استمع إلى الملخص
- **تأثير الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي**: استمرار الحرب ضد غزة واحتمال التصعيد مع حزب الله، بالإضافة إلى العجز المالي وانخفاض النمو، زاد من مخاوف المؤسسات المالية، حيث تم تحويل 5.6 مليارات دولار في عام 2023.
- **التوترات السياسية وتأثيرها على السوق**: التوترات السياسية الداخلية وانتقاد سياسة نتنياهو، خاصة إقالة وزير الأمن، زادت من الانقسام الداخلي وأثرت سلباً على الاقتصاد، مما أدى إلى تدهور المؤشرات الاقتصادية.
في بداية الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، قامت المؤسسات الاستثمارية بتحويل دفة الأموال إلى إسرائيل، لكن منذ إبريل/نيسان الماضي، انعكس الاتجاه لتسلك رؤوس الأموال طريق الهجرة الكبرى، بسبب انعدام الثقة في قدرة حكومة بنيامين نتنياهو على إعادة الاقتصاد إلى النمو وتحقيق الاستقرار، إذ تتسع جبهات الحرب وتتعمق الصراعات السياسية الداخلية.
ووسط استمرار ما أطلقت عليه حكومة الاحتلال "حرب السيوف الحديدية" ضد قطاع غزة، واحتمال التصعيد في الشمال ضد حزب الله اللبناني، والخوف من تنامي العجز المالي وانخفاض النمو، تتنامى مخاوف المؤسسات المالية والاستثمارية من التعرض لخسائر لا يمكن تعويضها.
ووفق بيانات مالية أوردتها صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية الإسرائيلية، أمس الثلاثاء، حولت المؤسسات إلى الخارج أموالاً تصل إلى نحو 151 مليار شيكل (40.4 مليار دولار) منذ بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرة إلى أن متوسط استثمار المؤسسات العاملة في صناعة صناديق الادخار في الخارج ارتفع من 51.7% في بداية الحرب إلى 56.3% في نهاية يوليو/تموز من العام الجاري، وفق آخر تحديث للبيانات الرسمية التي جمعتها الصحيفة الإسرائيلية من هيئة أسواق المال وهي الجهة المنظمة للمؤسسات المالية الكبرى، منها صناديق التقاعد وصناديق الادخار.
وتدير المؤسسات الكبرى أصولاً في صناعة الادخار بقيمة 682 مليار شيكل (182.8 مليار دولار)، حيث تظهر البيانات أن حجم استثمار المؤسسات في الخارج قفز إلى ما يقارب 384 مليار شيكل (102.9 مليار دولار)، مقابل 306 مليارات شيكل (82 مليار دولار) في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بزيادة بلغت قيمتها 78 مليار شيكل، أي ما يعادل 25.5%.
والوضع في سوق التقاعد يشبه الوضع في سوق الادخار، ولكنه أكثر اعتدالاً، وفق تحليل "كالكاليست"، إذ رفعت المؤسسات متوسط انكشاف (استثمار) صناديق التقاعد على الاستثمارات في الخارج إلى 50% في يوليو/تموز من العام الجاري، مقارنة بانكشاف بلغت نسبته 47.6% في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتدير صناديق التقاعد 854 مليار شيكل، منها 427 مليار شيكل من مستثمرة في الخارج. ومنذ بداية الحرب، نمت أصول التقاعد بمقدار 138 مليار شيكل، منها 86 مليار شيكل تم توجيهها إلى الخارج.
ويعكس تحويل المؤسسات الأموال إلى الخارج القلق المتصاعد من أضرار الحرب الواسعة على الاقتصاد، إذ أظهرت بيانات صادرة في وقت سابق من سبتمبر/أيلول الجاري، أن الأفراد والأسر أيضاً في إسرائيل يكثفون تحويلاتهم إلى الخارج تحت شعار "الشيكل الأبيض لليوم الأسود"، ما يرسم صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في دولة الاحتلال. فقد أشارت البيانات الصادرة عن شركة Trading Economics المتخصصة في الاستشارات المالية الدولية إلى أنه في عام 2023، حُوِّل ما يقرب من 5.6 مليارات دولار من إسرائيل، بصعود يصل إلى سبعة أضعاف التحويلات التي جرت في الأشهر الستة السابقة للحرب.
اتجاه الأموال انعكس منذ إبريل 2024
ومن خلال فحص البيانات الخاصة بأموال المؤسسات الادخارية، يتضح أنها في الأشهر الأولى من الحرب، اختارت زيادة الاستثمار في إسرائيل بناء على الرأي القائل بأن سوق الأسهم والسندات الإسرائيلي يمثل فرصة استثمارية على المدى الطويل، كما كان هذا الاستثمار جزءاً من التضامن مع السوق من قبل مديري الاستثمار الإسرائيليين، الذين أرادوا التعبير عن ثقتهم بالسوق المحلية التي يعملون فيها. وبناء على ذلك، في الفترة من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي إلى فبراير/شباط 2024، أعادت المؤسسات 24 مليار شيكل (6.4 مليار دولار) إلى إسرائيل.
إلا أن الاتجاه انعكس تماماً حيث زادت وتيرة خروج رؤوس الأموال منذ إبريل/نيسان الماضي تحديداً. على سبيل المثال قامت شركة Phoenix Villain Lapidos، التي تدير 76 مليار شيكل من أموال الادخار و70 مليار شيكل من أموال التقاعد، بزيادة إرسالها للخارج بنسبة 1% كل شهر منذ مايو/أيار الماضي. تظهر بيانات المؤسسات المالية أن زيادة تخارج رؤوس الأموال انقسمت إلى قسمين، فبعض المؤسسات عملت بنشاط على تقليل الاستثمار في إسرائيل، ومقابل كل استثمار أغلقته هناك، فتحت استثماراً جديداً في صناديق الادخار وصناديق التقاعد في الخارج.
