رغم ازدحام جدول أعمال اجتماعات وزراء المالية في قمة مجموعة العشرين بالقضايا خاصة المتعلقة بالحرب التجارية والاستقرار النقدي وزيادة المديونية العالمية خاصة المستحقة على إيطاليا، إلا أن قضية فرض ضرائب على شركات التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي استطاعت أن تفرض نفسها وبقوة على الاجتماعات.
وحسب مشاركين في الاجتماعات التي اختتمت أعمالها اليوم الأحد في مدينة فوكوكا اليابانية "تواجه شركات التقنية الرقمية مثل "غوغل" ومواقع التواصل مثل "فيسبوك" و"تويتر" قريباً ضريبة بغض النظر عن أماكن وجمودها أو الأرباح التي تحققها في دولة المقر، وذلك وفقاً للمقترح الذي ورد في البيان الختامي".
وخلال الاجتماعات رفضت الولايات المتحدة تضمين بيان مجموعة العشرين وصف التوترات التجارية والجيوسياسية التي تشتعل في العالم بأنها "شديدة" وتتصاعد، ولذا فشل المجتمعون حتى في التعبير عن رغبتهم في وقف الحروب التجارية.
وتخوض الولايات المتحدة مع الصين حرباً تقنية لوقف تمدد تقنيات شركة هواوي في السوق العالمي، وتتهم إدارة دونالد ترامب الشركة بأنها تسرق التقنية الأميركية وتهدد الأمن القومي الأميركي.
وأوصى البيان الختامي، حسب صحيفة " فاينانشيال تايمز" البريطانية، بضرورة العمل على تحويل مقترح لإعادة هيكلة فرض الضرائب على شركات التقنية الرقمية عبر الدول إلى قانون وبأسرع فرصة ممكنة. وقال وزراء مالية العشرين في بيانهم، بشأن المقترح، إنهم يستهدفون الاتفاق على قوانين الضرائب الجديدة على شركات التقنية الرقمية والتواصل الاجتماعي قبل العام المقبل 2020.
لكن، وحسب مصادر "فاينانشيال تايمز"، لا تزال هنالك خلافات بين الاقتصادات الكبرى، خاصة بين أوروبا والولايات المتحدة تنتظر الحل بشأن المقترح، إذ إن معظم الشركات الرقمية أميركية الجنسية. وتعارض الولايات المتحدة التي تحتل قمة الهرم في تملك شركات التقنية الرقمية الكبرى، تحويل المقترح إلى قانون، وترى أنه يجب معاملة هذه الشركات بشكل مختلف عن الشركات الأخرى.
ويرى محللون أن إجازة مثل هذا المقترح الذي يقضي بفرض ضرائب على أنشطة شركات التقنية ومواقع التواصل، سيقود تلقائياً إلى ارتفاع الضرائب على بعض الشركات الكبرى في مجال التقنية والتي أصبحت الأكثر أهمية في العالم في صناعة القيمة المضافة للنمو الاقتصادي العالمي عبر التدفق الهائل للأفكار. وبالتالي سيهدّد النمو الاقتصادي العالمي الذي تتهدده عدة مخاطر.
وأصبحت هذه الشركات في الآونة الأخيرة مؤثرة في نمو أسواق المال العالمية والتدفقات الاستثمارية في الدول أكثر من الشركات التي تصنع وتتاجر في السلع. وهنالك مخاوف من أن إقرار قانون الضرائب على شركات التقنية سيحول أعباء الضرائب على المستخدم النهائي، فيما يرى آخرون أن عدم أخذ ضرائب من هذه الشركات، التي باتت الأكثر تأثيراً في التجارة العالمية، سيضر بمصالح الدول.
في هذا الصدد يقول وزير المالية الفرنسي، برونو لومير، وحسب "فاينانشيال تايمز"، " لدينا نمط جديد من الاقتصاد قائم على النشاط الرقمي ومبني على مبيعات وتبادل كم هائل من المعلومات". وأضاف، " حتى الآن لا توجد ضرائب عادلة على هذا النظام الاقتصادي الجديد".
وعادة ما تختار شركات تقنية المعلومات ومحركات البحث مقارها الرئيسية في الدول ذات الضرائب الأقل في العالم. وبالتالي تواجه الدول معضلة في الحصول على الضرائب على أرباحها حتى وإن كانت الإعلانات التي تحصل عليها مدفوعة من قبل شركات في دولة معينة. وذلك ببساطة لأن الشركات المعلنة تبيع إعلاناتها في مجال فضاء رقمي غير محدود حسياً.
وكانت الولايات المتحدة قد هددت دول الاتحاد الأوروبي بعقوبات في العام الماضي، حينما قالت إنها ستفرض ضرائب على شركات مثل "غوغل". وتعد السوق الأوروبية التي تضم 500 مليون نسمة ويفوق حجم اقتصادها الولايات المتحدة الأكثر استخداماً للإنترنت وشركات التقنية، وبالتالي ترغب في الحصول على ضرائب إضافية.
وفي أوروبا تدفع الشركات الرقمية متعددة الجنسيات، مثل فيسبوك، وغوغل، وآبل وأمازون وغيرها، ما يقرب من 9 في المائة ضرائب، فيما تساوي 23 في المائة على الشركات في جميع القطاعات الأخرى.
وحسب رويترز، قال وزير المالية الألماني أولف شولتز، السبت، إن وزراء المالية في اجتماع مجموعة العشرين في اليابان اتفقوا على الحد الأدنى من الضرائب المقترحة على تقنية المعلومات، وأن ذلك فكرة جيدة، مضيفاً أنها ستنفذ. وذكر أن هذا يعني إيرادات ضرائب أعلى للجميع بما في ذلك ألمانيا.
واستمرت اليوم الأحد محادثات وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في أكبر 20 اقتصاداً في العالم لليوم الثاني في مدينة فوكوكا. وبعد مفاوضات شاقة كادت تجهض إصدار بيان ختامي، اتفق زعماء مالية المجموعة على التأكيد على ما صدر بشأن التجارة في الاجتماع الماضي بالعاصمة الأرجنتينية بوينس أيرس في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفقاً لمصادر على معرفة بصياغة البيان الختامي.
يذكر أن أزمة الحرب التقنية ومحاولات السيطرة على الفضاء الرقمي باتت تهدد بتوقف تدفق المعلومات في بعض الدول، حيث تعتمد الأعمال التجارية وبشكل كامل في التسويق والترويج والاتصال على تقنيات الإنترنت.
وقد طرحت أفكار لحل هذه المعضلة عبر التفكير في إنشاء بنك بيانات دولي مفتوح يسهل الوصول إليه مع أفضل التجارب ومشاريع التنمية.
لكن هذه الفكرة قد طرحت من قِبل روسيا التي تتحالف حالياً مع الصين. ومثل هذا المشروع لن يكون مقبولاً في واشنطن التي تخوض حرباً تجارية شرسة لحماية مصالحها وتقنياتها الحديثة من السرقة.