قال رئيس النقابة المستقلة لممارسي الصحة العمومية في الجزائر، إلياس مرابط، إن "نسبة الاستجابة للإضراب الذي دعا إليه التكتل النقابي، أول من أمس الأربعاء، بلغ 75%، وهي نسبة تسمح لنا بالقول إن الإضراب كان ناجحا".
وأضاف مرابط في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النقابات لا تزال تصر على رفع المطالب المشتركة ذاتها بين العمال الجزائريين مهما كان قطاع عملهم، وفي مقدمتها رفع الأجور والعودة إلى نظام التقاعد القديم الذي يسمح للعامل بطلب الإحالة على التقاعد بعد إكماله 32 سنة من العمل، عوض شرط السن الذي يحدد سن التقاعد بـ60 سنة، كما نطالب أيضا برفع التضييق الممارس من طرف الحكومة على العمل النقابي وعدم حبس النقابيين".
ونظمت 12 نقابة عمالية تابعة لسبعة قطاعات، في مقدمتها التعليم والصحة، بالإضافة إلى عمال البلديات والتكوين المهني وعمال قطاع الكهرباء، إضرابا عاما، أول من أمس الأربعاء، جددت من خلاله رفع مطالب العمال المتمثلة أساسا في رفع الأجور والمنح والعلاوات بالإضافة إلى إلغاء نظام التقاعد الجديد المعدل نهاية سنة 2016، والذي يدخل حيز التطبيق مطلع 2019.
وهدد التكتل النقابي المستقل بتصعيد الحركة الاحتجاجية، وأعلن عن عقد اجتماع في 17 فبراير/ شباط الجاري، لتحديد الخطوات التصعيدية المقبلة، في حال رفضت الحكومة الاستجابة لمطالبه والجلوس إلى طاولة الحوار.
من جانبه، قال عبد الكريم بوجناح، رئيس نقابة عمال التربية، لـ"العربي الجديد"، إن "الإضراب تم التحضير له منذ شهور، واستهدفنا من خلاله التركيز على ثلاث نقاط أساسية، الأولى هي حماية القدرة الشرائية للمواطن من خلال رفع الأجور، خاصة بعد ارتفاع الأسعار، والنقطة الثانية تتعلق بنظام التقاعد، والثالثة حماية العمل النقابي، حيث رأينا أن مشروع قانون العمل الذي تحضّر له الحكومة يقوض الحقوق العمالية والنقابية".
وأعلنت نقابة مستخدمي التدريس في الأطوار الثلاثة (ابتدائي، إكمالي، وثانوي)، وهي أكبر نقابة في قطاع التربية، عن مواصلة الإضراب إلى أجل غير مسمى، بالرغم من محاولة الحكومة استباق الإضراب بسلسلة من الحوارات، جمعت النقابة مع وزارتي التربية والعمل، لكن اللقاءات التي تمت مطلع الأسبوع الحالي باءت بالفشل.
وكشف الناطق باسم نقابة مستخدمي التدريس مسعود بوديبة، أن "قرار مواصلة الإضراب لا رجعة فيه مهما كانت تهديدات وزيرة التربية نورية بن غبريط، التي توعدت بإقصاء الأساتذة المضربين".
وأضاف بوديبة في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "النقابة تطالب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالتدخل لإنصاف الأساتذة بعد فشل كل مساعي الوساطة مع الوزارة لحل النزاع القائم"، مضيفا أن "وزيرة التربية أصبحت عاجزة عن حل مشاكل قطاع التربية، والدليل هو لجوؤها إلى القضاء ثم تطبيق الوعيد بفصل الأساتذة المضربين، وهذا خرق للدستور الجزائري الذي يحمي العمل النقابي والحق في الإضراب وخرق لقانون العمل الجزائري".
وأمام حالة الانسداد التي وصلت إليها المفاوضات بين النقابات العمالية والحكومة الجزائرية، دخلت الأحزاب السياسية على خط الأزمة، حيث طالب حزب العمال (اليساري المعارض) الرئيس الجزائري، باستدعاء انتخابات مسبقة لـ"مجلس تأسيسي" بعدما عجز النظام الحالي عن إخراج البلاد من عنق الزجاجة، وحذّرت الأمينة العامة للحزب، لويزة حنون، أول من أمس الأربعاء، في لقاء سياسي من "خطر الفوضى الذي قد يتسبب في لهيب الجبهة الاجتماعية"، على خلفية توسع الإضرابات في القطاعات المختلفة.
ودعت لـ"تشكيل مجلس تأسيسي يكون قادراً على تنظيم عملية إنقاذ البلاد، وإخراجها من الانكماش الاقتصادي عن طريق وقف العمل بسياسة التقشف، وإقرار السلم المتحرك للأجور والمعاشات من أجل تماشيها مع كلفة العيش، وإنقاذ المستشفيات والجامعات من التحطم".
من جانبها، تقدمت الأحزاب الإسلامية بعرض "وساطة" بين الطرفين، وحسب ناصر حمدادوش، القيادي في حركة مجتمع السلم، فإن المبادرة التي أطلقها نواب الحركة "غير حزبية وليست لحساب الموالاة أو المعارضة، وتتمثل في تشكيل لجنة برلمانية من كل الكتل الممثلة في البرلمان للوساطة فقط".
وقال حمدادوش لـ"العربي الجديد"، إن حزبه لا يولي أهمية لمن يتولي رئاسة هذه اللجنة ولا من يحوز على الأغلبية فيها "بل ما يهم هو النتيجة التي يمكن أن تصل إليها والوساطة بين الحكومة والنقابات المستقلة".
ونفى حمدادوش أن تكون للمبادرة أي خلفيات سياسية، من المعارضة أو من حركة مجتمع السلم، وأضاف قائلا "نحن لا نستغل الاحتجاجات كوقود لا من قبل الحركة ولا في إطار المعارضة".
وتعيش الجزائر منذ شهور على وقع "غليان الجبهة الاجتماعية"، بعد تلويح عدد من النقابات بورقة الإضراب في وجه الحكومة التي تراها "غير جادة" في إقامة حوار اجتماعي شفاف، يُفضي إلى تحسين أوضاع العمال وضمان الحريات النقابية، حيث دخل إضراب الأطباء المقيمين "المتربصين" شهره الثالث، كما قرر عمال الطيران وعمال الجوية الجزائرية العودة مجددا لتعليق العمل بعد سلسلة من الإضرابات.
ومن المنتظر أن يفصل القضاء الجزائري في "شرعية" الحركة الاحتجاجية ومدى احترامها للقوانين، مطلع الأسبوع المقبل، بعدما رفعت وزارتا الصحة والتعليم عريضة إلى "القضاء الاستعجالي" لإبطال الإضرابات.