لم تكن التغييرات التي شملت عدة حقائب وزارية وجهات حكومية في الجزائر، في وقت سابق من شهر يونيو/حزيران الجاري، هي الأولى التي تطاول مناصب اقتصادية، وإنما سبقتها بأيام تغيير محافظ بنك الجزائر المركزي، محمد لكساصي، بعد خمسة عشر عاما قضاها محافظا للبنك، وتعيين محمد لوكال مكانه.
واعتبر خبراء اقتصاد، أن تغيير محافظ البنك المركزي، جدد الحديث حول المؤسسة النقدية الأولى في البلاد، والتحديات التي تنتظرها في ظروفٍ اقتصادية يسيطر عليها تهاوي قيمة الدينار الجزائري وتراجع إيرادات البلاد من النفط، فضلا عن تغوّل الاقتصاد الموازي.
ويُجمع الخبراء على أن بنك الجزائر المركزي يقوم في الوقت الراهن بمهمتين أساسيتين: ضمان استقرار الأسعار من خلال محاربة تضخم الأسعار، وضمان استقرار النظام المالي والمصرفي في البلاد، وكل منهما مرتبط بمهمة كبرى هي مراقبة وتحديد قيمة صرف العملة المحلية.
ويعتبر الخبير في الاقتصاد النقدي، جمال نور الدين، أن بنك الجزائر المركزي كرس كل ما هو سلبي في عملية الرقابة على النظام المصرفي، "حيث أحدث البنك ركوداً في المنظومة المصرفية، وكبح التطور التجاري للبنوك الجزائرية".
ويستشهد نور الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، بالقروض البنكية "التي أُخضعت عملية منحها لشروط صارمة حددها بنك الجزائر المركزي".
وبالتالي يرى الخبير في الاقتصاد النقدي، أنه حان الوقت "لتطوير كل ما هو إيجابي في مهام بنك الجزائر المركزي، عن طريق تطوير الأدوات المصرفية، كالمصارف الإسلامية، والدفع الإلكتروني، وتغيير إدارة القروض المصرفية لإحداث نقلة في العلاقة بين الكم والكيف".
وبحسب مصدر مطلع داخل بنك الجزائر، فإن لوكال، محسوب على المدرسة "الليبرالية"، عكس المحافظ السابق لكصاسي، الذي يعتبر من "المحافظين".
ويرى المصدر، الذي طلب من "العربي الجديد" عدم نشر اسمه كونه غير مخول بالتحدث لوسائل الإعلام، أن "مدير بنك تجاري ناجح لن يكون بالضرورة ناجحا كمحافظ للبنك المركزي، لأن المهام ليست نفسها"، فهو يرى أن محافظ البنك المركزي لديه مهام سياسية تتطلب منه القراءة الجيدة للواقع، بالإضافة إلى المعرفة الجيدة بالتفاصيل الدقيقة في الاقتصاد، وهي النقاط التي كان يتوفر عليها المحافظ السابق للبنك المركزي.
وكان لكساصي قد دخل في العديد من المرات في صراع مع الحكومة، خاصة فيما يتعلق بتعويم قيمة الدينار، وهو ما يجعل السؤال يطرح اليوم حول مدى إمكانية تحمل المحافظ الجديد، لضغوط الحكومة خلال تطبيق برنامجه.
وتنتظر المحافظ الجديد لبنك الجزائر، العديد من النقاط الصعبة التي تترقب حلا في القريب العاجل، حسب الخبير الاقتصادي كمال زريف، الذي يرجح، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تكون الترسانة القانونية التي تنظم عمل البنك، هي أول ورشة سيفتحها المحافظ الجديد.
ويرى زريف، أن " أي تغيير في التوجهات العامة للبنك المركزي سيتطلب تغيير قانون النقد والصرف، الذي شُرع في 1990، خاصة أنه يلزم بنك الجزائر المركزي بتقديم القروض للخزينة العمومية فقط، على أن يتم التعويض في غضون 240 يوما".
ويعني قانون النقد والصرف، أن القرض هو عبارة عن ضخ أموال لسد العجز وليس قرضا اقتصاديا مربحا، وهو غير مقبول في الوقت الراهن الذي تسجل فيه الجزائر تراجعا في إيرادات النفط.
وأضاف المتحدث ذاته، أن محافظ بنك الجزائر السابق كان يعارض فكرة تعديل قانون الصرف والنقد، وهي العقبة الأولى التي تواجه المحافظ الجديد.
إلا أن المتتبعين لتطورات مؤشرات الاقتصاد الجزائري، يرون أن كل الإصلاحات التي تنتظر بنك الجزائر المركزي تبقى مهددة ، في حال انهيار احتياطي النقد الأجنبي، وهو السيناريو الذي تخشاه الحكومة والبنك المركزي.
وبحسب رئيس الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال، خلال اجتماعه مع أرباب العمل في البلاد ونقابات العمال في وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري، فإن الاحتياطي النقدي تراجع إلى 136.9 مليار دولار، مقابل 142 مليار دولار نهاية 2015.
وسجّلت الجزائر عجزا مالياً في الموازنة العامة في الشهرين الأول والثاني من العام الجاري 2016، بنحو 14 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية، حيث فقدت البلاد 70% من إيراداتها منذ انهيار أسعار النفط عالمياً منتصف 2014.
وكان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، قد أجرى تعديلاً وزارياً جزئياً تم بموجبه إنهاء مهام أربعة وزراء، منهم وزير الطاقة صالح خبري وتعيين المدير العام لشركة الكهرباء نور الدين بوطرفة مكانه، وإنهاء مهام وزير السياحة عمارغول، وتعيين وزير الموارد المائية عبد الوهاب نوري خلفاً له.
كما تم بموجب التغيير الحكومي الذي تم في 11 يونيو/حزيران الجاري، إنهاء مهام وزير المالية عبد الرحمن خالفة وتعيين حاجي بابا عمي خلفاً له، وإنهاء مهام الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان الطاهر خاوة وتعيين نائبة رئيس البرلمان غنية ايداليا، خلفاً له.