عاد ملف دعم أسعار الطاقة للنقاش مجدداً في الجزائر، بعد أن انتقد صندوق النقد الدولي الطريقة التي تُسير بها الحكومة الدعم، مشيراً إلى افتقاده العدالة، حيث لا يستفيد منه الفقراء مقارنة بالأغنياء في البلاد.
وبحسب جان فرونسوا دوفين، رئيس قسم منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، الذي يزور الجزائر، فإن "دعم أسعار الطاقة غير موزع بشكل متوازن وفق دراسة للصندوق، حيث يستفيد 20% من السكان الأكثر غنى من الدعم بما يعادل 6 أضعاف ما يستفيده نحو 20% من الفئات الأكثر فقراً في الجزائر".
ويقترح صندوق النقد على الحكومة الجزائرية، إعادة توزيع الدعم بما يسمح بتوفير مبالغ هامة يمكن استثمارها في التنمية الاقتصادية، وبالتالي إحداث توازن مالي في الموازنة العامة للدولة وإحداث العدالة الاجتماعية أيضاً.
وليست هذه المرة الأولى، التي يُوضع فيها ملف دعم أسعار السلع، لاسيما الطاقة، تحت مجهر صندوق النقد الدولي، وكذلك منظمة التجارة العالمية، التي تضعه دائماً في ملف المفاوضات القائمة بينها وبين الجزائر من أجل دخول المنظمة، حيث سبق وأن دعت هذه الهيئات بضرورة إدخال إصلاحات على آليات توجيه الدعم، حتى يصب في جيوب المواطنين المحتاجين له فعلاً.
وتُنفق الحكومة الجزائرية على ما يعرف بـ "دعم أسعار المواد واسعة الاستهلاك" قرابة ثلث أموال الخزينة العمومية، التي تتعرض لضغوط شديدة، بعد التراجع الحاد في إيرادات النفط.
وتكشف الأرقام الرسمية أن ما يقارب 450 مليار دينار جزائري (4.07 مليارات دولار) تخصص سنوياً من الخزينة العمومية للجزائر لتغطية الفرق بين السعر الحقيقي للمواد المدعمة وفي مقدمتها الغاز والكهرباء والوقود، بالإضافة إلى الزيت والسكر والطحين الموجه لصناعة الخبز، وبين السعر المطبق واقعياً على مستوى السوق الوطنية.
وقال نورالدين بيلاش، الخبير الاقتصادي، إن "المساواة التي أقرها الدستور الجزائري بين أفراد الشعب لا تعني بالضرورة تعميم مثل الامتيازات على كافة المقيمين".
وأوضح بيلاش، ولا تعني بالضرورة العدل، فعلى سبيل المثال يضيف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد" "أيعقل أن تكون تسعيرة الغاز أو الكهرباء نفسها في فاتورة مواطن جزائري بسيط وآخر يمتلك مصانع، أو أن يدخل 3 أشخاص إلى محطة الوقود أحدهم مواطن أجره لا يتعدى 100 دولار شهرياً والثاني صاحب مصانع والثالث أجنبي مقيم في الجزائر يتقاضى راتباً مرتفعاً ويدفعون نفس تسعيرة الوقود".
ورأى البروفيسور، كمال رزيق، أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة سعد دحلب في محافظة البليدة، أنه حان الوقت بالنسبة للحكومة لكي تعيد النظر في سياسة الدعم، لأن المستفيد منها الآن هم أصحاب المصانع والتجار.
وقال رزيق : "يجب التوجه من الدعم الشامل إلى الدعم الموجه، وذلك من خلال صب علاوات غير خاضعة للضمان الاجتماعي ولا للضرائب في أجور العمال أصحاب الدخل المتوسط، مع تحرير الأسعار حتى نكرس حرية التنافس في السوق".
وأضاف "حان الوقت كذلك لأن تلغي الحكومة سياسة دعم المشاريع ذات الطابع الاجتماعي، كتشييد الطرق السريعة وغيرها وتركها للقطاع الخاص حتى تُخضع عملية الاستفادة منها لمبدأ العدل".
وسجّلت الجزائر عجزاً مالياً في الموازنة العامة في الشهرين الأول والثاني من العام الجاري 2016، بنحو 14 مليار دولار، وفق البيانات الرسمية، حيث فقدت البلاد 70% من إيراداتها منذ انهيار أسعار النفط عالمياً منتصف 2014.
وبحسب رئيس الوزراء الجزائري، عبدالمالك سلال، خلال اجتماعه بأرباب العمل في البلاد ونقابات العمال في يونيو/حزيران الماضي، فإن الاحتياطي النقدي تراجع إلى 136.9 مليار دولار، مقابل 142 مليار دولار نهاية 2015.
في المقابل، يتخوف خبراء من أن تتسبب إعادة النظر في سياسة الدعم في الإضرار بالطبقات الفقيرة.
وقال كمال محمد، أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة عين تموشنت الجزائرية، إن الحد الأدنى للأجور في الجزائر يبلغ نحو 15 ألف دينار (140 دولاراً) شهرياً بما يعادل 4.5 دولارات يومياً لأسرة مكونة من 6 أفراد حسب تصنيف الديوان الوطني للإحصاء، أي بما يعادل 0.75 دولار للفرد يومياً، وهو أدنى بكثير من الحد الأعلى لمستوى الفقر المقدر بنحو دولارين.
وتتجه الجزائر لإجراء إصلاحات اقتصادية وفتح المجال بشكل أكبر أمام الاستثمارات الأجنبية، لتنويع مصادر دخلها، حيث وافق البرلمان، يوم الأحد الماضي، على قانون جديد للاستثمار، تأمل الحكومة أن يحسن المناخ التجاري خارج إطار قطاع النفط، بعد تراجع إيرادات الطاقة بنحو 50% بسبب انخفاض أسعار النفط.
ويُمثل النفط والغاز نحو 95% من عائدات تصدير الجزائر و60% من ميزانية الدولة. ويقضي القانون المقرر أن يدخل حيز التنفيذ، بحلول نهاية العام الحالي 2016، بتخفيضات ضريبية وخطوات للحد من البيروقراطية.