تخيل أن سارقاً محترفاً وضع يده في جيبك وسرق منك 25% مما تحوزه من أموال، هل في هذه الحالة تتركه يفلت بجريمته، خاصة أنك رأيت يده تخرج من جيبك معافية ظافرة عامرة بالخيرات والأموال؟
السارق هنا هو الدولار الذي استطاع السطو على مدخرات المصريين من دون أن يملكوا حتى مقاومته، لأن الحكومة جردتهم من أسلحة الدفاع، الممثلة في إيرادات أنشطة السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية المباشرة من النقد الأجنبي بسياساتها الفاشلة.
وبحسبة بسيطة فإن الموظف البالغ راتبه الشهري 1200 جنيه خسر 330 جنيهاً من دخله في أقل من شهر، حيث تراجعت قيمة راتبه الحقيقي إلى 870 جنيهاً بسبب ارتفاع سعر الدولار من 7.83 جنيهات، وهو السعر الرسمي المحدد من قبل البنك المركزي، إلى 10 جنيهات وهو السعر المتداول في السوق السوداء غير الرسمية.
والموظف الذي يبلغ راتبه الشهري ألفي جنيه خسر 550 جنيهاً، أي أن راتبه الحقيقي تراجع إلى 1450 جنيهاً، وخسر الموظف البالغ راتبه ثلاثة آلاف جنيه 830 جنيهاً ليتراجع إلى 2170 جنيهاً، أما الموظف البالغ راتبه 4 آلاف جنيه فإن راتبه فقد نحو 1100 جنيهاً، بالطبع هذه الخسارة ليست عددية أو كمية، بمعنى أنك ستجد المحاسب بالعمل وقد خصم من راتبك مقدار الزيادة في سعر الدولار، لكنها تلمسها عند شراء السلع والخدمات وزيادة معدل التضخم.
لم يعد السؤال المطروح اليوم داخل مصر هو: كم يبلغ سعر صرف الدولار هذه الأيام؟ أو ما هو سعره خلال هذا اليوم تحديداً؟ بل بات السؤال: كم يبلغ سعر الدولار في هذه اللحظة وخلال الدقيقة التي أتحدث معك فيها؟
اقرأ أيضاً: لأول مرة في تاريخ مصر..الدولار بـ10.10 جنيهات
ومع كسر سعر الدولار حاجز العشرة جنيهات في بعض المناطق والمحافظات، وهو أعلى معدل في تاريخ البلاد، فإن المصريين باتوا يتندرون على أنفسهم بسؤال آخر ربما يكون أشد قسوة لكنه أكثر أهمية أيضاً وهو: كم نقص من مرتبك اليوم؟
ولأن مصر تستورد 70% من احتياجاتها من الخارج و60% من احتياجاتها الغذائية، ولأنها أكبر دولة مستوردة للقمح والذرة في العالم، باتت قضية الدولار تشغل بال المصريين بلا استثناء، خاصة وقد واكبتها عدة ظواهر خطيرة، منها ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار، وعمليات تخزين ضخمة للعملة الأميركية انتظارا لمزيد من الارتفاع، والأخطر حدوث شلل بين المستثمرين، الذين قرروا تأجيل ضخ استثمارات جديدة، أو حتى عمل توسعات لمشروعات قائمة لحين استقرار سوق الصرف وتراجع حدة الاضطرابات الجارية، و"رسوّ" الدولار على سعر محدد.
وامتد الشلل للمستوردين والتجار الذين راحوا يؤجلون عمليات الاستيراد، إما لصعوبة تدبير دولار، أو لارتفاع تكلفة الاستيراد وصعوبة تصريف السلعة المستوردة.
ومع الارتفاع المستمر في سعر الدولار، بات المصري محصوراً بين خطرين كلاهما مر، الأول هو خطر التضخم الذي يترتب عليه ارتفاع الأسعار وتآكل المدخرات، سواء التي في حوزته أو مودعة لدى البنوك، لحصوله على سعر فائدة سلبية يقل عن معدل التضخم السائد في السوق، والثاني هو خطر ارتفاع الدولار وتآكل أصول المصري المحلية من عقارات وغيرها.
المشكلة معقدة جداً ولا حل لها في المستقبل المنظور سوى التوقف عن الاستيراد، وهنا ستنفجر الأسعار في الداخل، أو الإنتاج بغزارة وبشكل سريع، وبالتالي إحداث توازن في الميزان التجاري، وكلا الأمرين صعب تحققهما في ظل الظروف المعقدة.
اقرأ أيضاً:
حكومة مصر تعتزم رفع سعر الدولار إلى 8.25 جنيهات
"المركزي المصري" يلغي حد الإيداع والسحب بالدولار للأفراد