يتوقع خبراء في الطاقة أن تتجه أسعار النفط خلال العام الجاري للارتفاع رغم مخاوف الركود الاقتصادي في العالم. ويبني الخبراء توقعاتهم هذه على ثلاثة عوامل رئيسية، أبرزها الاضطرابات السياسية، ومنها الحرب الروسية في أوكرانيا والتوتر المتنامي بين بكين وواشنطن حول جزيرة تايوان وبشأن مساعدتها الاقتصادية لموسكو التي تعرقل العقوبات الغربية على الطاقة الروسية.
أما العامل الثاني فيتمثل في فتح الاقتصاد الصيني واحتمال عودة بكين بقوة للنمو خلال العام الجاري، بعد إجراءات فك الإغلاق وفتح البلاد وعودة نشاط الشركات، وهذا العامل سيرفع الطلب العالمي على النفط.
أما العامل الثالث فهو احتمال توقف بنك الاحتياط الفيدرالي عن رفع الفائدة بنهاية الربع الأول من العام الجاري، وبالتالي ربما سيتراجع سعر صرف الدولار الأميركي الذي يصب عملياً في مصلحة ارتفاع أسعار النفط الذي يباع بالدولار. ومعروف أن العلاقة بين أسعار النفط وأسعار الدولار علاقة عكسية، إذ كلما تراجع صرف الدولار، ارتفعت أسعار النفط.
على صعيد عامل الصين، تعد الصين أكبر مستورد للنفط ومشتقاته في العالم، وبالتالي أكبر محرك لأسعاره. وحسب دراسة لمعهد جامعة كولومبيا الأميركية لسياسات الطاقة، يشكل النفط ومنتجاته 19 بالمائة من استهلاك الطاقة في الصين، ويعتبر النفط أمراً بالغ الأهمية لقطاعات استراتيجية من الاقتصاد الصيني، خاصة النقل واللوجستيات والزراعة.
واستهلكت الصين محلياً ما يقرب من 15.4 مليون برميل يوميًا من النفط الخام في عام 2021، منها 4 ملايين برميل يومياً من إنتاجها المحلي و11.4 مليون برميل يومياً استوردتها من الخارج، أي أن بلاد التنين تستورد نحو 74% من استهلاكها من الخارج. وبالتالي يمثل استيراد النفط الخام من الخارج خطراً كبيراً للأمن الاقتصادي والعسكري للصين.
على صعيد تداعيات التوتر بين واشنطن وبكين حول تايوان ودعمها لموسكو في الحرب الأوكرانية، ترى دراسة مركز جامعة كولومبيا لسياسات الطاقة، الصادرة خلال الأسبوع الماضي، أن التوتر المتنامي بين بكين وواشنطن سيدفع الصين إلى زيادة احتياطياتها البترولية في خزانات الاحتياطي الاستراتيجي، ما يعني عملياً أنها سترفع من حجم استيرادها من الخامات البترولية خلال العام الجاري، تحسباً لتطورات الحرب الأوكرانية وتأثيرها على خطوطها البحرية لاستيراد الخامات البترولية.
وتعمل الصين على زيادة سعة النفط الخام في المخازن الاستراتيجية خلال العام الجاري، وتعد الطاقة من أهم أسس التحالف الاستراتيجي مع روسيا. وحسب دراسة المركز، يتراوح حجم احتياطي النفط الاستراتيجي بالصين الآن بين 290-370 مليون برميل، بينما تبلغ سعة تخزين شركات النفط والمشتقات البترولية، مثل مصافي شاندونغ هونغرون وهينجلي، نحو 900 مليون برميل.
وستوفر سعة التخزين هذه إمدادات نفطية للصين تقدر بنحو 80 يوماً تقريباً في حالة انقطاع الإمدادات.
في ذات الصدد، يرى المحلل الاستراتيجي العالمي للنفط والغاز في مجموعة بترولية أميركية، فيكاس دويفيدي، في تعليقات نقلتها نشرة "ريغزون" الأميركية، أن تداول سعر النفط فوق 100 دولار للبرميل إذا حدث، فسيكون بسبب اضطرابات كبيرة في الإمدادات من كبار مصدري النفط، بما في ذلك روسيا ونيجيريا وليبيا وأنغولا، وكذلك بسبب النمو الصيني.
من جانبه، قال الرئيس والشريك المؤسس لشركة "بايبر مورغان أسوسيتس" الأميركية، جلادني داروه، لنفس النشرة، إن هناك "احتمالًا معقولاً" أن تصل أسعار النفط إلى 100 دولار للبرميل في عام 2023 "، إذا ارتفع نمو الاقتصاد العالمي بما يتجاوز التوقعات الحالية أو إذا تعرضت الإمدادات لاضطراب أكبر خلال العام الجاري".
