منذ سنوات يحاول المواطن التونسي، ماهر الشريف (47 عاما) إيجاد صيغة قانونية تسمح له بالاشتراك في صندوق المعاشات والتمتع بالتغطية الاجتماعية، غير أن وضعه القانوني كتاجر شنطة لا يسمح له بالتمتع بأي من أنواع التكافل.
يعد تأمين المعاش الشغل الشاغل لماهر وغيره من عشرات آلاف التونسيين العاملين في تجار التجزئة عبر التجول في الشوارع وعلى المنازل، ذلك نشاط يُصطلح عليه باسم "تجارة الشنطة"، وهو نشاط تجاري غير مرخص به ولا يُسمح لصاحبه وفق القانون التونسي بالانتفاع بالامتيازات التي يتمتع بها التجار المسجلون بالسجلات التجارية. غير أن انسداد أفق التشغيل يدفع العاملين بهذه التجارة إلى مواصلة نشاطهم من أجل تأمين قوتهم.
وتعد تجارة الشنطة ملاذا لعشرات آلاف الشباب والنساء، أكثرهم من خريجي الجامعات، حيث يوفر لهم جلب الملابس والمفروشات وبعض المواد الإلكترونية من دول أجنبية، مردودا يؤمن دخلا يختلف من شخص إلى آخر بحسب قيمة معاملاته واتساع رقعة عملائه.
وتعد تركيا والصين الوجهات المحبذة لتجار الشنطة التونسيين، حيث يقول ماهر الذي دأب على السفر إلى تركيا منذ أكثر من 12 سنة بمعدل 6 مرات سنويا، إنه يجلب الملابس والمفروشات لعملائه حسب الطلب، مؤكدا أنه كوّن شبكة مهمة من العملاء يؤمن لهم احتياجاتهم مع كل فصل جديد.
ويشير ماهر في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن تجارة الشنطة لم تكن اختيارا، فقد دفعته سنوات البطالة التي قضاها بعد حصوله على الإجازة (بكالوريوس) في الفلسفة إلى البحث عن مورد رزق، ليجد ضالته بعد تعدد التجارب في هذا الصنف من التجارة.
ويعتبر ماهر أنه من الظلم أن تواصل الحكومة التغافل عن الوضعية الاجتماعية للعاملين في تجارة الشنطة، معتبرا أن الزج بنشاطهم في خانة التجارة الموازية نوع من المغالطة.
ودعا إلى استيعاب التجار وتمكينهم من التمتع بالخدمات الاجتماعية والاشتراك في صندوق المعاشات، بما يجعل مستقبلهم أكثر استقرارا.
ولا تسمح أنظمة الضمان الاجتماعي لغير المسجلين في السجلات التجارية للدولة والحاصلين على تراخيص العمل التجاري، بالمساهمة في أي صنف من الأنظمة، ما يحرم الخارجين عن دائرة التجارة المنظمة من تأمين حقهم في المعاش.
وعموما لا يسمح دخل تجار الشنطة بتسوية وضعياتهم القانونية والحصول على تراخيص النشاط المنظم أو ما يصطلح عليه في تونس بـ"الباتيندا"، وما يتطلبه ذلك من دفع ضرائب للدولة.
ويشير ماهر الشريف، إلى أنه بالكاد يؤمن مصاريف عائلته ولا يمكنه بأي شكل دفع ضرائب للدولة، سيما أن جلب السلع لم يعد يدر الكثير من الأرباح بحكم تراجع قيمة الدينار وتآكل القدرة الشرائية للتونسيين.
ولا تملك وزارة التجارة بيانات محددة حول عدد تجار الشنطة، حيث يصنف هذا النشاط ضمن التجارة الموازية التي تستأثر بنحو 54% من النشاط التجاري عموما.
