واصل الفساد في الجزائر تفاقمه والتهامه لجزء كبير من إيرادات الدولة في ظل غياب الهيئات المختصة التي تجمّد نشاطها لأسباب غير معروفة.
وشابت الفترة الأخيرة من الولايات الأربع لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، العديد من قضايا الفساد التي طغت على الحياة العامة في البلاد، وزادت من انتشارها زيادة إيرادات النفط ومعها فاتورة الواردات.
وهذه القضايا جعلت الجزائر تحتل المراتب الأولى في تصنيف الدول الأكثر فسادا، حسب منظمة الشفافية الدولية، إذ جاءت في المركز 112 في التقرير الصادر عن المنظمة لسنة 2017 من أصل 180 دولة، ويعتمد التقرير ترتيبا عكسيا تتصدره الدول الأقل فسادا.
إهدار المال العام
وإذ يصعب وضع رقم دقيق يمثل حجم الفساد المالي والإداري الذي عاشته الجزائر في العقدين الأخيرين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن حجم الرشاوى والعمولات والخسائر كبير جداً ويفاقم من الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد وأدت إلى استنزاف الاحتياطي النقدي.
وحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، جيلالي حجاج، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "حجم العمولات التي تم دفعها في مختلف الصفقات يقدر بـ60 مليار دولار، تورط فيها مقربون من الرئيس بوتفليقة ومن النظام السياسي بصفة عامة بمستويات مختلفة".
وأضاف جيلالي أن "البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في سنوات حكم بوتفليقة الأولى بفعل ارتفاع أسعار النفط كانت العامل الأساسي لانتشار الفساد، حيث كثرت قضايا إهدار المال العام". وتابع: "يكفي فقط أن نذكر أنه منذ وصول بوتفليقة لسدة الحكم سنة 1999 أنفقت السلطة قرابة ألف مليار دولار لبعث الاقتصاد والبنية التحتية، لكن ما حصل أن هذه الفاتورة كانت سببا في تفشي الفساد".
اقــرأ أيضاً
وشهدت الجزائر أخيراً قضية فساد كبرى تتمثل في تهريب ممنوعات في ميناء وهران، غرب الجزائر، مطلع يونيو/ حزيران الماضي، وتبعتها إقالات طاولت مسؤولين في جهازي الشرطة والدرك الوطني بالإضافة إلى قضاة، ما أثار الحديث مجددا في البلاد حول تفاقم الفساد، ومدى وجود إرادة سياسية لمحاربة هذه الظاهرة التي نخرت الاقتصاد الجزائري، وعصفت بالعديد من القطاعات.
3 قضايا كبرى
ولعل أكبر القضايا التي شغلت الرأي العام كانت تلك المتعلقة بالطريق السيار "شرق - غرب" التي أهدر فيها 11 مليار دولار، وقضية شركة "سوناطراك" النفطية (250 مليون دولار رشوة)، بالإضافة إلى قضية رجل الأعمال عبد المؤمن الخليفة التي كلفت خزينة الحكومة 5 مليارات دولار، والتي تورطت فيها أسماء مقربة من محيط بوتفليقة، ونجحت في الإفلات من العقاب، بعدما أغلق القضاء الجزائري هذه القضايا مكتفيا بمعاقبة أسماء غير وازنة.
واللافت أن هذه القضايا وغيرها من قضايا الفساد التي طُرحت أمام القضاء بين سنوات 2012 و2015، لم تبلّغ عنها الهيئات الرسمية المخوّلة بمحاربة الفساد، لكنها كانت بسبب تطرق القضاء الدولي في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا إليها، أو بسبب الضغوط الإعلامية من صحف وقنوات محلية مستقلة تعجّ بفضائح الفساد في الجزائر، من دون تحرك أي من الجهات والهيئات التي أنشئت لمكافحة الفساد.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي فرحات علي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "محاكمات الفساد التي انتشرت فجأة في السنوات الاخيرة، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الإرادة السياسية في كافة المستويات بالدولة غائبة، كما أكدت أيضاً انعدام استقلالية القضاء وضعف الكفاءة المطلوبة للحد من هذه الظاهرة، وبيّنت أن السلطة تحمي في قضايا الفساد بعض المسؤولين، وتترك البعض الآخر يذهب ضحية هذه المحاكم، وهذا يبيّن عدم جدية الدولة في محاربة إهدار المال العام، كما أثبتت كذلك عدم تحكّم القضاة في العديد من الملفات الاقتصادية لضعف الكفاءات".
وأضاف الخبير الجزائري أن "بعض المسؤولين الكبار المحميين من طرف السلطة الحاكمة، مُنحوا صفة شهود في هذه القضايا، لكنهم لم يحضروا المحاكمات، على الرغم من وجود بعض الأدلة التي تثبت تورطهم في هذه القضايا، كما حصل في قضية الطريق السيار (شرق غرب)، التي قال فيها القاضي صراحة إنه لا يملك القوة لاستدعاء وزير الأشغال العمومية آنذاك عمار غول، لأنه كان يشغل منصب وزير النقل وقت المحاكمة، وهذا كافٍ لإثبات أن محاربة الفساد تبقى بعيدة عن الواقع".
