ترامب يخضع للمساءلة!

08 ابريل 2020
لم يسمح الديمقراطيون لترامب بتنفيذ مخططه (Getty)
+ الخط -

استخف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالتقارير الصحية والاقتصادية والاستخبارية التي وصلت إليه في الأيام الأولى من العام الحالي، عن ظهور فيروس جديد في الصين، ينتشر بسرعة كبيرة بين الناس، ويمكن أن تكون له تداعيات كبيرة على الدول التي ينتشر فيها.

اعتبر ترامب أن الفيروس ربما يكون نوعاً جديداً من "الإنفلونزا" التي تظهر وتنتشر لبعض الوقت، ويتم القضاء عليه عند نجاح العلماء في إنتاج مصل يمنع انتشاره.

وفي الوقت الذي شعر فيه كثيرون بالقلق على أنفسهم، بعد ظهور حالات في الولايات المتحدة، حاول الرئيس الأميركي، الذي كان يضع عينه على انتخابات الرئاسة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بث الطمأنينة في المواطنين، من أجل الحفاظ على الإنجازات الاقتصادية التي تم تحقيقها، باعتبارها أهم أركان حملته الانتخابية، في ظل منافسة شرسة متوقعة من مرشح الحزب الديمقراطي، أياً كان اسمه.

وفي واحد من المؤتمرات الصحافية للرئيس الأميركي وفريق إدارة الأزمة، التي بدأت منذ شهر فبراير/ شباط في الانعقاد اليومي، بما في ذلك أيام العطلات، وتستمر في أغلب الأحيان لأكثر من ساعتين، أكد ترامب للمواطنين أن ما تم اكتشافه من حالات في الولايات المتحدة لا يتجاوز خمس عشرة حالة، متوقعاً أن يتم شفاؤها قريباً، وأن "تختفي تماماً الإصابات خلال فترة قصيرة".

لم تختف الإصابات، ولكن تزايدت بمعدلات كبيرة، كانت الأعلى في العالم، رغم ظهور الفيروس في العديد من الدول الآسيوية والأوروبية قبل الولايات المتحدة، وبدأ ترامب يقتنع بأن البلاد على وشك التعرض لكارثة تهدد حياة الآلاف من المواطنين، فقرر وفريقه أن يطلبوا من الأميركيين العمل من منازلهم لو كانت أعمالهم من النوع الذي يسمح بذلك، والبقاء في منازلهم لو كانت وظائفهم من غير الوظائف الضرورية.
ورغم التقييد على المواطنين، استمرت أعداد حالات الإصابة والوفاة في الارتفاع بمعدلات كبيرة، نتيجة لزيادة عمليات الاختبار المتوفرة مجاناً للمواطنين، كما لطبيعة أغلب الولايات الأميركية، وتحديداً نيويورك، المفتوحة، التي ترغم الجميع على الاختلاط المباشر، من كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية.

بعد ذلك صدرت أوامر، على مراحل، للأميركيين بضرورة الالتزام في بيوتهم، حتى أصبح أكثر من ثلثي سكان الولايات المتحدة محظور عليهم الخروج للشوارع إلا لشراء الحاجات الأساسية من طعام ودواء، أو للتريض لفترات قصيرة حول مساكنهم، وأغلقت المطاعم والمقاهي والبارات، فتوقفت حركة السيارات بنسبة كبيرة، واختفى المارة من أغلب الشوارع الرئيسية.

وكان من نتائج الإغلاق، الذي جاء بعد توقف كثير من المصانع والشركات والمحلات عن العمل، أن تراجعت حركة البيع وتأثرت إيرادات الشركات الأميركية، كبيرها وصغيرها، فتأكد دخول البلاد في ركود كبير، وصفه كثير من الاقتصاديين بأنه غير مسبوق!

ولما كانت أسعار الأسهم ترتبط عادةً بتوقعات إيرادات وأرباح الشركات المستقبلية، فقد هوت أسعار الأسهم، وخسر بعضها ما يقرب من 80% من قيمته، وتراجعت مؤشراتها الرئيسية بنسب تجاوزت 30% في بعض الأحيان.

