وإثر إلغاء العطاءين، كشفت مصادر حكومية أن هناك تغييرًا في خطة مصادر تمويل عجز موازنة 2018/ 2019، حيث كان المستهدف أن يبلغ متوسط سعر الفائدة على أدوات الدين الحكومية في الموازنة الحالية نحو 14.7%، في حين ذكر مصرفيون لوكالة "رويترز"، أن عروض المستثمرين في العطاءين الملغيين كانت تراوح بين 18% و18.5%.
ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد ذكر الله، إن الحكومة تعتمد على أذون الخزانة بصورة رئيسة كوسيلة لتمويل العجز المتنامي في الموازنة العامة، حيث تبلغ الإيرادات المقدرة للعام المالي الحالي 989.188 مليار جنيه، بينما تبلغ النفقات المستهدفة 1.424 تريليون جنيه، وبذلك تبلغ قيمة العجز ما يقارب 450 مليار جنيه.
وما يزيد الأمور سوءاً، وفق الخبير، هو ارتفاع أسعار البترول عالميًا، فقد قدرت الموازنة سعر برميل النفط المستهدف بحوالي 67 دولاراً للبرميل، في حين وصل الآن إلى ما يقارب 75 دولارًا.
ويبين ذكر الله أنه في أعقاب تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 ورفع البنك المركزي لأسعار الفائدة والتي تخطت 23%، كانت سوق أدوات الخزانة المصرية جاذبة سواء للبنوك أو للمؤسسات المالية المحلية والأجنبية. أما بعد خفض الفائدة المحلية لمرتين متتاليتين بالتزامن مع ارتفاع أسعار الفائدة في الأرجنتين والولايات المتحدة وعدد من الأسواق الناشئة، فظهرت أسواق منافسة لمصر في جذب المستثمرين.
ووصل حجم استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية المصرية إلى 23.1 مليار دولار بنهاية مارس/ آذار الماضي، مقابل 20 مليار دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2017.
ويضيف ذكر الله: "لذلك نجد من الطبيعي تراجع الإقبال على شراء هذه السندات، ونزوح بعضها إلى الخارج سعياً وراء الربح".
وكان وزير المالية السابق عمرو الجارحي قد أعلن أن هناك استثمارات أجنبية بخمسة مليارات دولار خرجت من أذون الخزانة المصرية.
ويشير إلى أن الحكومة ليس أمامها بديل سوى الاعتماد علي القروض الخارجية لسداد احتياجاتها التمويلية وربما تلجأ إلى طبع النقود، كما أشار البنك المركزي أخيرًا.
ويرى أن كل الخيارات أمام الحكومة صعبة للغاية، فقد وضعت التصرفات الاقتصادية الخاطئة للنظام الدولة المصرية في مهب الريح وتابعة للجهات الممولة، وسيكون هناك المزيد من الديون والتبعية الاقتصادية والترويج لإنجازات وهمية.
وحددت موازنة 2018-2019 نحو 714.637 مليار جنيه، كاحتياجات تمويلية لسد عجز الموازنة، منها 511.208 مليارا في شكل أدوات دين محلية، و203.429 مليارات تمويلات خارجية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي والمتخصص بالسياسات التمويلية الدكتور أشرف دوابة، أن المؤشرات وردود الفعل تكشف أن هناك ارتباكا في خطة تمويل عجز الموازنة، بدليل إلغاء عطاءين لوزارة المالية الأسبوع الماضي.
ويشير إلى أن سبب إلغاء العطاءين يرجع إلى أن سعر الفائدة التي حددتها المالية كان يقل عن طموح المستثمرين بحوالي 4%، في الوقت الذي يتجه فيه المستثمرون إلى أسواق أخرى أكثر أمانًا وأعلى عائدًا.
ويضيف: "أعتقد أن البنك المركزي لكي يسد الفجوة التمويلية قد يفكر في الضغط بطريقة أو بأخرى على البنوك المحلية لتمويل مثل هذه العطاءات، أو يضطر لرفع أسعار الفائدة رضوخًا لطلبات المستثمرين، لأنه سيحمل الموازنة الجديدة مزيدًا من الأعباء".
وكشفت بيانات البنك المركزي وصول الدين العام المحلي إلى 3.414 تريليونات جنيه بنهاية 2017، وهو ما يمثل 83.8% من الناتج الإجمالي.
ويرى دوابة أن السياسات الاقتصادية المتبعة الآن في مصر "هي تجميلية فقط لا علاقة لها بالواقع المعاش، لأنها تعتمد على المسكنات الوقتية، وإذا استمرت الحكومة على هذا النهج، فربما ندخل في مرحلة انهيار تدريجي للاقتصاد، لا نستطيع تحديد توقيته بالتحديد، ولكن بدأت مقدماته في الظهور".