لم يكن عام 2021 هيناً اقتصادياً على تونس، حيث تصنف السنة من بين السنوات الأصعب في تاريخ البلاد، بسبب تراجع كل المؤشرات وتصاعد الفقر والبطالة ودخول البلاد في أزمة سياسية منذ اعتماد التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز وتضمنت تعليق أعمال البرلمان وإقالة الحكومة والاستحواذ على كل السلطات بيده.
وكان التونسيون يتطلعون إلى أن تكون 2021 سنـة التعافي من آثار جائحة فيروس كورونا، التي دفعت الاقتصاد إلى الانكماش بمستويات قياسية بلغت 8.8% في العام السابق عليه، إلا أن الاضطرابات التي شهدتها البلاد خيبت الكثير من الآمال في تحقيق تحسن معيشي.
ويدفع التونسيون غاليا تداعيات أزمة الحكم، التي تسببت بهروب الاستثمارات وانفلات الأسعار وتصاعد نسب التضخم والبطالة. يقول المواطن سهيل المنصوري (48 عاما)، إنه عايش أزمات اقتصادية عدة مرت على تونس في نهاية الثمانينيات ومنتصف التسعينيات، لكن "الأوضاع الاقتصادية الحالية هي الأسوأ على الإطلاق، إذ بلغ الغلاء مرحلة فاحشة لم يعد للكثيرين قدرة على مواجهته".
يؤكد سهيل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن معدل دخل أسرته يزيد عن 3 آلاف دينار (حوالي ألف دولار) شهرياً، لكنه أصبح يصنف نفسه من فئة الفقراء، بسبب العجز عن مجاراة واقع يومي صعب يتطلب توفير الاحتياجات الأساسية لأسرته المتكونة من 5 أفراد وسداد قروض بنكية تلتهم أكثر من 40% من أجره.
يضيف: "السلطة تركت المواطنين فريسة لشبكات المضاربة واقتصاد السوق المتوحش دون أي حماية، فيما تزداد الخدمات العامة تراجعاً، على رأسها النقل والصحة والتعليم".
وشهدت نسبة التضخم ارتفاعا متواصلا منذ بداية 2021، حيث كانت تبلغ 4.9% في يناير/ كانون الثاني، لترتفع إلى 5.7% في يونيو/ حزيران، و6.4% في نوفمبر/ تشرين الثاني.
ورغم وعود الرئيس سعيد بكبح الغلاء بعد إعلان التدابير الاستثنائية، إلا أن الأسواق شهدت انفلاتاً معاكساً، إذ قفزت أسعار المواد الغذائية الأساسية، واختفت سلع أخرى، منها زيت الطهي والبيض، كما اختفت مادة الحديد قبل أن تظهر مجدداً في الأسواق بعد زيادة أسعارها بنسبة 25% خلال شهرين في نهاية العام.
مواجهة الغلاء بجيوب خاوية
وتواجه نحو مليون أسرة الغلاء بجيوب خاوية بسبب فقدان الدخول والتحاق 300 ألف أسرة جديدة بقائمة العائلات الفقيرة والمعوزة، بحسب بيانات رسمية لوزارة الشؤون الاجتماعية.
وفي سبتمبر/ أيلول الماضي تدخلت الحكومة عبر قرض ممنوح من البنك الدولي لدعم الأسر الفقيرة عبر تحويلات مالية بقيمة 300 دينار للأسرة الواحدة، غير أن مساعدات البنك الدولي والتدخلات الحكومية لا يمكن أن تحد من وطأة الفقر والبطالة اللذين تحولا إلى مشاكل هيكلية.
يقول رمضان بن عمر، المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة مدنية)، إن الغلاء والفقر وتردي الخدمات الاجتماعية من أبرز أسباب التحركات الاحتجاجية التي يجري رصدها شهرياً، مشيرا إلى انزلاق الطبقة الوسطى التي كانت العمود الفقري للتركيبة السكانية في تونس إلى خانة الفقراء.
ويضيف بن عمر، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "تصاعد رحلات الهجرة السرية (غير النظامية) والقفز في البحر إلى المجهول يفسر أيضا حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس".
ارتفاع قياسي للبطالة
وشهدت نسب البطالة منحى تصاعدياً رغم العودة التدريجية للأنشطة الاقتصادية في 2021 بعد عام الجائحة، إذ ارتفعت من 17.8% في الربع الأول إلى 18.4% في الربع الثالث من السنة، وفق أحدث البيانات الرسمية، وهي أعلى نسبة تسجل خلال السنوات الثلاث الأخيرة.
وفي ظل التجاذبات السياسية وإحجام المستثمرين عن ضخ أموال في الاقتصاد، كان من الصعب تحقيق نمو اقتصادي، ليتم في قانون المالية التعديلي خفض توقعات النمو لعام 2021 إلى 2.6%، مقابل 4% في التقديرات الحكومية السابقة.
ويرى الخبير المالي محمد منصف الشريف أن "رداءة المناخ السياسي في البلاد سبب رئيسي لتواصل الأزمة الاقتصادية والمعيشية"، مؤكدا أن أغلب بلدان العالم انطلقت في خطة التعافي من آثار كورونا فيما تكابد تونس تداعيات أزمة سياسية قد تمتد لسنوات لاحقة.
ويقول الشريف لـ"العربي الجديد"، إن السلطات التونسية لم تكن لديها بالأساس حلول لإنجاح مرحلة ما بعد كورونا، بينما جاءت التدابير الاستثنائية التي اتخذها سعيد لتزيد الوضع غموضا، إذ لم تقدم أي حلول أيضاً، مرجحاً أن تكون سنة 2022 أصعب بكثير من سابقاتها.
وكشفت وثيقة رسمية للبرنامج الاقتصادي للحكومة التونسية، التي ترأسها نجلاء بودن، عن اتجاه لخفض الإنفاق العام وزيادة النمو عبر حزمة إجراءات ضريبية وزيادة في أسعار الطاقة والمواد المدعومة وتثبيت كتلة الأجور، بحيث تُطبق مع بداية العام الجديد بالتزامن مع التفاوض مع صندوق النقد الدولي للحصول على تمويلات جديدة.
وتفاوض تونس صندوق النقد من أجل اتفاق مالي جديد للحصول على ما لا يقل عن 4 مليارات دولار، لتوفير تمويلات لموازنة 2022 فيما بلغت ديون تونس 102.1 مليار دينار (35.5 مليار دولار)، وهو رقم قياسي لم تسجله البلاد من قبل.
ورجّح محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي في تصريحات صحافية أخيراً، أن تتوصل بلاده إلى اتفاق مع الصندوق في الربع الأول من العام المقبل. لكن التوصل إلى اتفاق يتطلب، وفق محللين، إجراءات قاسية على معيشة التونسيين.