وجاءت السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، في مقدمة الدول التي اتخذت إجراءات مؤلمة من أجل كبح نزيف احتياطي النقد الأجنبي وتفاقم العجز المالي، وفق رصد لـ"العربي الجديد"، بالإضافة إلى مسح آخر أجرته وكالة الأناضول، ونشرته اليوم الجمعة، شمل العديد من الدول التي تبنت إجراءات تقشفية.
وفي نهاية إبريل/نيسان الماضي، توقع جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، في تصريحات صحافية، تراجع صادرات الدول المصدرة للنفط بالمنطقة بمعدل 220 مليار دولار خلال العام الجاري، 2020، بضغط من تداعيات "كورونا" على الاقتصاد العالمي.
وأشار أزعور إلى أن دول المنطقة أنفقت 64 مليار دولار على إجراءات مواجهة كورونا، كما تحركت البنوك المركزية بسرعة، وتم ضخ أكثر من 47 مليار دولار من السيولة في دول المنطقة خلال الأسابيع الأولى من الأزمة.
وقبل نحو شهر من توقعات المسؤول في صندوق النقد الدولي، رجحت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني العالمية أن تقترض دول مجلس التعاون الخليجي الست نحو 42 مليار دولار هذا العام، بالإضافة إلى سحب 110 مليارات دولار من الاحتياطيات المالية وصناديق الثروة السيادية.
إجراءات مؤلمة في السعودية
ويوم الاثنين الماضي، قررت السعودية وقف صرف بدل غلاء المعيشة لمواطنيها بدءاً من يونيو/ حزيران المقبل، وزادت نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15% بدءاً من يوليو/ تموز 2020.
تأتي هذه الإجراءات استكمالاً للقرارات المتخذة مسبقاً بخفض الإنفاق في الميزانية بنسبة 5% وتجميد نشاطات وإلغاء أخرى، للحد من تفاقم الآثار السلبية لأزمة كورونا من مختلف جوانبها الصحية والاجتماعية والاقتصادية على البلاد.
وتبلغ قيمة الإجراءات التقشفية بالمملكة نحو 100 مليار ريال (26.66 مليار دولار)، شملت إلغاء أو تمديد أو تأجيل بعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي.
لكن قد لا يقتصر الأمر على وقف بدل الغلاء وزيادة ضريبة القيمة المضافة وإلغاء بعض المشروعات، وإنما قد تطاول الإجراءات التقشفية رواتب الموظفين، حيث كشفت الحكومة، الأسبوع الماضي، عن "تشكيل لجنة وزارية لدراسة المزايا المالية التي تصرف لجميع العاملين والمتعاقدين.. والرفع بالتوصيات خلال 30 يوماً".
وقال وزير المالية محمد الجدعان إن "الإجراءات التي تم اتخاذها، وإن كان فيها ألم، إلا أنها ضرورية للمحافظة على الاستقرار المالي والاقتصادي من منظور شامل على المديين المتوسط والطويل، وتجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية غير المسبوقة وتداعياتها المالية والاقتصادية بأقل الأضرار الممكنة".
وكان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، قد أصدر في يناير/كانون الثاني 2018، أمراً ملكياً بصرف بدل غلاء معيشة بقيمة ألف ريال (267 دولارا) شهرياً للمواطنين من الموظفين المدنيين والعسكريين، ضمن مجموعة من البدلات والمزايا الأخرى تشمل أيضا العسكريين المشاركين في الصفوف الأمامية للأعمال العسكرية في الحد الجنوبي للمملكة (الحرب في اليمن) والمتقاعدين والطلاب الدارسين في الخارج.
وهوت عائدات تصدير النفط خلال الربع الأول بنسبة 24% على أساس سنوي إلى 34 مليار دولار، وتراجعت الأصول الاحتياطية للمملكة إلى أدنى مستوى منذ 9 سنوات، إلى 473.3 مليار دولار.
وخفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، في الأول من مايو/ أيار، النظرة المستقبلية للسعودية من "مستقرة" إلى "سلبية"، بسبب المخاطر التي يمكن أن تواجهها المملكة من جراء تذبذب أسعار النفط الناتج من أزمة كورونا، ومن عدم اليقين الناتج من تعامل المملكة للتخفيف من آثار هذه العوامل، من خلال موازنة الديون والإيرادات النفطية.
