فور توقيع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على مرسوم رفع الحظر عن الرحلات الجوية إلى القاهرة، بدأت شركات السياحة الروسية تتأهب لتقديم عروضها للسياح الروس، وسط توقعات بضعف الإقبال نظراً لاستمرار تعليق رحلات الطيران إلى الغردقة (شرق)، وشرم الشيخ (شمال شرق)، الوجهتين الرئيسيتين للسياحة الروسية في مصر.
وما يزيد من ضبابية آفاق عودة السياح الروس إلى المنتجعات، تأكيد وكالة السياحة الروسية "روس توريزم" منع الشركات السياحية من تسويق رحلات تقتضي السفر من القاهرة إلى المدن المصرية الأخرى على متن رحلات الطيران الداخلية.
وأوضحت "روس توريزم"، في بيان تداولته صحيفة "فيدوموستي" يوم الخميس الماضي، أن تسويق مثل هذه الرحلات "يتعارض مع المرسوم الرئاسي".
وأكد مصدر مطلع لـ"فيدوموستي" استمرار تطبيق الحظر على نقل السياح من القاهرة على متن حافلات وإقامتهم بالمنتجعات، ما يعني أن قضاء العطلات بها سيظل متاحا للسياح المستقلين فقط.
وفي هذا الإطار، قالت الناطقة الصحافية باسم اتحاد صناعة السياحة الروسي، إيرينا تيورينا، إن استئناف رحلات الطيران إلى القاهرة لن يؤدي إلى زيادة كبيرة في حركة السياحة الروسية إلى هذا البلد، معربة عن أملها في أن يكون ذلك خطوة تمهيدية لعودة رحلات الطيران العارض (تشارتر) إلى المنتجعات المصرية.
وأضافت تيورينا في حديث لـ"العربي الجديد": "لن تكون القاهرة مقصداً للسياح الروس، حيث تبلغ حصة السياحة الشاطئية في حركة السياحة الخارجية الروسية نحو 80%، وتزيد كثيرا حتى عن هذه النسبة في حالة مصر".
وحول إمكانية تنظيم الرحلات إلى المنتجعات المصرية عبر مطار القاهرة، قالت: "ليس هناك وضوح كامل في نص المرسوم الرئاسي حول ما إذا تم السماح بحجز الرحلات بهذا الشكل من عدمه، كما أن هذا لن يختلف كثيراً عن السفر عبر كييف (عاصمة أوكرانيا)، أو مينسك (بيلاروسيا)، أو إسطنبول (تركيا)، كما يفعل السياح المستقلون من عشاق مصر حاليا، والآن سيصبح بإمكانهم السفر عبر القاهرة أيضا، إلا أن عودة السياحة بكامل طاقتها مرهونة باستئناف الرحلات المباشرة إلى الغردقة وشرم الشيخ".
وفي ما يتعلق بوتيرة عودة السياح الروس في حال استئناف الرحلات إلى المنتجعات المصرية، أشارت تيورينا إلى سابقة تعليق واستئناف حركة السياحة الروسية إلى تركيا.
وقالت: "تم استئناف رحلات الطيران العارض إلى تركيا في أغسطس/ آب 2016، أي قبيل نهاية الموسم الصيفي، إلا أن ذلك لم يمنع السياح من الإقبال على الرحلات إليها، ليتم تمديد برامج التشارتر حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، وفي عام 2017، عادت السياحة الروسية إلى تركيا بكامل طاقتها، مسجلة رقماً قياسياً جديداً بلغ أكثر من 4.5 ملايين سائح".
وأضافت: "تتميز مصر بأنها الوجهة الشتوية الأنسب للسائح الروسي من حيث المناخ والأسعار والموقع الجغرافي، وسيكون الإقبال على الرحلات إليها عاليا، لا سيما إذا عادت الفنادق المصرية إلى السوق الروسية بعروض مغرية مثلما فعلت تركيا".
ولم يمنع استمرار تعليق الرحلات إلى الغردقة وشرم الشيخ، بعض الشركات السياحية الروسية من بدء تسويق عروضها المرتقبة للرحلات إلى هاتين الوجهتين عبر القاهرة رغم عدم تحديد موعد انطلاق أولى الرحلات بعد.
وفتحت شركة "بيبليو غلوبس"، مثلاً، باباً لحجز الإقامة بفنادق الغردقة وشرم الشيخ بأسعار مغرية تبدأ من 50 دولاراً في الليلة لشخصين في غرفة مزدوجة بنظام الإقامة الشاملة (ثلاث وجبات ومشروبات) في قرية سياحية من فئة 4 نجوم، على أن يتولى السياح حجز تذاكر السفر بمعرفتهم.
من جهتها، ذكرت صحيفة "كوميرسانت"، في عددها الصادر يوم الثلاثاء الماضي، أن شركات السياحة الروسية تستعد لتسويق الرحلات إلى المنتجعات المصرية عبر القاهرة.
