دفعت حرب الأسعار، وسباق التوسع في أساطيل الطائرات كبيرة الحجم، شركات طيران كبرى في روسيا إلى التعثر والإفلاس وسط توقعات باتساع دائرة الأزمة واستمرارا حالات تعثر الشركات.
وبعد مواجهاتها مشكلات مالية وارتفاع ديونها أمام المطارات الروسية والأجنبية إلى أكثر من 170 مليون دولار، توقفت شركة "فيم آفيا"، التي تعتبر عاشر أكبر شركة طيران في روسيا، نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، بينما كان عدد من حجزوا تذاكر سفر على متنها، يقارب 200 ألف راكب.
وتسبب إعلان الشركة إفلاسها في إلغاء مئات الرحلات الجوية، وبقاء آلاف الركاب عالقين بالمطارات داخل وخارج روسيا، الأمر الذي طاول طواقم الشركة أنفسهم، بعد أن كشف أندريه زايتسيف، السكرتير الصحافي للسفارة الروسية في السعودية الأسبوع الماضي، أن نحو 24 شخصا من طاقم "فيم أفيا" عالقون في مطار المدينة المنورة بسبب ديون استحقت على الشركة.
وما زاد من الأزمة الناجمة عن تعثر الشركة، أن 38 ألفا من الركاب كانوا موجودين بالمنتجعات السياحية خارج روسيا وأغلبهم في تركيا، بالإضافة إلى قبرص وإيطاليا واليونان وغيرها من الوجهات.
وعلى مدى الأيام الأخيرة، واصلت القنوات التلفزيونية الروسية بث تقارير حول معاناة المسافرين العالقين بالمطارات برفقة أبنائهم الصغار، وسط تخاذل الشركة عن توفير أماكن للمبيت ووجبات ساخنة لهم.
واضطرت الحكومة الروسية في نهاية المطاف للتدخل وتخصيص نحو 1.7 مليون دولار من الميزانية لتشغيل رحلات "فيم آفيا" وتنفيذ رحلات طيران عارض إضافية لنقل الركاب وحتى توظيف طائرات تابعة للرئاسة الروسية لهذا الغرض.
وبذلك تعتبر "فيم آفيا" أكبر شركة طيران روسية تواجه الإفلاس، منذ تعثر "ترانس آيرو" عام 2015 والتي كانت تعتبر أكبر شركة طيران خاصة في روسيا، وثاني أكبر شركة بعد الناقل القومي "أيروفلوت".
ويرى مدير عام شركة "إنفوموست" للاستشارات في مجال البنية التحتية والنقل، بوريس ريباك، أن كلتا الشركتين سقطتا ضحيتين لحروب الأسعار وسياسة توسيع أسطولهما بطائرات بعيدة المدى واسعة البدن.
ويقول ريباك في حديث مع "العربي الجديد": "يتكرر سيناريو (ترانس آيرو) مع (فيم آفيا)، فالناس لا يتعلمون من أخطاء غيرهم. اتبعت الشركتان سياسات عالية المخاطر واستمرتا في توسيع أسطولهما بطائرات بعيدة المدى واسعة البدن مثل (بوينغ-747) في حالة (ترانس آيرو) و(بوينغ-777) في حالة (فيم آفيا)".
وأضحت روسيا من أكبر الدول المشغلة للطائرات الكبيرة، لتصبح نسبتها أكبر منها حتى لدى كبرى شركات الطيران الأميركية التي تنقل أكثر من 100 مليون راكب سنويا".
وحول نتائج حروب الأسعار على قطاع الطيران الروسي، يضيف ريباك : "أصبحت أسعار تذاكر السفر على الشركات التقليدية الروسية أقل منها حتى مقارنة بالشركات الأجنبية منخفضة التكاليف، كما أن الحكومة الروسية تضغط على شركات الطيران لخفض أسعار السفر على الرحلات الداخلية".
ويتوقع الخبير الروسي استمراراً لحالات تعثر شركات الطيران الروسية، مقللا في الوقت نفسه من احتمال إفلاس شركات الطيران الخاصة الثلاث الكبرى، موضحا أن شركات "إس-7" و"يو تي آير" و"أورال"، تتبع سياسات محافظة وتتوخى الحذر في توسيع أسطولها، كما أنها ستحصل على حصص من ركاب "فيم آفيا" المتعثرة.
وكانت "فيم آفيا" من شركات الطيران القليلة المشغلة للرحلات إلى المناطق النائية في الشرق الأقصى الروسي، حيث تسبب تعثرها في إثارة مخاوف سكان هذه المناطق من ارتفاع الأسعار بعد تراجع المنافسة.
إلا أن ريباك يقلل من هذا الخطر، مرجحا أن تجبر الدولة "أيروفلوت" على تنفيذ رحلات إليها بأسعار عقلانية وسط سعي الحكومة لتطوير هذه المناطق.
