أبقت تركيا على مبالغ الاستثمار التي أعلنتها لمنح الجنسية للمستثمرين، والمحددة بشراء عقار أو إيداع مصرفي أو فتح منشأة تشغل نحو مئة عامل تركي.
ولم يطرأ تغيير على حجم الاستثمارات، بل جاء التعديل على شرط الوثائق المطلوبة للحصول على الجنسية الاستثنائية فقط. ونشرت الجريدة الرسمية في الخامس من مايو/ أيار الحالي، شروط منح الجنسية للمستثمرين الأجانب، معلنة دخول القانون حيز التنفيذ.
إذ جرى تعديل جديد على المادة التي تنص على: "الوثائق والإجراءات اللازمة من أجل تقديم طلب المواطنة الاستثنائية"، حيث يشترط القانون أن تكون استثمارات الأجانب بصندوقي "الاستثمار العقاري" أو "الاستثمار الرأسمالي"، بقيمة 1.5 مليون دولار على الأقل.
كما ينبغي على الأجنبي أن يحافظ على استثماره في الصندوقين لمدة ثلاث سنوات، ليحصل على الجنسية بقرار من مجلس الوزراء التركي.
وكان قانون الجنسية الصادر في يناير/ كانون الثاني 2017 قد نص على شروط يجب أن يتوفّر أحدها على الأقل للحصول على الجنسية التركية، وهي: وثيقة صادرة عن وزارة البيئة والتخطيط تثبت شراء الشخص عقارا في تركيا شرط عدم بيعه خلال ثلاث سنوات.
بالإضافة إلى وثيقة صادرة عن وزارة الاقتصاد، تثبت أن لديه استثماراً ثابتاً في تركيا. كما اشترط توفر وثيقة إيداع بنكي في أحد المصارف التركية صادرة من مؤسسة تنظيم الأعمال المصرفية، وذلك بقيمة لا تقل عن ثلاثة ملايين دولار، شرط الاحتفاظ بهذه القيمة لمدة ثلاث سنوات.
كذلك، الحصول على وثيقة صادرة من وزارة العمل، تثبت أنه رب العمل، فضلاً عن وثيقة من خزانة الدولة التركية تثبت أنه اشترى سندات ديون الدولة بقيمة لا تقل عن ثلاثة ملايين دولار، شرط الاحتفاظ بها لمدة 3 سنوات.
تراجع عن الخفض
ورأى مراقبون بعد إصدار قانون الجنسية حينها، أن المبالغ المطلوبة للاستثمار بغرض المواطنة، مرتفعة، ما قد يعيق التطلعات التركية بجذب استثمارات مباشرة، وخاصة في قطاع العقارات المستهدف، ما دفع تركيا للتفكير جدياً بتخفيض المبالغ التي نص عليها القانون.
وقال نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، ياسين اقطاي في 20 مارس/ آذار الماضي، إن بلاده ستخفّض شروط منح الإقامة الدائمة في البلاد ومنح الجنسية من مليون دولار إلى 300 ألف دولار، لتمثل تسهيلات جديدة يرى بعض المراقبين أنها ستعطي دفعة للاستثمارات الأجنبية في تركيا، خاصة في مجال العقارات.
وهي تتوافق مع خطة الحكومة التركية المعلنة بأن يكون 2017 عاما لجذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد. إذ أعلن رئيس الوزراء التركي، بن على يلدريم، في تصريحات سابقة أن "عام 2017 سيكون عام الاستثمار في تركيا".
ونشرت وسائل إعلامية تركية الجمعة، نموذج طلب الحصول على الجنسية التركية للمستثمرين الأجانب، وفق ما جاء بقانون منح الجنسية، دون أي تخفيض للمبالغ التي وعدت أطراف تركية عدة أنها ستخفض.
وبالتفاصيل، نص نموذج الطلب للحصول على الجنسية، فضلاً عن تقديم المعلومات الشخصية، على خمسة شروط لا بد أن يستوفي المستثمر أحدها ليحصل على المواطنة التركية: استثمار ثابت بقيمة لا تقل عن مليوني دولار.
وشراء عقار بقيمة مليون دولار على الأقل وعدم بيعه لثلاث سنوات. توفير فرصة عمل لـ 100 مواطن تركي على الأقل. إيداع 3 ملايين دولار في البنوك التركية لثلاث سنوات. شراء من خلال أدوات اقتراض الدولة بقيمة 3 ملايين دولار لثلاث سنوات.