وفي مارس/آذار الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من اندثار ثروات السعودية في عام 2035، إذا لم تتخذ "إصلاحات جذرية في سياساتها المالية" التي ترتكز أساساً على عائدات النفط مثل باقي دول الخليج، التي توقع أن تندثر أيضاً ثرواتها في سنوات متفاوتة، لتكون البحرين الأقرب إلى هذا السيناريو عام 2024.
دبي تخفض الإنفاق
وامتدت الإجراءات التقشفية إلى أغلب دول الخليج، ففد أصدرت إمارة دبي، الشهر الماضي، تعميماً بشأن خفض الإنفاق الرأسمالي بواقع النصف على الأقل، وتقليص النفقات الإدارية والعامة، بما لا يقل عن 20%، ووقف التعيينات الجديدة حتى إشعار آخر، لتجنب تداعيات الفيروس.
وأبلغت دبي جميع الهيئات الحكومية بتعليق جميع مشاريع التشييد التي لم تبدأ حتى إشعار آخر، وعدم السماح بأي زيادات في الإنفاق لمشاريع البناء الجارية.
ونص التعميم على خفض المصروفات الرأسمالية بحد أدنى 50%، مع الأخذ بعين الاعتبار إيقاف العمل بالمخصصات المالية لبنود (السيارات، الأثاث، البرمجيات، جميع المبالغ المخصصة للاستبدال والإحلال). بينما نفت وزارة المالية الإماراتية وجود أي خطط في الوقت الراهن لرفع ضريبة القيمة المضافة البالغة 5 بالمئة أسوة بالسعودية.
عُمان تتقشف
أقرت سلطنة عمان عدة إجراءات تقشفية لمواجهة التبعات الاقتصادية السلبية لتفشي جائحة كورونا وهبوط أسعار النفط الخام، فقد أصدرت وزارة المالية، الشهر الماضي، 13 منشورا مالياً تستهدف خفض الإنفاق العام بقيمة 500 مليون ريال (1.301 مليار دولار)، في ميزانية 2020.
لكنها زادت من إجراءاتها، وقامت، الأربعاء الماضي، بإجراء تخفيض إضافي بنسبة 5% على الموازنة المعتمدة لجميع الوحدات المدنية والعسكرية والأمنية لعام 2020، ليصبح إجمالي التخفيض بنسبة 10%.
البحرين تخفض المخصصات
أعلنت البحرين، في 22 إبريل/ نيسان الماضي، خفض إنفاق الوزارات والهيئات الحكومية بنسبة 30% لمساعدة البلد المأزوم مالياً على اجتياز تداعيات تفشي فيروس كورونا.
كما ستعيد الدولة أيضا جدولة بعض مشاريع الإنشاءات والاستشارات، كي لا يخرج الإنفاق عن الحد المقرر في ميزانية 2020 ولإفساح المجال لتمويل متطلبات أخرى يفرضها انتشار الفيروس.
الكويت تعيد النظر بالميزانية
أقرت الحكومة الكويتية، الشهر الماضي، إعادة النظر في أرقام ميزانية العام المالي 2020/2021 الذي بدأ مطلع إبريل/نيسان 2020.
وتتضمن التوصيات قيام وزارة المالية بإعادة النظر في الميزانية بما يحقق أقصى ترشيد ممكن في بنودها، من خلال إلزام الوزارات والمؤسسات بتخفيض 20 بالمئة على الأقل، تعادل نحو 4.5 مليارات دينار (14.6 مليار دولار).
وشملت المقترحات عدم المساس بالبند الأول "الرواتب والأجور"، وتأجيل جميع المشاريع الإنشائية التي لم يجرِ التعاقد عليها، كذلك إعادة النظر في المشتريات العسكرية والعمل على تأجيل أو تخفيض حجم المشتريات.
مصر تزيد أعباء المواطنين
في مصر، المثقلة بالديون، أوعز رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، يوم الأربعاء الماضي، لأعضاء حكومته بالبدء بتنفيذ خطة لضبط وترشيد النفقات، في خطوة تهدف لمواجهة التبعات الاقتصادية والمالية لجائحة كورونا.
ونقل إعلام محلي عن مدبولي قوله إن القرار الحكومي يتزامن "مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها العالم حاليا بسبب تداعيات جائحة كورونا"، معربا عن أمله بألا تطول هذه الفترة.
والأسبوع الماضي، رفعت الحكومة توقعاتها لعجز ميزانية السنة المالية الحالية 2019/ 2020، حتى 7.9%، مقابل 7.2% بحسب توقعات سابقة.
