على الرغم من الحجة التي استندت عليها روسيا في تعليق اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، والخاصة بضرب طائرة مسيّرة لأسطولها الحربي في البحر الأسود، يرى خبراء أن هناك أسباباً اقتصادية بحتة دفعت موسكو إلى اتخاذ هذه الخطوة.
وفق خبراء في مركز كارنيغي للدراسات في نيويورك، فإنّ موسكو كانت تأمل أن تستفيد من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية في تحقيق 3 أهداف رئيسية، وهي أولاً: كسب تأييد بعض دول العالم التي تعاني من أزمات غذائية طاحنة لغزوها أوكرانيا، وبالتالي إنهاء عزلتها الدولية جزئياً. كما استهدفت موسكو كذلك كسب بعض دول الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا التي تعاني بشدة من أزمات الخبز إلى جانبها وتأييد غزوها لأوكرانيا.
أما الهدف الثاني فهو أن يسمح الاتفاق بتخفيف العقوبات الغربية على صادراتها من المنتجات الغذائية. والثالث هو السماح لها بممرات آمنة لصادراتها عبر البحر الأسود، وخفض كلف التصدير لمنتجاتها غير المحظورة من قبل القوى الغربية.
لكن يبدو أن هذه الأهداف لم تتحقق لموسكو، وبالعكس من ذلك تضررت صادرات منتجاتها من الحبوب والأسمدة، إذ تراجعت تنافسية منتجاتها الزراعية في الأسواق العالمية، بسبب إقبال المشترين على الحبوب الأوكرانية الرخيصة نسبياً مقارنة بالحبوب الروسية.
وحسب بيانات شركة سوف إي كون الروسية للأبحاث، تراجعت صادرات روسيا من القمح منذ بداية اتفاق إسطنبول بمعدلات كبيرة. إذ تراجعت، وفق الشركة، صادرات القمح في شهري يوليو/تموز وأغسطس/آب بنسبة 28% عن مستوياتها في نفس الفترة من العام السابق، وبلغت 5.8 ملايين طن.
ويُرجع محللون التراجع إلى تفضيل التجار للقمح الأوكراني على الروسي، بسبب قوة سعر صرف الروبل الذي جعل القمح الروسي أغلى كثيراً من الأوكراني، وكذلك إلى عامل الضريبة الجمركية الروسية المرتفعة.
وحسب تقديرات "سوف إي كون"، فإن روسيا تتجه نحو حصاد محصول قياسي من القمح خلال العام الجاري، ربما يبلغ 94.7 مليون طن متري، مقارنة بمحصول العام الماضي البالغ 90.9 مليون طن متري. وهذا المحصول القياسي يحتاج إلى أسواق باتت غير متوفرة للشركات الروسية وسط المنافسة الشرسة من القمح الأوكراني، وبالتالي باتت روسيا تواجه أزمة تخزين إذا تواصل تصدير القمح الأوكراني.
من جانبها، توقعت وزارة الزراعة في تقريرها الأخير، أن يتمكن الارتفاع في إنتاج القمح الروسي من تعويض النقص في إمدادات القمح العالمية ويزيد عنها، لترتفع الإمدادات العالمية إلى 1059.6 مليون طن متري، وبزيادة 3.6 ملايين طن متري عن موسم العام الماضي.
وفي ذات الصدد، توقعت وزارة الزراعة الروسية ارتفاع إنتاج القمح الروسي خلال موسم الشتاء للعام الجاري بنحو 3 ملايين طن متري، إلى 91 مليون طن. وهذا المحصول القياسي سيضغط على قدرة روسيا على التخزين إن لم تتمكن من محاصرة القمح الأوكراني.
من جانبه، توقع اتحاد تجار الزراعة الأوكراني (UCAB)، وهو اتحاد تجاري، أن يؤثر احتلال القوات الروسية لبعض الأراضي الأوكرانية، وقرب الأراضي الزراعية من العمليات العسكرية والحقول الملغومة، سلباً على إنتاج أوكرانيا من القمح.
وأدت الحرب الروسية حتى الآن إلى تقليل المساحة المزروعة من الحبوب هذا العام. ويتوقع الاتحاد، حسب ما ذكرت نشرة "كابيتال.كوم" الأميركية أن تؤدي الحرب إلى تراجع الإنتاج والصادرات من الحبوب الأوكرانية.
وفي الإطار نفسه، توقعت الحكومة الأوكرانية، أن يصل إنتاج البلاد من الحبوب إلى 50 مليون طن في العام الجاري 2022، مقارنة بـ86 مليون طن في عام 2021.
لكنّ شركة ماكينزي الأميركية توقعت انخفاض إنتاج المحاصيل في أوكرانيا بنسبة تتراوح بين 35% و45% في موسم الحصاد المقبل، بسبب انخفاض المساحة المزروعة والعمليات العسكرية المستمرة والألغام الأرضية، ونقص السيولة لدى المزارعين الذين لم يتمكنوا من شحن جزء كبير من محصولهم في العام الماضي، وسط الحصار البحري على الموانئ من قبل القوات البحرية الروسية في البحر الأسود.
كما ترى أن المحاصيل في أوكرانيا تأثرت كذلك خلال الموسم الحالي بزيادة تكاليف الوقود والأسمدة. وبناء على هذه العوامل، ترجح شركة ماكينزي الأميركية أن تنخفض صادرات الحبوب من أوكرانيا بما مجموعه 30 مليوناً إلى 44 مليون طن متري للسنة التسويقية 2022-2023 مقارنة بمستوياتها قبل الحرب.