ربما لن يفتقد منتدى النخبة الاقتصادية والسياسية الذي ينعقد سنوياً في قرية "دافوس" السويسرية، ويطلق عليه اسم "منتدى دافوس العالمي"، هذا العام الرئيس دونالد ترامب الذي سيصبح بعد ثلاثة أيام رئيساً فعلياً للولايات المتحدة، ولكن بالتأكيد سيفتقد المنتدى حفلات الاستقبال الباذخة التي كان يقيمها الملياردير المدلل، على هامش المنتدى كل عام.
وكانت هذه الحفلات مثار إعجاب وسخرية في آن واحد، حيث كان ترامب يصرف عليها بسخاء بالغ ويجلب لها أغلى أنواع الكحول وأجمل الحسان.
عدا هذه الحفلات، فإن الملياردير ترامب الذي وظف التيار اليميني المتطرف بخطاب عنصري لم تعهده السياسة من قبل، واستنهض التيار الشعبوي الأناني في أميركا للوصول لسدة الحكم، يعد المسمار الخطير في نعش هذه النخب التي تتجمع سنوياً في هذه القرية الوادعة وتزرع المخاوف في حياة أهلها.
منذ بداية الأسبوع الجاري، تحولت الفنادق في دافوس إلى قلاع بوليسية، وتحول الخوف من الإرهاب إلى هلع، حيث بدت الشرطة واضحة للجميع في سقوف الفنادق وهي تحمل البنادق المضادة لطائرات "الدرون".
ووسط المتغيرات الجذرية التي تجتاح العالم، بدا المنتدى هذا العام بلا روح وبلا هوية ثقافية ومنعزلاً عن الواقع الجديد الذي بدأ في التشكل.
ويلاحظ أن ترامب حرص على عدم تمثيل إدارته بوفد يذكر في هذا المنتدى، حيث لم يحضر من الإدارة الأميركية الجديدة، سوى أنتوني سكاراموتشي، المستشار بفريق ترامب الانتقالي.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يحضر لأول مرة، يأمل في عقد لقاء مع فريق ترامب خلال هذا المنتدى.
لكن يبدو أن ترامب فضل المواجهة مع الصين، حيث واصل هجومه المتواتر على بكين وتحميلها مسؤولية ضياع الوظائف الأميركية، واتهمها بالتلاعب بسعر صرف اليوان وإغراق السوق الأميركي بالبضائع الرخيصة.
وفي المقابل فإن الرئيس الصيني الذي قال في دافوس، إنه يدعم بقوة قوانين "تحرير التجارة والعولمة"، فضل عدم المواجهة، حيث نبه إلى أن "الحرب التجارية" لن تكون في صالح أحد بالعالم.
كذلك تغيبت عن المنتدى هذا العام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي تناصر العولمة والانفتاح والتحرير التجاري، وتهاجم سياسات الانغلاق والعزلة وضرب اتفاقات التجارة الحرة.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والمعالجات الخاطئة التي اعتمدت على منح مليارات الدولارات للمصارف التي تسببت فيها، بدلاً عن معاقبتها، بحجة أن هذه الأموال ستمنع النظام المصرفي العالمي من الانهيار وستوظفها المصارف في الإقراض لخلق فرص عمل جديدة.
منذ ذلك الوقت تغيرت نظرة مواطني الدول الغربية إلى النخب الحاكمة باسم الديمقراطية في بلدانهم، وإلى النظام الليبرالي والانفتاح الاقتصادي، ولم تعد تصدق العديد من "الشعارات" المرفوعة من قبل الأحزاب التقليدية، وبالتالي حدث "انفصام حقيقي" في الغرب بين النخب المالية والسياسية وبين الجماهير.
فالرأسمالية في أميركا تحولت إلى شيوعية، حينما أفلست المصارف، حيث وزعت الدولة أموال الشعب على المصارف.
وفي ذات الوقت قالت للمواطن الذي فقد عمله "اذهب للسوق وابحث عن عمل، فمبدأ النظام الرأسمالي يمنع أن تصبح الدولة جهة موظفة للمواطنين". لقد انتهت أزمة المال بزيادة ثروة الأثرياء وزيادة "إملاق الفقراء". وهذا ما رفع من الغضب الشعبي في أميركا وأوروبا وغيرها من بلدان العالم. وبالتالي يتوقع خبراء في الغرب، أن يكرس المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام "انفصام النخب السياسية والمالية" عن واقع المجتمعات الغربية.