ووثيقة شراء توضح قيمة العقار من البنك أو المؤسسة الوسيطة والحسابات التي تفتح باسم العقار الذي سيتم شراؤه. بيان موافقة مصدق من كاتب العدل (موافقته على مشاركة المعلومات التي تتيح الوصول إلى الودائع في البنك أو المعلومات المتعلقة بالعقارات).
التأثير على الاستثمارات
يرى اقتصاديون أتراك، أن تصريح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، كان عبارة عن اقتراح تقدم به الحزب إلى الحكومة، ولاقى قبولاً ووعوداً بدراسته، لكنه لم يصدر بقرار لنقول إن تركيا قد تراجعت عن وعد قطعته للمستثمرين بشأن منحهم الجنسية.
ويقول المحلل التركي جهاد آغير مان لـ "العربي الجديد": "كان اجتهاد السيد أقطاي مهماً، ومبنياً على أمرين، الأول مطالبة بعض المستثمرين الخليجيين الرئيس رجب طيب أردوغان تخفيض المبلغ اللازم للحصول على الجنسية، وذلك خلال زيارته لقطر الشهر الماضي".
وتابع: "أيضاً، هناك حرص في تركيا على كسب أكبر عدد من الاستثمارات المباشرة التي تضخ كتلا نقدية بالسوق". أما الهدف بحسب المحلل التركي، فهو زيادة تنشيط الاقتصاد وتحسين سعر العملة التركية، التي تعرضت لهجمة منذ الانقلاب الفاشل العام الماضي، ما زاد من تضخمها وتراجع سعر الصرف لنحو 562.3 ليرة تركية اليوم.
ويضيف المحلل التركي: "لا أعتقد أن المبلغ كبير حتى يتم تخفيضه، كما أن الغاية ليست الجنسية بحد ذاتها، لأن الاستثمار بالعقارات بتركيا، مشروع رابح يعود بالنفع على المستثمرين، فضلاً عن تمتعهم بالجنسية التي تمكنهم من الاقتراض وإقامة المشروعات الأخرى وتتيح لهم نفس التعامل والميزات الذي يتلقاها المستثمر التركي".
ويشير آغير مان، إلى أن الإقبال العربي والخليجي خاصة على الاستثمار العقاري بتركيا، ارتفع كثيراً خلال الربع الأول من العام الحالي. وازدادت وتيرته بعد تصويت الشعب التركي لصالح التعديل الدستوري والتحول إلى النظام الرئاسي، وإن لم يصل لمستوى الشراء العام الماضي.
ما يعني برأيه، أن المبلغ ليس هو الشرط الأساس للمستثمر، بل المناخ الاستثماري العام والاستقرار الاقتصادي والسياسي الذي تتمتع به تركيا.
وتصدر، بحسب بيانات هيئة الإحصاء التركية، مواطنو البلدان العربية، قائمة الأجانب الأكثر شراءً للعقارات خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي في تركيا.
النمو العقاري
وبحسب بيانات الهيئة، فإن العراقيين احتلوا المرتبة الأولى بشرائهم 884 منزلاً، تلاهم السعوديون في المرتبة الثانية بـ 435 منزلاً، والكويتيون ثالثاً بـ 368 منزلاً.
وبلغ عدد المنازل المباعة للأجانب في عموم المدن التركية، خلال الربع الأول من العام الحالي، 4 آلاف و270 منزلاً، حصة إسطنبول منها، نحو 478 منزلاً ما يعادل ثلث المنازل المباعة بتركيا خلال الربع الأول من عام 2017.
لكن مبيع العقارات تراجع بتركيا خلال الفترة القياسية، عن مثيلتها العام الماضي. إذ أوضحت بيانات هيئة الإحصاء تراجع بيع العقارات للأجانب خلال الربع الأول من العام الحالي، بنسبة 8%، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي 2016.
وينسب مراقبون تراجع الإقبال على العقارات في العام الماضي، إلى أن المستثمرين كانوا ينتظرون تعديلات على قانون الجنسية، كما تم التداول خلال الفترة الماضية.
ويشرح هؤلاء أن العام الماضي شهد إجراءات وقرارات عدة من شأنها تحفيز الاستثمار الذي تراجع بنحو 30% عما كان عليه عام 2015. وأولت الحكومة التركية اهتماماً خاصاً بالقطاع العقاري، إذ أعفت الأجانب من ضريبة القيمة المضافة عند شراء مبان سكنية وتجارية، ويسرت القروض بهدف شراء المساكن، ما زاد من حركة السوق هذا العام وحرّك بالتالي بعض المؤشرات الاقتصادية.