إسرائيل في وضع أسوأ
قال يوفال بير إيفان، مدير استثمار في شركة مجدال للتأمين، إن أموال المؤسسات تذهب إلى الخارج في الأشهر الأخيرة "وهذه عملية مختلفة تماماً عما قبل"، والسبب في ذلك هو أن الوضع السياسي يبدو قاتماً، ومخاوف من تصاعد الوضع في الشمال، كما أن "صفقة المحتجزين (الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية) تبتعد أكثر فأكثر وتشير إلى أن القتال سيستمر وهذا له عواقب كثيرة".
وأشار إلى مدى صعوبة الوضع في ظل خروج الاستثمارات، موضحاً أن "الحكومة تحتاج إلى تمويل القتال، في وقت تجد فيه صعوبة في جمع الأموال من الخارج (الاقتراض) بأسعار فائدة جيدة، كما أن العبء على المؤسسات المحلية كبير، وهناك حد لمدى قدرتها على تحمله، وفي الآونة الأخيرة، بدأت البيانات الاقتصادية أيضاً في التعثر وبدأ التضخم يزداد".
وأضاف بير إيفان أن "زيادة المؤسسات الاستثمار في السوق المحلية في بداية العام كان على أساس افتراض أن القتال سيكون محدوداً، مثل الحروب الأخرى التي نعرفها، وبدا أن الأمور يمكن إغلاقها بسرعة كبيرة، لكن بعد مرور عام تقريباً، لدينا ست جبهات نشطة، بجانب التوترات السياسية الداخلية، دخلنا الحرب في نهاية العام الماضي باقتصاد قوي، ولكن بعد عام نحن بالفعل في وضع أسوأ، فالأمور أكثر تعقيداً مما كنا نعتقد".
وقال إن "الاستثمارات المؤسسية من بين الأكثر تأثيراً على الزخم في السوق الإسرائيلية، فإذا شعرت المؤسسات أن السوق المحلي فرصة، وضخت الأموال فيه، فسيتم خلق زخم إيجابي، والعكس صحيح، فعندما تعتقد المؤسسات أن الاقتصاد المحلي يضعف، وأن سوق رأس المال الإسرائيلي قد يسجل عوائد غير كافية فإن خروج الأموال من إسرائيل سيؤدي إلى زخم سلبي... ليس من الواضح ما هو الحدث الذي وقع بالضبط في شهري إبريل/نيسان ومايو/أيار الماضيين والذي تسبب في تغيير المؤسسات اتجاهها نحو الخارج".
وأضاف: "ربما كان السبب هو القلق الأمني، لأنه في منتصف إبريل/نيسان، نفذت إيران هجوماً صاروخياً على إسرائيل لأول مرة في تاريخها، وربما كان السبب هو القلق الاقتصادي، عندما خفضت شركة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني لإسرائيل من AA إلى +A وتركت التوقعات سلبية في نفس الشهر، بالإضافة إلى ذلك، استمر التضخم في الارتفاع في إبريل/نيسان وخفض التوقعات بخفض أسعار الفائدة".
وفي شهري إبريل/ نيسان ومايو/أيار، اتضح أيضاً حجم العجز الذي تعاني منه إسرائيل، عندما بدأ يرتفع إلى 7% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي، وفق مدير الاستثمار في شركة مجدال للتأمين. واستمر العجز في الاتساع مسجلاً 7.6% في يونيو/حزيران، و8.1% في يوليو/تموز ثم إلى 8.3% في أغسطس/آب، وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة المالية.
ويعكس سوق الأسهم في تل أبيب أيضاً مدى نفور المستثمرين من السوق، إذ تفترض المؤسسات أن ضعف الاقتصاد الإسرائيلي سيستمر على المدى الطويل، لذا توقفوا عن شراء الأسهم الإسرائيلية في الربع الثاني، مقارنة بالمشتريات التي قاموا بها في الربع الأول، وفق تقرير "كالكاليست".
سياسة قبيحة وسط الحرب
وامتدت حالة السخط من التوترات السياسية الداخلية وسط الحرب إلى منتدى الأعمال، الذي يضم رؤساء نحو 200 شركة ومؤسسة اقتصادية ومالية كبرى توظف معظم العاملين في القطاع الخاص في إسرائيل، حيث انتقد المنتدى سياسة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفق صحيفة معاريف، أمس، وحذره من تداعيات ما تطرقت إليه تقارير إعلامية إسرائيلية، يوم الاثنين الماضي، بشأن اعتزامه إقالة وزير الأمن يوآف غالانت، واستبداله بجدعون ساعر.
وعلى الرغم من نفي مكتب نتنياهو ما جاء في وسائل الإعلام الإسرائيلية، قال المنتدى في بيان له: "توقف عن العبث بالسياسة التافهة والقبيحة وسط هذه الحرب... أوقفوا فوراً عملية استبدال وزير الدفاع".
وجاء في بيان المنتدى أن "إقالة الوزير تضعف إسرائيل في نظر أعدائها، وستزيد من تعميق الانقسام لدى شعب إسرائيل". وأضاف المنتدى أن "رئيس الوزراء يعلم أكثر من أي شخص آخر أن جميع المؤشرات الاقتصادية تثبت أيضاً أن إسرائيل تتدهور نحو الهاوية الاقتصادية وتغرق في ركود عميق... وآخر ما تحتاجه إسرائيل في هذا الوقت هو إقالة وزير دفاع، هذا سيهز البلاد".