اقــرأ أيضاً
يقول منتقدون لمنتدى دافوس، إن العالم يعيش حالياً مرحلة انتقالية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يبحث عن بديل للنظام العالمي الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا البديل لم يتشكل بعد، رغم الإرهاصات التي بدت واضحة في الرفض الشعبي للأحزاب التقليدية في أميركا وأوروبا، وفشل " النظام العالمي القائم". ولكن لا يعرف بعد، ماذا بعد الرفض، وما البديل، وتبقى المخاوف من حدوث فوضى تسبق تشكيل النظام العالمي الجديد.
ويمكن القول إن تجمع دافوس سيبحث هذا العام أربعة قضايا رئيسية على أمل إيجاد حل لها وهي:
أولاً: إصلاح دولة الرفاه ومحاولة بسط الثروة في أميركا وأوروبا أكثر على المجتمعات الفقيرة، بدلاً من حصرها في عدد قليل من الأثرياء، وهو ما أدى إلى هشاشة اقتصاديات دول اليورو وأميركا وارتفاع الضرائب على الطبقة الوسطى وإفقارها، وتزايد الإنفاق الحكومي دون أن يقابل ذلك إنتاج، وهو ما انتهى إلى تراكم الديون واعتماد ضخ الأموال المطبوعة دون غطاء وانخفاض ميزانية بنود دولة الرفاه. وترجم ذلك سياسياً واجتماعياً في تذمر الطبقات الوسطى والطبقات الفقيرة وانقلابها على الأحزاب التقليدية في أوروبا وأميركا.
ويرى رئيس المنتدى وعدد من المشاركين أن الرد على صعود "التيار الشعبوي" والتطرف اليميني، يجب أن يتم عبر إصلاح النظام الرأسمالي ومؤسساته.
ثانياً: من المتوقع أن تثار مسألة معالجة مبدأ أن "الحروب العالمية حل مثالي لأزمات المال"، وهو مبدأ قديم مبني على المفاهيم الاستعمارية.
هذا المفهوم مبني على جشع النظام الرأسمالي في التعامل مع الدول الفقيرة في أفريقيا والمنطقة العربية وتمويل الحروب وتهييجها بدلاً عن حلها. وهو ما أدى في السنوات الأخيرة إلى الهجرات الكثيفة التي شهدتها أوروبا خلال السنوات الأخيرة.
وكانت نتيجة هذه الهجرات، أن زكت العنصرية وأثارت المخاوف العرقية من احتمال انتهاء القوميات البيضاء في أميركا وأوروبا. ويذكر أن ألمانيا من الذين يشجعون توجه الاستثمار الكثيف في أفريقيا الفقيرة وحل أزمة سورية، بدلاً من التذمر من الهجرة. وهو أحد الحلول المعقولة المطروحة لإيجاد فرص عمل وتحسن مستويات المعيشة في البلدان، حتى لا يهاجر شبابها بدلاً من التعامل معهم بهذه الطريقة الا انسانية التي نراها حالياً في أوروبا.
ويمكن القول إن مخاوف التحول الديمغرافي في المجتمعات الغربية بسبب الهجرات، قادت إلى صعود التيارات العنصرية التي كان وقودها كبار السن والطبقات الفقيرة التي شعرت أن المهاجرين نافسوها على مميزات دولة الرفاه، حيث نافسوهم على السكن المجاني أو شبه المجاني الذي كانوا يحصلون عليه، كما نافسوهم كذلك على الإعانات المالية التي يحصلون عليها وانخفضت قيمتها بسبب ضغوط الإنفاق الحكومي.
ثالثاً: هنالك مخاوف من تفتت الوحدة الأوروبية وسط الهجمات اليمينية، بل وهنالك إحساس متزايد بأن مشروع الوحدة الأوروبية، أفاد ألمانيا وحول بقية الاقتصادات الأوروبية إلى حديقة خلفية مستهلكة للبضائع والخدمات الألمانية.
كما أن هنالك تذمراً من التداعيات السالبة لعملة اليورو على الاقتصادات الضعيفة. وهذا التذمر بدا واضحاً في صعود شعبية اليمينية المتطرفة ماري لوبين في فرنسا وحركة "فايف ستار" في إيطاليا وفوز اليمين في الانتخابات البلدية في ألمانيا.