ونقلت الصحيفة الروسية عن مدير عام شركة "إنتوريست"، وهي واحدة من أكبر شركات السياحة في روسيا، فيكتور توبولكارايف، قوله إن الشركة تعتزم بدء تسويق الرحلات اعتبارا من فبراير/ شباط المقبل، على أن يتوجه السياح إلى مصر على متن طائرات شركتي "أيروفلوت" و"مصر للطيران".
وأوضح توبولكارايف أنه سيتم نقل السياح من القاهرة إلى المنتجعات إما على متن حافلات وإما عبر رحلات طيران داخلية، مرجحا أن يحظى الخيار الثاني بإقبال أعلى، لأن مصر وجهة عائلية، ويصعب على العائلات السفر برفقة أبنائها الصغار على متن الحافلات لبضع ساعات إضافية.
وأشار إلى أن السفر على متن رحلة منتظمة سيزيد من الكلفة الإجمالية للباقة السياحية بنحو 150 - 200 دولار للفرد، أي حوالي 20% و30% مقارنة بالأسعار ما قبل تعليق الرحلات في نهاية عام 2015.
وبدوره، رأى مدير عام شركة "ترافيلاتا"، أليكسي زاريتسكي، في تصريحات لـ"كوميرسانت"، أن السفر عبر القاهرة سيكون مكلفا وغير مريح على أغلب السياح الروس رغم إقبالهم على قضاء عطلاتهم بمصر.
ووقع بوتين في مطلع يناير/ كانون الثاني الجاري، على مرسوم استئناف رحلات الطيران المنتظمة إلى القاهرة والمعدل للمرسوم رقم 553 بتاريخ 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 الخاص بتعليق جميع الرحلات الجوية إلى مصر، وذلك عن طريق إضافة عبارة "باستثناء رحلات الطيران المنتظمة إلى مدينة القاهرة"، دون أن يتضمن أي إشارة إلى استئناف رحلات الطيران إلى منتجعي الغردقة وشرم الشيخ.
وسبق لوزير النقل الروسي، مكسيم سوكولوف، أن قلل في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، من احتمال استئناف رحلات الطيران إلى المنتجعات المصرية خلال الموسم الشتوي الحالي.
ومن المنتظر أن يبدأ تشغيل الرحلات بين القاهرة وموسكو في الأسبوع الأول من فبراير/ شباط المقبل، وذلك بواقع ست رحلات أسبوعيا، ثلاث على متن شركة "أيروفلوت"، والعدد نفسه لـ"مصر للطيران".
وكانت روسيا قد فرضت حظرا على جميع الرحلات الجوية إلى مصر بعد حادثة تحطم طائرة "إيرباص" التابعة لشركة "كوغاليم آفيا" في سيناء في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015، والتي أسفرت عن مقتل 224 شخصا، وتعتبر بذلك أسوأ حادثة في تاريخ الطيران الروسي والسوفييتي.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، أعلن رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، عن اكتشاف آثار لمادة متفجرة في حطام الطائرة المنكوبة، مؤكدا رواية انفجار قنبلة زرعت على متنها.
ومنذ ذلك الحين، تردد أكثر من موعد محتمل لاستئناف الطيران دون أن يتم ذلك، إلى أن أعلن بوتين، خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن روسيا "مستعدة بشكل عام لاستئناف الطيران المباشر بين موسكو والقاهرة"، ثم توجه وزير الطيران المدني المصري، شريف فتحي، إلى موسكو للتوقيع على برتوكول أمني تمهيدا لاستئناف حركة الطيران بين العاصمتين.
وقبل حظر حركة النقل الجوي بين البلدين، كانت مصر تعتبر الوجهة الثانية للسياحة الخارجية الروسية بعد تركيا، وتمكنت من جذب نحو ثلاثة ملايين سائح روسي في عام 2014.
وكانت الغردقة تستقبل نحو 60% من السياحة الروسية الوافدة إلى مصر، بالإضافة إلى 40% إلى شرم الشيخ، وكان متوسط سعر الرحلة يبلغ 550 - 600 دولار للفرد.
ومع إطالة أمد الحظر وعدم إيجادهم وجهة شتوية بديلة، بدأ السياح الروس في الالتفاف عليه، إذ قضى نحو 100 ألف سائح روسي عطلاتهم بالمنتجعات المصرية في عام 2017، متوجهين إليها على متن رحلات الطيران غير المباشرة، وبشكل أساسي عبر إسطنبول.
وتوقع مسؤول في وزارة السياحة المصرية، في تصريحات لوكالة رويترز، الثلاثاء، أن تجذب بلاده ما يصل إلى مليوني سائح روسي هذا العام، مضيفاً: "نحن في انتظار عودة رحلات الطيران العارض للمنتجعات الساحلية على شاطئ البحر الأحمر بالغردقة وشرم الشيخ خلال إبريل/ نيسان المقبل".
ويمثل قطاع السياحة ركيزة أساسية لاقتصاد مصر ومصدر رزق لملايين المواطنين ومورداً رئيسياً للعملة الصعبة.