وتعتزم الحكومة زيادة عائدات الضرائب خلال العام المالي المقبل إلى964.7 مليار جنيه، رغم الأضرار التي تشهدها مؤسسات القطاع الخاص بشكل خاص من تداعيات كورونا، مقابل 856.6 مليار جنيه في العام المالي الحالي (ينقضي بنهاية يونيو/حزيران).
وتوقفت السياحة تماماً، وتراجعت الصادرات، ويتوقع تراجع عائدات قناة السويس وصادرات الغاز وكذلك تحويلات المصريين العاملين في الخارج.
وتتزامن هذه المؤشرات مع عودة احتياطي النقد الأجنبي إلى الهبوط بشكل متسارع، فقد فقدت الدولة 8.5 مليارات دولار تقريباً من احتياطي العملات الأجنبية المتوافرة لدى البنك المركزي خلال شهري مارس/آذار وإبريل/نيسان، حيث بلغ في نهاية الشهر الماضي 37.037 مليار دولار، مقابل 45.5 مليار دولار في نهاية فبراير/ شباط.
ولمّح وزير المالية محمد معيط، عقب اجتماع مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، في وقت سابق من مايو/أيار الجاري، إلى مزيد من الإجراءات التقشفية حال استمرار تداعيات أزمة كورونا إلى ما بعد 30 يونيو/حزيران.
ولفت الوزير إلى "مراجعة أو تجميد بعض بنود المصروفات في موازنة العام المالي المقبل، لضمان قدرة المالية العامة على مواصلة الوفاء بالتزاماتها".
وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، يوم الاثنين الماضي، إن المقصود بمراجعة أو تجميد بعض بنود المصروفات هو "تخفيض الدعم المقدم إلى منظومتي الخبز والسلع التموينية، والمُقدر بنحو 42.5 مليار جنيه للخبز، و36.4 مليار جنيه للسلع التموينية، لا سيما بعد تحرير أسعار بيع الوقود والكهرباء للمواطنين في الموازنة الجديدة.
الجزائر تخفض فاتورة الواردات
في الأسبوع الأول من مايو/ أيار الحالي، أعلنت الجزائر أنها رفعت نسبة تقليص نفقات تسيير الدولة من 30 إلى 50 بالمئة، لمجابهة تداعيات انهيار أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس للبلاد.
وفي بداية الأزمة، أعلنت الحكومة الجزائرية عن خطة تقشفية جديدة بسبب الأزمة النفطية، تضمنت خفضا لنفقات الدولة بواقع 30 بالمئة، تشمل خفضا لنفقات الدولة والمؤسسات التابعة لها، دون تحديدها.
وتضمنت الإجراءات الجزائرية خفض شركة سوناطراك الحكومية للمحروقات، الأكبر في البلاد، نفقاتها بواقع 7 مليارات دولار للعام 2020، نزولا من 14 مليارا.
ومن قرارات الحكومة خفض فاتورة الواردات بواقع 10 مليارات دولار، نزولا من 41 مليار دولار في 2019، إلى 31 مليار دولار بنهاية العام الجاري.
وتتوقع الجزائر تراجع احتياطاتها من النقد الأجنبي إلى 44 مليار دولار بنهاية العام الجاري، نزولا من 62 مليار دولار بنهاية 2019.
تقليص كبير للإنفاق في الأردن
على صعيد الأردن، أشارت الحكومة إلى أنها تخطط لتخفيضات كبيرة في الإنفاق لتعويض تراجع حاد قدره 600 مليون دينار (846.26 مليون دولار)، في الإيرادات حتى إبريل/ نيسان مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
كما أعلنت الحكومة أنها لا تعتزم حاليا فرض أي ضرائب جديدة، وهي المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة، أو خفض تكاليف الرواتب التي تتكلف 600 مليون دينار شهريا (846.3 مليون دولار).
حزمة مراسيم في تونس
منتصف إبريل الماضي، أقرت الحكومة التونسية حزمة مراسيم ذات علاقة بأزمة "كورونا" تتضمن قرارات وإجراءات استثنائية تتعلق بالمجالات المالية والاقتصادية.
يأتي هذا وسط توقعات بركود اقتصادي غير مسبوق لتونس التي ترجح أن تشهد ركودا أكثر من 4.3 بالمئة لأول مرة منذ الاستقلال في 1956.
وصادق مجلس الوزراء في تونس، خلال اجتماعه مساء الاثنين، على حزمة قوانين تضمنت سن إجراءات ضريبية ومالية لدعم الميزانية للتخفيف من حدة تداعيات انتشار كورونا.