رابعاً: أزمة التباين المادي بين المدن والريف، حيث تحول الاستثمار والمال من الصناعة والزراعة إلى أسواق المال، وهو ما أدى إلى إفقار الريف وإثراء المدن. وهو ما خلق تبايناً كبيراً في النمو الاقتصادي، أدى ذلك لاحقاً إلى غبن اجتماعي واقتصادي وكراهية لمبادئ العولمة والانفتاح التجاري والاقتصادي والمالي.
اقــرأ أيضاً
عدا هذه الحفلات، فإن الملياردير ترامب الذي وظف التيار اليميني المتطرف بخطاب عنصري لم تعهده السياسة من قبل، واستنهض التيار الشعبوي الأناني في أميركا للوصول لسدة الحكم، يعد المسمار الخطير في نعش هذه النخب التي تتجمع سنوياً في هذه القرية الوادعة وتزرع المخاوف في حياة أهلها.
منذ بداية الأسبوع الجاري، تحولت الفنادق في دافوس إلى قلاع بوليسية، وتحول الخوف من الإرهاب إلى هلع، حيث بدت الشرطة واضحة للجميع في سقوف الفنادق وهي تحمل البنادق المضادة لطائرات "الدرون".
ووسط المتغيرات الجذرية التي تجتاح العالم، بدا المنتدى هذا العام بلا روح وبلا هوية ثقافية ومنعزلاً عن الواقع الجديد الذي بدأ في التشكل.
ويلاحظ أن ترامب حرص على عدم تمثيل إدارته بوفد يذكر في هذا المنتدى، حيث لم يحضر من الإدارة الأميركية الجديدة، سوى أنتوني سكاراموتشي، المستشار بفريق ترامب الانتقالي.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي يحضر لأول مرة، يأمل في عقد لقاء مع فريق ترامب خلال هذا المنتدى.
لكن يبدو أن ترامب فضل المواجهة مع الصين، حيث واصل هجومه المتواتر على بكين وتحميلها مسؤولية ضياع الوظائف الأميركية، واتهمها بالتلاعب بسعر صرف اليوان وإغراق السوق الأميركي بالبضائع الرخيصة.
وفي المقابل فإن الرئيس الصيني الذي قال في دافوس، إنه يدعم بقوة قوانين "تحرير التجارة والعولمة"، فضل عدم المواجهة، حيث نبه إلى أن "الحرب التجارية" لن تكون في صالح أحد بالعالم.
كذلك تغيبت عن المنتدى هذا العام المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، التي تناصر العولمة والانفتاح والتحرير التجاري، وتهاجم سياسات الانغلاق والعزلة وضرب اتفاقات التجارة الحرة.
ومنذ الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والمعالجات الخاطئة التي اعتمدت على منح مليارات الدولارات للمصارف التي تسببت فيها، بدلاً عن معاقبتها، بحجة أن هذه الأموال ستمنع النظام المصرفي العالمي من الانهيار وستوظفها المصارف في الإقراض لخلق فرص عمل جديدة.
منذ ذلك الوقت تغيرت نظرة مواطني الدول الغربية إلى النخب الحاكمة باسم الديمقراطية في بلدانهم، وإلى النظام الليبرالي والانفتاح الاقتصادي، ولم تعد تصدق العديد من "الشعارات" المرفوعة من قبل الأحزاب التقليدية، وبالتالي حدث "انفصام حقيقي" في الغرب بين النخب المالية والسياسية وبين الجماهير.
فالرأسمالية في أميركا تحولت إلى شيوعية، حينما أفلست المصارف، حيث وزعت الدولة أموال الشعب على المصارف.
وفي ذات الوقت قالت للمواطن الذي فقد عمله "اذهب للسوق وابحث عن عمل، فمبدأ النظام الرأسمالي يمنع أن تصبح الدولة جهة موظفة للمواطنين". لقد انتهت أزمة المال بزيادة ثروة الأثرياء وزيادة "إملاق الفقراء". وهذا ما رفع من الغضب الشعبي في أميركا وأوروبا وغيرها من بلدان العالم. وبالتالي يتوقع خبراء في الغرب، أن يكرس المنتدى الاقتصادي العالمي هذا العام "انفصام النخب السياسية والمالية" عن واقع المجتمعات الغربية.
يقول منتقدون لمنتدى دافوس، إن العالم يعيش حالياً مرحلة انتقالية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يبحث عن بديل للنظام العالمي الذي تم بناؤه بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا البديل لم يتشكل بعد، رغم الإرهاصات التي بدت واضحة في الرفض الشعبي للأحزاب التقليدية في أميركا وأوروبا، وفشل " النظام العالمي القائم". ولكن لا يعرف بعد، ماذا بعد الرفض، وما البديل، وتبقى المخاوف من حدوث فوضى تسبق تشكيل النظام العالمي الجديد.