أدرك ترامب الكارثة الاقتصادية التي تنتظر بلاده حال استمرار الإغلاق، وأيقن أن هذا الوضع يسلبه أهم أسلحته الانتخابية، حيث خسرت الأسهم مستوياتها القياسية التي طالما تباهى بها، وارتفعت نسبة البطالة عن مستوياتها الدنيا التي تغنى بها، وأصبح الجميع في انتظار الركود الذي سخر ترامب كل أسلحته على مدار العامين الماضيين من أجل تجنبه.
حاول ترامب إقناع الجميع بالعودة التدريجية إلى العمل، مستخدماً بعض الشعارات الزائفة، من نوعية أن العلاج لا يمكن أن يكون أسوأ من المشكلة، وأن الناس لو مكثوا في بيوتهم هرباً من الموت بالكورونا، ربما يموتون بالاكتئاب والإحباط بسبب عدم حصولهم على أجور، إلا أن كل ذلك لم يفلح، على الأقل حتى الآن.

التفت ترامب إلى وزارة الخزانة، التي يترأسها أحد أكبر داعميه، ستيفن منوشن، القادم من وول ستريت، والحريص أيضاً على عدم انهيار أسعار الأسهم، ثم إلى البنك الفيدرالي ورئيسه جيرومي باول، المستسلم حالياً لرغبات الرئيس الأميركي، واتفقوا على إنقاذ الأسواق، مهما كان الثمن.

اقترح ترامب وفريقه في البداية تخصيص مبلغ تريليون دولار، رأى توجيه أغلبها إلى الشركات الكبيرة التي تضررت من الأزمة، وعلى رأسها شركات الفنادق والمنتجعات السياحية التي تتركز فيها نسبة كبيرة من استثماراته، وشركات صناعة الطائرات وخطوط الطيران، التي يمتلك ويترأس أغلبها مجموعة من المنتمين إلى قاعدته الانتخابية، وشركات النفط الصخري، المعروفة بكثرة تبرعاتها لحملاته وحملات حزبه الانتخابية!

لم يسمح الديمقراطيون لترامب بتنفيذ مخططه، وفشل أول تصويت على حزمة إنقاذ الأسواق التي اقترحها، ودخل الحزبان في مفاوضات ماراثونية، قبل أن يفشل ثاني وثالث تصويت، ليتم الاتفاق بعدها على تخصيص مبلغ 2.2 تريليون دولار، يخصص أكثر من نصفها لتعويض منخفضي الدخل، ممن تضرروا من الأزمة الحالية، من خلال مدفوعات نقدية مباشرة، وزيادة في نفقات التأمين الصحي والضمان الاجتماعي، كما للشركات الصغيرة لمساعدتها على الاحتفاظ بالعمالة لديها لمدة لا تقل عن ثمان أسابيع، مع توجيه مبالغ أخرى، للشركات الكبرى لإنقاذها.
وأعلن بنك الاحتياط الفيدرالي أيضاً أنه سيخصص تريليونات إضافية للتدخل المباشر في أسواق الأسهم والسندات الأميركية، كما لتزويد بنوك مركزية أخرى حول العالم بالسيولة المطلوبة، من أجل الحفاظ على استقرار أسواق المال في الاقتصادات الكبرى.

اللافت للنظر في هذه القصة، ورغم ما فيها من انحياز للشركات الكبرى، وتقديم تريليونات الدولارات لدعمها، الشفافية التي يتم بها مناقشة الأمور المالية، وكيف يمكن للجهات التشريعية تهذيب رغبات الرئيس الشاذة، والحد من صلاحياته وحزبه في تخصيص أموال الموازنة العامة للدولة، حتى لا يُعلن في لحظة ما تخصيص مائة مليار لمواجهة الأزمة.

ثم لا نعرف من أين يأتي بمثل هذا المبلغ، أو من يحدد كيف ينفق، أو إذا ما كان سينفق على المواطنين أم يتم من خلاله تمويل قيمة "إعانات" يتم تقديمها لبعض أكبر اقتصادات العالم!
دلالات