هيئات مجمدة
وتحوز الجزائر على عدة مؤسسات وهيئات رسمية مهمتها مكافحة الفساد، منها الملحق مباشرة برئاسة الجمهورية، كالهيئة الجزائرية لمحاربة الفساد والوقاية منه، المستحدثة، والتي جاء بها الرئيس الجزائري في التعديل الذي أدخله على الدستور في شهر فبراير/ شباط 2016، إلا أن الهيئة لا تزال بلا روح ولا مبادرة رغم تنصيب أعضائها السنة الماضية.
اقــرأ أيضاً
وتعد هذه الهيئة المشكّلة من قضاة وممثلين عن المجتمع المدني، ثاني هيئة يقرها الرئيس الجزائري لمحاربة الفساد، إذ سبق أن أعلن بوتفليقة سنة 2006 عن ميلاد المرصد الجزائري لمحاربة الفساد المكون من قضاة وضباط من الشرطة والدرك الوطني، غير أن المرصد لم يُكتب له أن يبدأ في عمله وظل حبيس النوايا السياسية رغم إعادة بعثه سنتي 2009 و2012 بعد تعديل القانون المنظم له.
ومن المنتظر أن تدخل الرئاسة الجزائرية إصلاحات عميقة على المرصد مطلع سبتمبر/ أيلول القادم، حسب ما كشف عنه وزير العدل الجزائري الطيب لوح، نهاية الأسبوع المنصرم، في خطوة تحاول عبرها السلطة الحاكمة إظهار وجود نية جدية لمحاربة الفساد في السنة الأخيرة من حكم عبد العزيز بوتفليقة في عهدته الرئاسية الرابعة.
غير أن الحقوقيين يرون أن قضية محاربة الفساد ليست مرتبطة بالإصلاحات القانونية والتنظيمية بقدر ما تتعلق بعدم وجود نية لمكافحة الفساد بطريقة موضوعية بعيدا عن الحسابات السياسية.
وحسب المحامي وعضو المجلس الدستوري الجزائري سابق عامر رخيلة، فإن "ما يسجل على المرصد هو عدم قيامه بمهامه التي حددها القانون المنظم لعمله، رغم تزويد بوتفليقة لهذا المرصد بموجب مراسيم رئاسية بضباط قضائيين أمنيين وحتى عسكريين لمساعدة القضاة".
وأضاف المتحدث لـ"العربي الجديد"، أن "إدخال إصلاح على المرصد من حيث التركيبة أو القانون المنظم لعمله أو حتى توسيع صلاحيته يبقى مجرد أمر نظري في انتظار تحول الأقوال إلى أفعال، وإلا كيف نفسر سكوت المرصد على العديد من القضايا، منها الطريق السيار وشركة (سوناطراك) التي فجرت بعد إنشائه".
وشابت الفترة الأخيرة من الولايات الأربع لحكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، العديد من قضايا الفساد التي طغت على الحياة العامة في البلاد، وزادت من انتشارها زيادة إيرادات النفط ومعها فاتورة الواردات.
وهذه القضايا جعلت الجزائر تحتل المراتب الأولى في تصنيف الدول الأكثر فسادا، حسب منظمة الشفافية الدولية، إذ جاءت في المركز 112 في التقرير الصادر عن المنظمة لسنة 2017 من أصل 180 دولة، ويعتمد التقرير ترتيبا عكسيا تتصدره الدول الأقل فسادا.
إهدار المال العام
وإذ يصعب وضع رقم دقيق يمثل حجم الفساد المالي والإداري الذي عاشته الجزائر في العقدين الأخيرين، إلا أن التقديرات تشير إلى أن حجم الرشاوى والعمولات والخسائر كبير جداً ويفاقم من الأزمة المالية الحادة التي تعاني منها البلاد وأدت إلى استنزاف الاحتياطي النقدي.
وحسب رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد (مستقلة)، جيلالي حجاج، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإن "حجم العمولات التي تم دفعها في مختلف الصفقات يقدر بـ60 مليار دولار، تورط فيها مقربون من الرئيس بوتفليقة ومن النظام السياسي بصفة عامة بمستويات مختلفة".
وأضاف جيلالي أن "البحبوحة المالية التي عاشتها الجزائر في سنوات حكم بوتفليقة الأولى بفعل ارتفاع أسعار النفط كانت العامل الأساسي لانتشار الفساد، حيث كثرت قضايا إهدار المال العام". وتابع: "يكفي فقط أن نذكر أنه منذ وصول بوتفليقة لسدة الحكم سنة 1999 أنفقت السلطة قرابة ألف مليار دولار لبعث الاقتصاد والبنية التحتية، لكن ما حصل أن هذه الفاتورة كانت سببا في تفشي الفساد".
