أجج ثالوث أزمات الوقود والخبز والسيولة النقدية في السودان، الاحتجاجات الشعبية الواسعة ضد نظام عمر البشير، وعجل بإطاحة الجيش له في نهاية المطاف، بعد نحو أربعة أشهر من المظاهرات المتواصلة، إلا أن الأزمات ذاتها لا تزال قائمة، ما دعا المجلس العسكري، الذي تولى الحكم، إلى طلب مساعدات مالية من دول المنطقة لمواجهة الأزمة الاقتصادية ونقص السلع الأساسية.
وبينما لا تلوح في الأفق حلول قريبة، لإنهاء معاناة ملايين السودانيين المعيشية، تتزايد المخاوف من أن تكون المساعدات التي طلبها المجلس العسكري مجرد "مسكنات" للوضع القائم، وأن تكون مجرد ديون جديدة تضاف إلى ما خلفه نظام البشير على مدى نحو 30 عاماً.
ودعا عمر زين العابدين، رئيس اللجنة السياسية بالمجلس العسكري، الجمعة، الدبلوماسيين العرب والأفارقة بالبلاد ودول المنطقة إلى تقديم مساعدات مالية لمواجهة الأزمة الاقتصادية المتردية في البلاد، ونقص السلع الأساسية والضرورية، كالدقيق والوقود. وتشهد الأسواق السودانية موجة من الغلاء شملت كل السلع من دون استثناء.
وتوقع صلاح الدين الدومة، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة الخرطوم، في حديث لـ"العربي الجديد"، تلقي السودان مساعدات من عدة دول عربية وخليجية.
وأشار الدومة إلى صعوبة إجراء تقييم دقيق حول حجم الاحتياجات الفعلية من المساعدات للتغلب على أزمة السلع الأساسية والسيولة النقدية، إلا أنه قدر حاجة المرحلة الآنية إلى نحو 20 مليار دولار، في شكل قروض ومنح وهبات خارجية لحل المشاكل الاقتصادية العاجلة.
ولفت إلى ضرورة اتخاذ المجلس العسكري حلولا إسعافية لتوفير السلع الأساسية بالأسواق والخبز والأدوية والوقود لتقليص الضائقة المعيشية للمواطنين، مشيرا إلى أن الاستمرار في طباعة العملة المحلية، أمر قائم لتوفير السيولة للمواطنين لاستعادة الثقة في النظام المصرفي.
وتشهد الدولة منذ نحو عام أزمة سيولة متواصلة، وانفلاتاً في سعر صرف الدولار مقابل الجنيه السوداني في السوق الموازية، وشحاً في الكثير من السلع. ومنذ اندلاع الاحتجاجات الساخطة في التاسع عشر من ديسمبر/ كانون الأول، لم يتغير واقع الأزمات كثيراً رغم اتخاذ الحكومة آنذاك قرارات عدة، آخرها تطبيق قانون الطوارئ في البلاد وحل الحكومة المركزية وتعيين حكام جدد للولايات المختلفة موالين للجيش نهاية فبراير/شباط الماضي.
ووفق بيانات صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء (حكومي)، في فبراير/شباط الماضي، انخفض معدل التضخم خلال يناير/ كانون الثاني، إلى 43.45 في المائة، مقارنة بـ72.94 في المائة في ديسمبر/ كانون الأول 2018، إلا أن خبراء اقتصاد شككوا في شفافية هذه البيانات، في ظل الارتفاع المتواصل في أسعار السلع والخدمات.
وقال عبد الرحمن عباس، رئيس غرفة الأغذية في اتحاد الغرف الصناعية لـ"العربي الجديد" إن أغلبية المتاجر لا تزال مغلقة، في ظل حالة الترقب الحالية التي تشهدها البلاد. لكنه توقع انسياب الأسواق وعودة الحركة الشرائية خلال الفترة المقبلة.
وبالتزامن مع أزمة السلع، تشهد الدولة أزمة وقود، تتسبب في امتداد طوابير السيارات أمام محطات التزود بالمدن الرئيسية، كما تغلق بعض المحطات لعدم ورود إمدادات إليها.
وقال عادل عبد العزيز، مدير دائرة الأمن الاقتصادي السابق لـ"العربي الجديد" إن "الاقتصاد بحاجة إلى معونات تنموية بحجم كبير، مشترطا أن تكون في شكل قروض تسدد على مدى طويل (30 ـ 40) عاما مع فوائد ضئيلة".
وأشار عبد العزيز إلى أن المعهد العربي للتخطيط في الكويت، قد حدد، في دراسة أجراها في العام 2011، الاحتياجات التنموية للسودان وأنها لا تقل عن خمسة مليارات دولار سنويا لمدة لا تقل عن عشر سنوات لإخراج 50 في المائة من السكان من دائرة الفقر.
ولفت الطيب مختار، رئيس منظمة الشفافية السودانية، إلى ضرورة إدخال التعديلات اللازمة على الإجراءات الاقتصادية التي اتبعها النظام السابق بمنع انفلات سعر الصرف وإيقاف المضاربات في العملة وإلغاء قرار تحجيم السيولة بشكل نهائي.
وبينما تتزايد التوقعات بلجوء المجلس العسكري إلى الاقتراض الخارجي، من أجل إقالة السودان من عثراته الاقتصادية والمعيشية، فإن هذا الحل لن يكون باليسير وفق محللين ماليين، لا سيما في ظل الضبابية التي تحيط بمصير الديون المتعثرة التي تخلف السودان عن سدادها منذ وقت طويل.
وتشير بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي عام 2016 إلى أن الدين العام الخارجي للسودان يبلغ حوالي 51 مليار دولار، ما يشكل 88 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسط توقعات بارتفاع هذه النسبة حاليا بسبب تراجع العملة المحلية بنحو كبير منذ ذلك العام.