وأظهرت دراسة أعدتها "إنفوموست" مؤخرا، أن أقل التعريفات بشركات الطيران الروسية في خريف 2017 بلغت 5.5 - 6 سنتات للراكب للكيلومتر مع وجود عروض بـ 3.5 سنتات ببعض الرحلات، وذلك مقابل معدل 6 - 7 سنتات للكيلومتر أو 60 - 70 دولارا لكل ألف كيلومتر بالشركات العالمية منخفضة التكاليف.
وخرجت الدراسة بنتيجة مفادها أن السعر العادل اقتصاديا لتذاكر الطيران في منظومة النقل العالمية يبلغ حوالى 100 دولار لكل ألف كيلومتر، محذرة من استمرار تعثر شركات الطيران في روسيا وارتفاع الأسعار بعد تراجع عدد اللاعبين في السوق.
وبحسب صحيفة "إر بي كا"، في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، فإن سوق الطيران الروسية شهدت تعثر عشر شركات منذ عام 2008، وكانت آخرها شركة "كوغاليم آفيا"، التي توقفت عن تنفيذ الرحلات بعد تحطم طائرتها من طراز "إيرباص-321" في سيناء قبل نحو عامين، كما تم تحديد الـ 19 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري موعدا للنظر في قضية إفلاسها.
وتضم قائمة شركات الطيران الواردة على موقع هيئة النقل الجوي الروسية عن عام 2016، نحو 35 شركة نقلت أكثر من 215 مليون راكب خلال العام، ومن بينها 13 شركة زاد عدد ركاب كل واحدة منها عن مليون.
وبلغت حصة الشركات الخمس الكبرى (وهي حكوميتان وثلاث خاصة) نحو 67% من إجمالي حركة نقل الركاب، وفي مقدمتها "أيروفلوت" الذي نقل 29 مليون راكب.
أما "فيم آفيا" المتعثرة حاليا، فنقلت أكثر من مليوني راكب، لتحل بذلك في المرتبة التاسعة في العام الماضي، قبل أن تتراجع إلى المرتبة العاشرة وفق الأرقام الصادرة عن الأشهر الثمانية الأولى من العام الجاري.
ومع بداية موسم الصيف هذا العام، واجهت "فيم آفيا" انتقادات لتأخيرات رحلاتها، فيما تبيّن أنها تعود إلى خضوع عدد من طائراتها لأعمال صيانة وعدم توفر طائرات بديلة لدى الشركة.
ومع تفاقم أزمة الشركة وتعثرها، هرب ملاكها إلى الخارج في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، بينما تم اعتقال مديرها العام وكبيرة محاسبيها ورفع قضية جنائية بموجب مادة "الاحتيال" لاستمرار الشركة في حجز التذاكر رغم علمها بموقفها المالي وعجزها عن سداد قيمة الوقود.
وأصدر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مرسوما باتخاذ "إجراءات تأديبية" بحق وزير النقل في حكومته، مكسيم سوكولوف، متوعدا خلال اجتماع متلفز أخير بالتفكير في التعامل مع تقصيره.
وفي الوقت الذي لا يزال فيه مصير شركة "فيم آفيا" مجهولا، ذكر نائب رئيس الوزراء الروسي، أركادي دفوركوفيتش، في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أن هناك مستثمرين يدرسون إمكانية شراء الشركة بديونها، كما سبق لمالكها أن أبدى استعدادا لبيعها مقابل مبلغ رمزي قدره روبل واحد.
ورغم القلق المتزايد من السابق الحاد بين شركات الطيران على تخفيض الأسعار، أطلقت شركة طيران جديدة منخفض التكلفة باسم "أزيموت" نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي أولى رحلاتها داخل روسيا.
ولا تصنف الناقلة الجديدة نفسها بشكل رسمي كناقلة منخفضة التكلفة، لكن أسعار التذاكر المعروضة على موقع الشركة تشير إلى أنها تدرج ضمن هذه الفئة، حيث أن ثمن التذاكر يبدأ من 888 روبل (حوالي 15 دولارا).
كذلك بالإمكان شراء تذكرة طيران من دون أمتعة بسعر منخفض، وستنفذ الشركة رحلات في المرحلة الأولى إلى مدن في روسيا مثل سوتشي، وسان بطرسبورغ، ونوفوسيبيرسك، وكازان، وغيرها.
ورغم حالات التعثر المتعددة في روسيا، إلا أن ازمة شركات الطيران اتسعت عالميا في السنوات الأخيرة، حيث يواجه عدد كبير من شركات الطيران في دول العالم تحديات ضخمة، دفعت بعضها للإفلاس، لا سيما في ظل الطفرة في عدد الشركات، واحتدام المنافسة مع ازدياد لجوء المسافرين إلى الخطوط الجوية التي تقدم أسعاراً زهيدة، حتى لو كانت خدماتها متواضعة. وكذا يلعب سوء الإدارة دوره في هذا الإطار.
ومطلع الأسبوع الماضي أعلنت "خطوط مونارك الجوية" البريطانية الخاصة، عن إفلاسها، ما أدى إلى إلغاء رحلاتها من بريطانيا البالغ عددها 300 ألف رحلة، ووضع الشركة تحت إشراف الجهات القضائية.