ويمكن القول إن تجمع دافوس سيبحث هذا العام أربعة قضايا رئيسية على أمل إيجاد حل لها وهي:
أولاً: إصلاح دولة الرفاه ومحاولة بسط الثروة في أميركا وأوروبا أكثر على المجتمعات الفقيرة، بدلاً من حصرها في عدد قليل من الأثرياء، وهو ما أدى إلى هشاشة اقتصاديات دول اليورو وأميركا وارتفاع الضرائب على الطبقة الوسطى وإفقارها، وتزايد الإنفاق الحكومي دون أن يقابل ذلك إنتاج، وهو ما انتهى إلى تراكم الديون واعتماد ضخ الأموال المطبوعة دون غطاء وانخفاض ميزانية بنود دولة الرفاه. وترجم ذلك سياسياً واجتماعياً في تذمر الطبقات الوسطى والطبقات الفقيرة وانقلابها على الأحزاب التقليدية في أوروبا وأميركا.
ويرى رئيس المنتدى وعدد من المشاركين أن الرد على صعود "التيار الشعبوي" والتطرف اليميني، يجب أن يتم عبر إصلاح النظام الرأسمالي ومؤسساته.
ثانياً: من المتوقع أن تثار مسألة معالجة مبدأ أن "الحروب العالمية حل مثالي لأزمات المال"، وهو مبدأ قديم مبني على المفاهيم الاستعمارية.
هذا المفهوم مبني على جشع النظام الرأسمالي في التعامل مع الدول الفقيرة في أفريقيا والمنطقة العربية وتمويل الحروب وتهييجها بدلاً عن حلها. وهو ما أدى في السنوات الأخيرة إلى الهجرات الكثيفة التي شهدتها أوروبا خلال السنوات الأخيرة.
وكانت نتيجة هذه الهجرات، أن زكت العنصرية وأثارت المخاوف العرقية من احتمال انتهاء القوميات البيضاء في أميركا وأوروبا. ويذكر أن ألمانيا من الذين يشجعون توجه الاستثمار الكثيف في أفريقيا الفقيرة وحل أزمة سورية، بدلاً من التذمر من الهجرة. وهو أحد الحلول المعقولة المطروحة لإيجاد فرص عمل وتحسن مستويات المعيشة في البلدان، حتى لا يهاجر شبابها بدلاً من التعامل معهم بهذه الطريقة الا انسانية التي نراها حالياً في أوروبا.
ويمكن القول إن مخاوف التحول الديمغرافي في المجتمعات الغربية بسبب الهجرات، قادت إلى صعود التيارات العنصرية التي كان وقودها كبار السن والطبقات الفقيرة التي شعرت أن المهاجرين نافسوها على مميزات دولة الرفاه، حيث نافسوهم على السكن المجاني أو شبه المجاني الذي كانوا يحصلون عليه، كما نافسوهم كذلك على الإعانات المالية التي يحصلون عليها وانخفضت قيمتها بسبب ضغوط الإنفاق الحكومي.
ثالثاً: هنالك مخاوف من تفتت الوحدة الأوروبية وسط الهجمات اليمينية، بل وهنالك إحساس متزايد بأن مشروع الوحدة الأوروبية، أفاد ألمانيا وحول بقية الاقتصادات الأوروبية إلى حديقة خلفية مستهلكة للبضائع والخدمات الألمانية.
كما أن هنالك تذمراً من التداعيات السالبة لعملة اليورو على الاقتصادات الضعيفة. وهذا التذمر بدا واضحاً في صعود شعبية اليمينية المتطرفة ماري لوبين في فرنسا وحركة "فايف ستار" في إيطاليا وفوز اليمين في الانتخابات البلدية في ألمانيا.
رابعاً: أزمة التباين المادي بين المدن والريف، حيث تحول الاستثمار والمال من الصناعة والزراعة إلى أسواق المال، وهو ما أدى إلى إفقار الريف وإثراء المدن. وهو ما خلق تبايناً كبيراً في النمو الاقتصادي، أدى ذلك لاحقاً إلى غبن اجتماعي واقتصادي وكراهية لمبادئ العولمة والانفتاح التجاري والاقتصادي والمالي.