ويقول مدير عام المعهد الوطني للاستهلاك، الأسعد العبيدي، إن تجارة الشنطة لا تمثل أكثر من 5% من التجارة الموازية، مشيرا إلى الدور الاجتماعي لهذا النشاط الاقتصادي.
وأضاف العبيدي لـ "العربي الجديد" أن الدولة تسعى إلى استقطاب كل أصناف التجارة الموازية وإدراجها ضمن الأنشطة المنظمة حتى تتمكن من توفير مداخيل جديدة وتضمن للتجار حقوقهم في التمتع بالتغطية الاجتماعية.
ويعتبر الباحث الاقتصادي نجم الدين غربال، التجارة الموازية نوعا من التجارة غير مستوفاة الشروط بما أنها تمارَس دون ترخيص قانوني، وكذلك بيع السلع دون أن تكون مسندة إلى فواتير وما يعنيه ذلك من تهرب جبائي.
ويشير الباحث إلى أن ظاهرة التجارة الموازية قديمة جديدة، لكنها متفاقمة ومعقدة اكتسحت جل القطاعات، وشملت عددا كبيرا من السلع كالمواد الزراعية والغذائية ومنتجات البحر واللحوم والأدوات المدرسية والملابس والأحذية وغيرها.
ويفسر غربال في دراسة متخصصة حول السوق الموازية في تونس، اطلعت عليها "العربي الجديد"، جاذبية هذه الظاهرة خاصة للشباب، بعجزهم عن الحصول على وظائف رسمية أو إخفاق الدورة الاقتصادية في استيعابهم، فضلا عن هروب التجار نحو الأسواق السوداء لمضاعفة نشاطهم وأرباحهم بعيدا عن الضغط الجبائي.
ويقترب معدل البطالة في تونس من 15.5% من إجمالي القادرين على العمل.
ويقول غربال، إن للتجارة الموازية نفعا جزئيا في امتصاص جزء من العاطلين عن العمل، إلا أن ضررها أكثر من نفعها، حيث أن آثارها السلبية خطيرة ومتعددة الأبعاد، فهي لم تترك مجالا اجتماعيا ولا قطاعا اقتصاديا إلا استهدفته.
اقــرأ أيضاً
يعد تأمين المعاش الشغل الشاغل لماهر وغيره من عشرات آلاف التونسيين العاملين في تجار التجزئة عبر التجول في الشوارع وعلى المنازل، ذلك نشاط يُصطلح عليه باسم "تجارة الشنطة"، وهو نشاط تجاري غير مرخص به ولا يُسمح لصاحبه وفق القانون التونسي بالانتفاع بالامتيازات التي يتمتع بها التجار المسجلون بالسجلات التجارية. غير أن انسداد أفق التشغيل يدفع العاملين بهذه التجارة إلى مواصلة نشاطهم من أجل تأمين قوتهم.
وتعد تجارة الشنطة ملاذا لعشرات آلاف الشباب والنساء، أكثرهم من خريجي الجامعات، حيث يوفر لهم جلب الملابس والمفروشات وبعض المواد الإلكترونية من دول أجنبية، مردودا يؤمن دخلا يختلف من شخص إلى آخر بحسب قيمة معاملاته واتساع رقعة عملائه.
وتعد تركيا والصين الوجهات المحبذة لتجار الشنطة التونسيين، حيث يقول ماهر الذي دأب على السفر إلى تركيا منذ أكثر من 12 سنة بمعدل 6 مرات سنويا، إنه يجلب الملابس والمفروشات لعملائه حسب الطلب، مؤكدا أنه كوّن شبكة مهمة من العملاء يؤمن لهم احتياجاتهم مع كل فصل جديد.
ويشير ماهر في حديث لـ "العربي الجديد" إلى أن تجارة الشنطة لم تكن اختيارا، فقد دفعته سنوات البطالة التي قضاها بعد حصوله على الإجازة (بكالوريوس) في الفلسفة إلى البحث عن مورد رزق، ليجد ضالته بعد تعدد التجارب في هذا الصنف من التجارة.
