمادة للصناعة والمواصلات خلال السنوات المقبلة، وهل صحيح أنّ أسعار النفط المتدنية تنبئ عن قرب الاستغناء عنه لوجود مصادر أخرى للطاقة البديلة.
وإذا كانت جميع دول المنطقة تتحدث منذ نحو ربع قرن عن ضرورة تنويع الاقتصاد الخليجي وعدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل القومي والإيرادات العامة، فلماذا فشلت كل المحاولات السابقة لتحقيق هذا الهدف؟
خذ مثلا النموذج السعودي، فرغم مرور أكثر من 40 سنة على بداية الطفرة النفطية الأولى (1974-1985)، إلا أننا نلحظ أن اقتصادها لا يزال يعتمد اعتمادًا كلياً على صادرات البترول، بل وفشلت الحكومات المتعاقبة في تنويع الاقتصاد طوال كل تلك الفترة، ولا يزال النفط يمثل أكثر من 80% من صادرات البلاد، وأكثر من 90% من الإيرادات العامة.
ليست الأسئلة السابقة هي فقط المطروحة داخل منطقة الخليج بعد أكثر من عامين من بدء تهاوي أسعار النفط، فهناك أيضاً أسئلة أخرى منها، لماذا يظل نموذج الدولة الريعية أو الأبوية أو المستهلكة لا المنتجة هو النموذج السائد في منطقة الخليج رغم إطلاق استراتيجيات تنموية ضخمة وطويلة الأجل بعضها مستمد من أدبيات المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين، والبعض الأخر مكرر مثل الحديث المستمر عن ضرورة ترشيد الاستهلاك ومحاربة الفساد وإصلاح منظومة التعليم وتمكين المرأة.
وإذا كانت أزمة تهاوي أسعار النفط الأخيرة الممتدة منذ منتصف العام 2014، قد كشفت عن تعرض موازنات دول الخليج لعجز كبير وأزمات مالية حادة بسبب الاعتماد الكلي على النفط كمصدر شبه وحيد للإيرادات، فهل آن الأوان لتتحرك حكومات المنطقة لمعالجة هذا الخلل الكبير قبل أن تشهد المنطقة قلاقل اجتماعية ناجمة عن ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وزيادة الضرائب، وتحميل المواطن الجزء الأكبر من فاتورة علاج الخلل الاقتصادي، مع ضعف النسيج الاجتماعي، وتغليب الحلول الأمنية على الحلول الاقتصادية في معالجة بعض الأزمات المعيشية.
لا تتوقف الأسئلة المتعلقة بمستقبل دول الخليج مع الحديث عن نفاد النفط عند هذا الحد، بل إن المتحدثين في جلسات مؤتمر منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية الذي ينظمه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في العاصمة القطرية الدوحة لمدة 3 أيام. طرحوا أسئلة أخرى أكثر أهمية وحساسية منها: هل يمكن أن تشهد دول المنطقة مجموعة من التوترات في حال عدم الاستعداد الجيد لمرحلة ما بعد نفاد النفط، وكيف يتم التعامل مع تأثيرات التهاوي الحالي في أسعار النفط الذي فقد نحو 60% من قيمته منذ 2014، وأسفر عن تجميد تنفيذ بعض المشروعات الكبرى والاستغناء عن بعضها، وزيادة أسعار الوقود وفرض العديد من الرسوم.
جلسات المؤتمر كانت صريحة وبها مكاشفة كبيرة، إذ سعت لوضع تقييم حقيقي لاستراتيجيات دول الخليج المعلنة في التنويع الاقتصادي، والإجابة صراحة عن أسئلة حيوية منها: هل إصلاح سياسات التنويع باتت خياراً أم ضرورة؟ وما هي كلفة هذا التنوع السياسية والاجتماعية والاقتصادية؟
كان هناك ما يشبه الاتفاق في جلسات منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية على ضرورة البحث عن بدائل لدعم الاقتصاد الخليجي بعيداً عن النفط الذي تراجع سعره من 145 دولاراً منتصف العام 2014 إلى 30 دولارًا للبرميل في بداية العام الجاري 2016، قبل أن يرتد إلى 50 دولاراً حاليا، الأمر الذي مثّل تحديًا كبيراً وخطيراً على هذا الاقتصاد الريعي، إذ دفع الحكومات لزيادة أسعار الوقود خاصة البنزين وتجميد مشاريع تنموية كبرى، وخصخصة شركات عامة، وإدخال نظام البطاقة الخضراء، وإعادة النظر في التقديمات السخيّة التي يؤمّنها القطاع العام.
دول الخليج مطالبة بالتحرك سريعا لتنفيذ سياسات من شأنها تنويع الاقتصاد، وهذا يتطلب بما تشجيع القطاع الخاص، والاهتمام بقطاع الصناعة خاصة غير البترولية، وزيادة الصادرات والحد من العمالة الوافدة خاصة غير المدربة وقليلة المهنية، وتطبيق سياسات من شأنها الحد من الفساد، والأهم من ذلك إجراء إصلاح اقتصادي وسياسي وتعليمي.