وشهدت الجزائر أخيراً قضية فساد كبرى تتمثل في تهريب ممنوعات في ميناء وهران، غرب الجزائر، مطلع يونيو/ حزيران الماضي، وتبعتها إقالات طاولت مسؤولين في جهازي الشرطة والدرك الوطني بالإضافة إلى قضاة، ما أثار الحديث مجددا في البلاد حول تفاقم الفساد، ومدى وجود إرادة سياسية لمحاربة هذه الظاهرة التي نخرت الاقتصاد الجزائري، وعصفت بالعديد من القطاعات.
3 قضايا كبرى
ولعل أكبر القضايا التي شغلت الرأي العام كانت تلك المتعلقة بالطريق السيار "شرق - غرب" التي أهدر فيها 11 مليار دولار، وقضية شركة "سوناطراك" النفطية (250 مليون دولار رشوة)، بالإضافة إلى قضية رجل الأعمال عبد المؤمن الخليفة التي كلفت خزينة الحكومة 5 مليارات دولار، والتي تورطت فيها أسماء مقربة من محيط بوتفليقة، ونجحت في الإفلات من العقاب، بعدما أغلق القضاء الجزائري هذه القضايا مكتفيا بمعاقبة أسماء غير وازنة.
واللافت أن هذه القضايا وغيرها من قضايا الفساد التي طُرحت أمام القضاء بين سنوات 2012 و2015، لم تبلّغ عنها الهيئات الرسمية المخوّلة بمحاربة الفساد، لكنها كانت بسبب تطرق القضاء الدولي في إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا إليها، أو بسبب الضغوط الإعلامية من صحف وقنوات محلية مستقلة تعجّ بفضائح الفساد في الجزائر، من دون تحرك أي من الجهات والهيئات التي أنشئت لمكافحة الفساد.
وفي السياق، يرى الخبير الاقتصادي فرحات علي، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن "محاكمات الفساد التي انتشرت فجأة في السنوات الاخيرة، أكدت بما لا يدع مجالا للشك أن الإرادة السياسية في كافة المستويات بالدولة غائبة، كما أكدت أيضاً انعدام استقلالية القضاء وضعف الكفاءة المطلوبة للحد من هذه الظاهرة، وبيّنت أن السلطة تحمي في قضايا الفساد بعض المسؤولين، وتترك البعض الآخر يذهب ضحية هذه المحاكم، وهذا يبيّن عدم جدية الدولة في محاربة إهدار المال العام، كما أثبتت كذلك عدم تحكّم القضاة في العديد من الملفات الاقتصادية لضعف الكفاءات".
هيئات مجمدة
وتحوز الجزائر على عدة مؤسسات وهيئات رسمية مهمتها مكافحة الفساد، منها الملحق مباشرة برئاسة الجمهورية، كالهيئة الجزائرية لمحاربة الفساد والوقاية منه، المستحدثة، والتي جاء بها الرئيس الجزائري في التعديل الذي أدخله على الدستور في شهر فبراير/ شباط 2016، إلا أن الهيئة لا تزال بلا روح ولا مبادرة رغم تنصيب أعضائها السنة الماضية.
وتعد هذه الهيئة المشكّلة من قضاة وممثلين عن المجتمع المدني، ثاني هيئة يقرها الرئيس الجزائري لمحاربة الفساد، إذ سبق أن أعلن بوتفليقة سنة 2006 عن ميلاد المرصد الجزائري لمحاربة الفساد المكون من قضاة وضباط من الشرطة والدرك الوطني، غير أن المرصد لم يُكتب له أن يبدأ في عمله وظل حبيس النوايا السياسية رغم إعادة بعثه سنتي 2009 و2012 بعد تعديل القانون المنظم له.
ومن المنتظر أن تدخل الرئاسة الجزائرية إصلاحات عميقة على المرصد مطلع سبتمبر/ أيلول القادم، حسب ما كشف عنه وزير العدل الجزائري الطيب لوح، نهاية الأسبوع المنصرم، في خطوة تحاول عبرها السلطة الحاكمة إظهار وجود نية جدية لمحاربة الفساد في السنة الأخيرة من حكم عبد العزيز بوتفليقة في عهدته الرئاسية الرابعة.
وحسب المحامي وعضو المجلس الدستوري الجزائري سابق عامر رخيلة، فإن "ما يسجل على المرصد هو عدم قيامه بمهامه التي حددها القانون المنظم لعمله، رغم تزويد بوتفليقة لهذا المرصد بموجب مراسيم رئاسية بضباط قضائيين أمنيين وحتى عسكريين لمساعدة القضاة".
وأضاف المتحدث لـ"العربي الجديد"، أن "إدخال إصلاح على المرصد من حيث التركيبة أو القانون المنظم لعمله أو حتى توسيع صلاحيته يبقى مجرد أمر نظري في انتظار تحول الأقوال إلى أفعال، وإلا كيف نفسر سكوت المرصد على العديد من القضايا، منها الطريق السيار وشركة (سوناطراك) التي فجرت بعد إنشائه".