على صعيد آخر، تتوقع وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الشهري، أن يرتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.9 مليون برميل في اليوم في عام 2023، إلى مستوى قياسي يبلغ 101.7 مليون برميل في اليوم، مع ما يقرب من نصف المكاسب من الصين بعد رفع قيود كوفيد.
وتتوقع أن يظل وقود الطائرات أكبر مصدر للنمو، بزيادة 840 كيلو بايت/ يوم. وانخفض الطلب على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 900 ألف برميل في اليوم في الربع الرابع من العام 22، حيث أدى ضعف النشاط الصناعي وتأثيرات الطقس إلى خفض الاستخدام، في حين ارتفع الطلب من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 500 ألف برميل في اليوم.
وبالنسبة لمستويات العرض والطلب العالمية على النفط، تتوقع وكالة الطاقة الدولية، في تقريرها الصادر هذا الشهر، أن يتباطأ نمو إمدادات النفط العالمية في عام 2023 إلى مليون برميل في اليوم، بعد النمو الذي قادته منظمة "أوبك +" العام الماضي بمقدار 4.7 ملايين برميل في اليوم، وأن يرتفع إجمالي إمدادات البترول في الدول غير الأعضاء "أوبك + " بمقدار 1.9 مليون برميل في اليوم بسبب الانخفاضات المتوقعة في صادرات روسيا. ويأتي ذلك بسبب الحظر الغربي وسقف تسعير نفطها تحت 60 دولاراً للبرميل.
وتُعد الولايات المتحدة ماكينة زيادة الإنتاج خلال العام الجاري، إلى جانب كل من كندا والبرازيل وغويانا. وحسب وكالة الطاقة الدولية، سجلت هذه الدول رقماً قياسياً في الإنتاج السنوي للعام الماضي.
وحسب بيانات وكالة الطاقة، انخفضت عمليات التكرير في الولايات المتحدة بمقدار 910 آلاف برميل في اليوم بسبب الانقطاعات المرتبطة بالطقس، لكن عمليات التشغيل المرتفعة في أوروبا وآسيا عوضت الانخفاض. بعد زيادة قدرها 2.1 مليون برميل في اليوم في العام الماضي 2022.
ومن المقرر أن تنمو إنتاجية المصافي بمقدار 1.5 مليون برميل في اليوم في عام 2023، بسبب السعة الجديدة المقدرة بنحو 2.2 مليون برميل في اليوم التي ستدخل مرحلة الإنتاج خلال العام الجاري 2023.
وبشأن عامل العقوبات الغربية على روسيا وتأثيرها على الإمدادات، انخفضت صادرات النفط الروسية بمقدار 200 ألف برميل يومياً، خلال شهر ديسمبر/ كانون الأول، لتصل إلى 7.8 ملايين برميل يومياً حسب بيانات وكالة الطاقة، إذ انخفضت شحنات النفط الخام إلى الاتحاد الأوروبي بعد دخول حظر الخام الأوروبي وسقف أسعار مجموعة السبع حيز التنفيذ.
وكانت صادرات الديزل الروسية قد قفزت إلى أعلى مستوياتها في عدة سنوات عند 1.2 مليون برميل في اليوم قبيل دخول العقوبات حيز التنفيذ، منها 720 ألف برميل في اليوم للاتحاد الأوروبي. كما ساهمت الحسومات القياسية لخام الأورال الروسي في زيادة صادرات إلى آسيا من النفط الروسي الذي بيع في منتصف الشهر بنحو 37 دولاراً للبرميل.
وعلى صعيد المخزونات، ارتفعت مخزونات النفط العالمية بمقدار 79.1 مليوناً شهرياً في نوفمبر/ تشرين الثاني، مسجلة أعلى مستوياتها منذ أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2021.
لكن رغم هذه التوقعات بشأن ارتفاع أسعار النفط، لا يزال الغموض يحيط بمستقبل الأسعار بسبب تطورات الحرب الأوكرانية التي تزداد اشتعالا، والتي ستحدد المعروض النفطي ومستويات تدفق الخامات الروسية للأسواق العالمية خلال العام الجاري، وكذلك مستويات النمو الاقتصادي بالصين الذي سيحدد الطلب العالمي على النفط، وكلا العاملين يمكن أن يقودا إلى تأرجح الطلب والعرض بأكثر من مليون برميل يوميًا أعلى أو أقل، حسب ما قال أحد مديري الاستثمار لشبكة " سي إن بي سي" الأميركية.
في ذات الصدد، قال الخبير النفطي ستيفانو جراسو لنشرة "أويل برايس": "يبدو أن الصين فاجأت السوق من حيث السرعة التي تخرج بها من صفر كوفيد، بينما فاجأت روسيا الأسواق من حيث مرونة حجم الصادرات النفطية على الرغم من العقوبات".