باشرت حكومة الأردن الجديدة برئاسة هاني الملقي، مهامها رسمياً، أمس، بعد أدائها القسم الدستوري أمام العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وسط ملفات اقتصادية شائكة ستشكل اختباراً صعباً كونها حكومة انتقالية تسبق الانتخابات البرلمانية التي ستجري قبل نهاية سبتمبر/أيلول المقبل.
واللافت أن الملقي، أبقى على تركيبة الفريق الاقتصادي الذي ورثه من سلفه رئيس الوزراء عبد الله النسور، باستثناء تغيير وزيرة الصناعة والتجارة والتموين، مها علي، ودخول الاقتصادي العريق جواد العناني نائبا أول لرئيس الوزراء وزيرا للصناعة ورئيسا للفريق الاقتصادي.
ويرى مراقبون أن رئيس الحكومة اضطر للإبقاء على وزراء المالية والتخطيط والطاقة حاليا، بسبب وجود ملفات صعبة قطع هؤلاء الوزراء شوطا كبيراً فيها، والمصلحة تقتضي استمرارهم على رأس وزارتهم لحين الانتهاء من تلك الملفات.
ويقول المراقبون إن المفاوضات الصعبة التي يجريها الأردن حاليا مع صندوق النقد الدولي لاعتماد برنامج إصلاح اقتصادي جديد واشتراطات غير مسبوقة، قد عززت فرص الإبقاء على وزير المالية عمر ملحس الذي يقود تلك المفاوضات.
وعلمت "العربي الجديد" من مصدر مطلع، أن الملقي التقى، أمس الأول، ببعثة الصندوق بحضور وزراء المالية والتخطيط والطاقة للحكومة السابقة قبل أن يؤدوا اليمين الدستورية ضمن التشكيل الوزاري الجديد ما يعد تأكيدا على أهمية وجودهم ضمن الطاقم الحكومي هذه الفترة.
إلى ذلك قال الخبير الاقتصادي حسام عايش، لـ "العربي الجديد"، إن الملفات الصعبة الماثلة أمام الحكومة والتي ورثت بعضها عن الحكومة السابقة قد ألقت بظلالها على تشكيلة الحكومة بخاصة الفريق الاقتصادي فليس من السهل تغيير وزراء المالية والتخطيط والطاقة على سبيل المثال حاليا، وهناك مفاوضات حاسمة مع بعثة صندوق النقد الدولي أوشكت على الانتهاء في جولتها الحالية.
وأضاف أن الرهان معقود على الحكومة الحالية لتجاوز مطبات الصندوق خاصة في ظل الخبرة الاقتصادية والتفاوضية لرئيسها الملقي، ويسانده العناني رئيس الفريق الاقتصادي، الذي يملك خبرة واسعة لنحو 40 عاما تقلد خلالها العديد من المواقع الحكومية الاقتصادية والسياسية من أبرزها وزارات الصناعة والتجارة والتخطيط والخارجية ورئاسة الديون الملكي وغيرها.
ويرى عايش، أن استغلال عامل الوقت مهم أمام الحكومة لإنجاز مهامها بالسرعة المطلوبة، وتساءل إن كانت حكومة الملقي ستستطيع تخطي الحقول الشائكة من خلال تدعيم أركان الاقتصاد بقرارات لا تفقدها شعبيتها مبكراً.
وقال رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب الأردني، الذي تم حله الأحد الماضي، عبد الرحيم البقاعي لـ"العربي الجديد"، إن التشدد الذي يبديه صندوق النقد الدولي في مفاوضاته تأتي بناء على طلب من الدول والجهات المانحة التي تعهدت بالتزامات مالية للأردن في مؤتمر لندن للمانحين الذي انعقد مارس/آذار الماضي.
ويضطر الأردن إلى اللجوء للاقتراض لمواجهة أزمته المالية الخانقة، حيث بلغ عجز الموازنة 1.27 مليار دولار، من إجمالي الموازنة البالغ 11.97 مليار دولار.
وأضاف عايش، أن الحكومة الجديدة أمام تحديات صعبة منها زيادة الأسعار وفرض مزيد من الضرائب ورفع الدعم عن الخبز والكهرباء بخاصة للشرائح الفقيرة ومحدودة الدخل.
