وأن دخل المواطن الخليجي هو الأعلى في العالم، وأن أسعار السلع والخدمات، خصوصاً أسعار الوقود، هي الأدنى عالمياً، وأنه لا فقراء ولا مهمشين ومحرومين مادياً يعيشون بهذه الدول، فكل المواطنين أثرياء ولديهم حسابات مصرفية منتفخة بالأموال والأرصدة، ولديهم استثمارات في البورصة بملايين الدولارات.
كل مواطن يمتلك أكثر من قصر منيف وشاسع أو فيلا ممتدة على ساحل الخليج العربي، أو على الأقل يمتلك عدة بنايات سكنية يؤجرها للمغتربين، وكل مواطن خليجي يذهب لأوروبا وأميركا في كل عام سواء لأغراض السياحة والتنزه والتسوق والبعد عن لهيب صيف الخليج أو بهدف العلاج.
لكن هذه الصورة تتغير هذه الأيام؛ فلأول مرة يدخل الخليج حزام فرض الضرائب على المواطنين، ولأول مرة تمتد يد صانع القرار في البلاد لتفرض ضرائب ورسوم على سلع رئيسية، مثل الأغذية والأسواق التجارية.
ولأول مرة تعرف دول الخليج ضريبة اسمها القيمة المضافة التي قامت بالفعل كل من السعودية والإمارات بتطبيقها منذ بداية شهر يناير/كانون الثاني 2018، وهناك 4 دول أخرى، هي قطر والكويت وسلطنة عمان والبحرين، قد تطبقها في فترات لاحقة، وهذه الضريبة تتبعها مباشرة زيادة في أسعار السلع والخدمات.
والخليج عرف، ولأول مرة في شهر يوليو/تموز الماضي، تطبيق الضريبة الانتقائية التي تم بموجبها فرض ضريبة على التبغ ومشتقاته ومشروبات الطاقة بنسبة 100%، والمشروبات الغازية بنسبة 50%، وهي نسب عالية إذا ما تمت مقارنتها بالنسبة المطبقة عالمياً.
والخليج الذي يعوم على بحار من النفط والطاقة بات يرفع أسعار الوقود لتتساوى مع الأسعار في الأسواق العالمية ومع البلدان التي تعاني نقصا حادا في منتجات الوقود أو ليس بها نقطة نفط داخل أراضيها، فالسعودية رفعت سعر البنزين مثلا بنسب تراوح ما بين 82.6% و126.6%، وسبقتها دول خليجية أخرى لكن بنسب أقل كثيرا.
والفقر عرف طريقه لدول الخليج؛ فنظرة لعدد المتقدمين بطلبات للحصول على دعم نقدي من الحكومة السعودية وعبر حساب المواطن، نجد أن الرقم تجاوز 13.5 مليون شخص، وهو رقم يكشف عن حجم الفقر داخل أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، كما يكشف عن مدى عدم انعكاس الثروات الضخمة التي تمتلكها المملكة على حياة الغالبية العظمى من المواطنين.
والخليج بات يعرف زيادات في فواتير الكهرباء والمياه والغاز والخدمات، والخليج عرف أزمات اقتصادية، منها زيادات الأسعار والتضخم والكساد وركود الأسواق.
الخليج الذي لا نعرفه بات يلجأ للاقتراض الخارجي لتغطية عجز الموازنات العامة لدية، وباتت حكوماته تهرع للبنوك المحلية للحصول منها على سيولة محلية وقروض تغطي العجز في الإيرادات العامة.
والخليج بات يعرف منذ فترة ارتفاعات قياسية في أسعار الإيجارات السكنية، لدرجة أن الأسعار داخل بعض الدول الخليجية تزيد عن نظيرتها داخل دولة أوروبية مثل بريطانيا.
والخليج عرف، ولأول مرة، فرض رسوم على الوافدين تصل قيمتها في السعودية مثلا إلى 300 إلى 400 ريال شهريا، إضافة إلى 200 ريال على كل مرافق للعامل الوافد.
والخليج عرف أزمة العجز الضخم في الموازنات العامة وزيادة الدين العام سواء الداخلي أو الخارجي رغم الثروات المتدفقة عليه من النفط والغاز، وساهم في ذلك التراجع في أسعار النفط والتوسع الكبير في الإنفاق العسكري خاصة على حرب اليمن.
ماذا عن المستقبل؟
هذا هو الخليج الجديد الذي لا يعرفه أحد، فيما يتوقع أن تعرف دوله مظاهر أخرى للتقشف وزيادات في الأسعار في الفترة المقبلة، منها:
1- تعويم العملات المحلية الخليجية الثابتة والمستقرة منذ سنوات طويلة أمام الدولار اعتمادا على احتياطيات ضخمة من النقد الأجنبي، أو على الأقل فك الارتباط بين هذه العملات والعملة الأميركية والتخلي عن سياسة البترودولار التي تطبقها دول الخليج منذ سنوات، وقد يلحق بهذه الخطوة تسعير النفط بعملات أخرى، منها اليورو واليوان الصيني.
2- أن يعرف الخليج فرض ضرائب على التحويلات للخارج، خصوصاً حوالات العمالة العربية والأجنبية الوافدة والتي تقدر قيمتها في دولة مثل السعودية بنحو 194 مليار ريال، ما يعادل 51.7 مليار دولار، خلال 11 شهرا من العام الماضي 2017. في حين بلغ حجم تحويلات الوافدين من الكويت خلال 2016 نحو 15.3 مليار دولار. وفي الإمارات بلغت قيمة تحويلات العمالة الأجنبية إلى الخارج 121.1 مليار درهم، ما يعادل 32.9 مليار دولار، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2017.
3- أن يشهد الخليج فرض ضرائب على السيارات والبورصات والأرباح الرأسمالية والاستثمارات الأجنبية خاصة الساخن منها والمستثمر في أدوات الدين المحلية كأذون الخزانة والسندات، وكذا فرض ضرائب على الاستثمارات في الأوراق المالية كالأسهم.
4- أن يشهد الخليج سرعة في بيع المشروعات الحكومية سواء كانت استثمارية أو خدمية، وأبرز مثال على ذلك خطة السعودية لبيع عدد كبير من المرافق، منها "أرامكو" والمستشفيات والمطارات والأندية الرياضية والمطاحن والمدارس والبريد، كما تستهدف الخصخصة في المملكة قطاعات وأنشطة البيئة والمياه والزراعة، والنقل (جوي وبحري وبري) والطاقة والصناعة والثروة المعدنية، والتنمية الاجتماعية، والإسكان، والتعليم، والصحة، والبلديات، والحج والعمرة، والاتصالات وتقنية المعلومات.
ويتكرر الأمر في الإمارات، حيث تعتزم الحكومة خصخصة بعض الأنشطة مثل شركات النفط والغاز والأندية الرياضية وأعمال النظافة، وإسناد معظم خدمات الحكومة للقطاع الخاص.
ببساطة الخليج الثري الذي يعوم على مليارات الدولارات قد يغير شكله والصورة الذهنية عنه في الفترة المقبلة.