كشف التقرير النهائي للجنة تقصي الحقائق في مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى (شمال العراق) أن فصائل تعمل ضمن مليشيا "الحشد الشعبي" سيطرت على مقدرات المدينة، فيما أكدت مصادر محلية أن بعض الأشخاص المدعومين من "الحشد" استولوا على مساحات واسعة من الأراضي، وقاموا بفرض أتاوٍ على التجّار.
وذكر التقرير الذي أوردته وكالة الأناضول، اليوم السبت، أن قائد عمليات نينوى أبلغ لجنة تقصي الحقائق، التي شكلها مجلس النواب العراقي (البرلمان)، أن "المكاتب الاقتصادية التابعة للحشود (فصائل الحشد الشعبي) استولت على مقدرات المدينة الاقتصادية، كما تمنع المواطنين من الحضور للمزايدات التي تتعلق بمشاريع المحافظة".
وتابع التقرير نقلاً عن قائد شرطة نينوى، أن "فصيلاً مسلحاً يستولي على حقول النفط بكتب تسهيل مهمة من الأمانة العامّة لمجلس الوزراء"، مشيراً إلى أن "المكاتب الاقتصادية تسرق أضابير (مستندات) العقارات العائدة للدولة من مديرية التسجيل العقاري، وتسجلها بأسماء تابعة لها كما تقوم ببيع وشراء المنازل التابعة لعناصر داعش".
كما نقل التقرير عن مدير بلدية نينوى قوله، إن"محافظ نينوى (نوفل العاكوب) أمره بإنشاء طريق طوله عشرة كيلومترات من أجل تسهيل حركة الشاحنات التي تسرق آبار النفط".
وشكل مجلس النواب العراقي، لجنة لمحافظة نينوى في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول 2018، برئاسة أسامة النجيفي لتقصّي الحقائق حول الأحداث الأمنية والاقتصادية والخدمية والإنسانية في نينوى.
ورصد التقرير "حصول هجرة عكسية من أهالي المحافظة وبالأخص رؤوس الأموال والكفاءات، مع نفور واضح من التعاون مع الأجهزة الأمنية".
ونوه بأن الممارسات الحالية "ولدت انطباعاً لدى عموم المواطنين في نينوى، بأن المحركات التي أنتجت داعش بدأت تستعيد نشاطها وتنهض من جديد".
وأكد مصدر في الحكومة المحلية في نينوى لـ"العربي الجديد"، أن أشخاصاً متنفذين، ومستثمرين مدعومين من "الحشد الشعبي" استولوا خلال الأشهر الماضية على مساحات واسعة من الأراضي التي يتبع بعضها للدولة، والبعض الآخر لـ "الوقف السنّي".
وقال إن هذه التصرفات بدأت تستفز السكان المحليين بشكل كبير، وهم يتفرجون على أراضي مدينتهم وهي تستباح، لافتاً إلى أن اللجان الاقتصادية لـ "الحشد" تقوم بفرض أتاوٍ على التجّار، والشاحنات التي تجلب البضائع إلى داخل الموصل.
وأضاف أن "الأتاوى لم تستثن أيّ جهة حتى المنظمات الإنسانية، التي تقوم بتوزيع مساعدات في الموصل"، مؤكداً أن "كل ذلك يجري أمام أنظار محافظ نينوى الذي لم يحرك ساكناً لوقف هذه التجاوزات".
وفي السياق، ألقى عضو مجلس محافظة نينوى دلدار زيباري باللائمة على ما يجري في الموصل من إرباك على تعدد الجهات الأمنية التي تسيطر على المدينة، داعياً في حديث لـ "العربي الجديد" إلى معرفة الجهات التي تعبث بأمن المواطنين.
من جهته، دعا رئيس مجلس إسناد ام الربيعين، زهير الجلبي، وهو من أبرز الزعماء المحليين في الموصل، البرلمان إلى استجواب مسؤولي نينوى الذين يثبت تورطهم بالفساد، مؤكداً لـ "العربي الجديد" أن لجنة تقصي الحقائق تحدثت عن تورط المحافظ في بعض ملفات الفساد.
وأضاف: "إذا امتلكتم الدليل على فساد المحافظ فاستجوبوه، وصوّتوا على إقالته، وانتهى الموضوع، الفساد في الموصل بدأ يزكم الأنوف".
وتعرضت نينوى إلى تدمير واسع، بعد سيطرة تنظيم داعش على المدينة منذ يونيو/ حزيران 2014، قبل أن تتمكن القوات العراقية مدعومة بفصائل الحشد الشعبي من تحرير المدينة قبل أكثر من عام، وتسببت المعارك في هدم آلاف المنازل.
ونشر موقع ستارز آند سترايبس الأميركي، المتخصص في الشأن العسكري، تقريراً نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017، عن مدى الدمار الناجم عن العمليات العسكرية لاستعادة مدينة الموصل، مشيراً إلى أن عدد المنازل والأبنية التي انهارت بفعل قيام عناصر التنظيم بتفخيخها، أو التي هدمت نتيجة الضربات الجوية والميدانية للقوات العراقية والتحالف الدولي، يصل إلى 32 ألف منزل في الجانب الأيمن الذي يضم المدينة القديمة.
كما أظهرت بيانات نشرها برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (UN HABITAT)، أن الوحدات السكنية المدمرة في الموصل القديمة فقط، بلغت حتى 8 يوليو/ تموز 2017، نحو 5393 وحدة.
ورغم مرور أكثر من عام على تحرير المناطق، لا تزال تعاني تردياً اقتصادياً ومعيشياً، وتغيب المشاريع الحكومية عنها. وكان حيدر العبادي رئيس الوزراء السابق، قد قدّر في تصريحات له في فبراير/ شباط 2018، كلفة عمليات إعادة بناء وتأهيل كل المناطق المتضررة، بـ 100 مليار دولار.