وأشار إلى أن الاستثمارات في قطاع الطاقة التي يشرف عليها مباشرة الوزير ابراهيم سيف، والخطط المرتبطة بها تشكل تحديا آخر أمام الحكومة للإسراع في إنجازها بهدف إخراج البلاد من عنق الزجاجة، حيث تعاني من ارتفاع العجز المالي بسبب أعباء الكهرباء والنفط.
وأكد مصدر مطلع في وزارة المالية، لـ "العربي الجديد" أن صندوق النقد يضغط بقوة على الحكومة لتخفيض النفقات بشكل كبير وتحقيق وفر مالي من خلال اتخاذ عدة إجراءات من ضمنها ربط تسعير الكهرباء بالأسعار العالمية، بحيث يعاد النظر بها شهريا على غرار ما هو حاصل في أسعار المشتقات النفطية التي تحدد شهريا تبعا للأسعار العالمية، ما سيؤدي إلى رفع أسعار الكهرباء على كافة المواطنين.
وأضاف أن الصندوق طلب أيضا العمل على تخفيض مديونية البلاد التي تجاوزت 34 مليار دولار متجاوزة 90% من الناتج المحلي الإجمالي المقدّر للعام الحالي، إضافة إلى تناول موضوع الدعم الحكومي للخبز والشعير.
وخصصت الحكومة 230 مليون دولار في موازنتها للعام الحالي لدعم القمح والشعير للمحافظة على أسعار الخبز عند المستوى الحالي ودعم مربي الثروة الحيوانية.
وأشار المسؤول الأردني إلى أن بعثة الصندوق التي بدأت في السابع عشر من الشهر الماضي، يفترض ان تنتهي اليوم الخميس دون أن تتوصل لاتفاق مع الحكومة بشأن برنامج الإصلاح، ومن غير المستبعد أن يتم تمديد فترة الزيارة.
وقال إن الصندوق يضغط على الحكومة، ضمن اشتراطاته، للعمل على تشغيل اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيه.
الخبير الاقتصادي أحمد زكريا صيام قال، لـ "العربي الجديد"، إن الخبرات التي يملكها رئيس الوزراء وأعضاء الفريق الاقتصادي كبيرة ومتنوعة، لكن الاستحقاقات الماثلة أمامها تصعب مهامها، وخاصة في هذه المرحلة التي يواجه فيها الأردن تحديات غير مسبوقة بسبب الاضطرابات المحيطة وأزمة اللجوء السوري.
وأضاف أن العاهل الأردني طلب من الحكومة العمل على إنجاز ملفات مهمة من بينها العمل على مواجهة مشكلتي الفقر والبطالة وتخفيضهما، ووضع الخطط اللازمة لمواجهة التحديات الاقتصادية إضافة إلى التحرك عربيا لتعزيز التعاون الاقتصادية، وعلى وجه الخصوص مع السعودية والعمل على مأسسة العلاقة الاستثمارية والاقتصادية معها بعد إنشاء صندوق الاستثمار المشترك.
وأوضح أن الحكومة مطالبة أيضاً بمتابعة نتائج مؤتمر لندن للمانحين الذي انعقد في مارس/آذار الماضي؛ والذي ترتب عليه التزامات دولية للأردن تجاه اللاجئين السوريين من توفير فرص عملهم والتعليم والرعاية الصحية وغيرها، مقابل وعود بدعم مالي وإقامة مناطق تنموية وتسهيل دخول الصادرات الأردنية للأسواق الأوروبية.
ورجح وزير المالية الأردني عمر ملحس، الذي حافظ على موقعه في الحكومة الجديدة، ألا تتجاوز نسبة النمو في الاقتصاد الوطني 2.2%.
وكان البرلمان الأردني قد وجه انتقادات للحكومة السابقة، لفشلها من وجهة نظرهم في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة في البلاد، خاصة مشكلتي الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار.
ودافع النسور عن حكومته، مؤكداً أنها حققت العديد من الإنجازات في مختلف القطاعات، خاصة في مجال الطاقة، وقال إن "الأردن شهد نقلة نوعية خلال السنوات القليلة الماضية".