ويعتبر ماهر أنه من الظلم أن تواصل الحكومة التغافل عن الوضعية الاجتماعية للعاملين في تجارة الشنطة، معتبرا أن الزج بنشاطهم في خانة التجارة الموازية نوع من المغالطة.
ودعا إلى استيعاب التجار وتمكينهم من التمتع بالخدمات الاجتماعية والاشتراك في صندوق المعاشات، بما يجعل مستقبلهم أكثر استقرارا.
ولا تسمح أنظمة الضمان الاجتماعي لغير المسجلين في السجلات التجارية للدولة والحاصلين على تراخيص العمل التجاري، بالمساهمة في أي صنف من الأنظمة، ما يحرم الخارجين عن دائرة التجارة المنظمة من تأمين حقهم في المعاش.
وعموما لا يسمح دخل تجار الشنطة بتسوية وضعياتهم القانونية والحصول على تراخيص النشاط المنظم أو ما يصطلح عليه في تونس بـ"الباتيندا"، وما يتطلبه ذلك من دفع ضرائب للدولة.
ويشير ماهر الشريف، إلى أنه بالكاد يؤمن مصاريف عائلته ولا يمكنه بأي شكل دفع ضرائب للدولة، سيما أن جلب السلع لم يعد يدر الكثير من الأرباح بحكم تراجع قيمة الدينار وتآكل القدرة الشرائية للتونسيين.
ولا تملك وزارة التجارة بيانات محددة حول عدد تجار الشنطة، حيث يصنف هذا النشاط ضمن التجارة الموازية التي تستأثر بنحو 54% من النشاط التجاري عموما.
ويقول مدير عام المعهد الوطني للاستهلاك، الأسعد العبيدي، إن تجارة الشنطة لا تمثل أكثر من 5% من التجارة الموازية، مشيرا إلى الدور الاجتماعي لهذا النشاط الاقتصادي.
وأضاف العبيدي لـ "العربي الجديد" أن الدولة تسعى إلى استقطاب كل أصناف التجارة الموازية وإدراجها ضمن الأنشطة المنظمة حتى تتمكن من توفير مداخيل جديدة وتضمن للتجار حقوقهم في التمتع بالتغطية الاجتماعية.
ويعتبر الباحث الاقتصادي نجم الدين غربال، التجارة الموازية نوعا من التجارة غير مستوفاة الشروط بما أنها تمارَس دون ترخيص قانوني، وكذلك بيع السلع دون أن تكون مسندة إلى فواتير وما يعنيه ذلك من تهرب جبائي.
ويشير الباحث إلى أن ظاهرة التجارة الموازية قديمة جديدة، لكنها متفاقمة ومعقدة اكتسحت جل القطاعات، وشملت عددا كبيرا من السلع كالمواد الزراعية والغذائية ومنتجات البحر واللحوم والأدوات المدرسية والملابس والأحذية وغيرها.
ويفسر غربال في دراسة متخصصة حول السوق الموازية في تونس، اطلعت عليها "العربي الجديد"، جاذبية هذه الظاهرة خاصة للشباب، بعجزهم عن الحصول على وظائف رسمية أو إخفاق الدورة الاقتصادية في استيعابهم، فضلا عن هروب التجار نحو الأسواق السوداء لمضاعفة نشاطهم وأرباحهم بعيدا عن الضغط الجبائي.
ويقترب معدل البطالة في تونس من 15.5% من إجمالي القادرين على العمل.
ويقول غربال، إن للتجارة الموازية نفعا جزئيا في امتصاص جزء من العاطلين عن العمل، إلا أن ضررها أكثر من نفعها، حيث أن آثارها السلبية خطيرة ومتعددة الأبعاد، فهي لم تترك مجالا اجتماعيا ولا قطاعا اقتصاديا إلا استهدفته.