نظم معهد الثقافات الإسلامية في باريس بالحي الشعبي "بارباس"، معرضاً يجمع أعمال ثلاثة عشر فناناً عربياً وأوروبياً. وتتقاطع أعمال هؤلاء الفنانين مع الدلالات الرمزية والثقافية، وكذلك الروحية، التي يوحي بها طبق "الكسكسي" المغربي.
وهذا الطبق الشعبي أصبح في لائحة أطعمة أرقى المطاعم العالمية وفاز بالمركز الأول للوجبة المحببة لدى الفرنسيين.
والمعرض الذي أطلق عليه اسم "الحبوب المقدسة" ويستمر حتى الخامس عشر من شهر يناير/كانون الثاني المقبل، يضم عروضاً لإبداعات فنية من لوحات ومنحوتات وصور فوتوغرافية وتركيبات فنية تتَّسِقُ مع طقوس إعداد طبق الكسكسي التقليدي.
كذلك تَلفت هذه الأعمال الفنية النظر إلى العمق الروحي والاجتماعي والثقافي وحتى السياسي لهذا الفن المطبخي الذي يستمد أصوله من طبق أمازيغي قديم وغنيّ قدم وغنى مجتمعات شمال أفريقيا.
وبات الكسكسي اليوم وجبةً أساسية تُحضر كل يوم جمعة ويجتمع حولها أفراد العائلة والأقارب، كما يعد وجبة أساسية يُتبارك بها في الولائم والأفراح والأعياد الدينية، كما هو الحال في تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا.
تتنوع الإبداعات الفنية والمنحوتات التي تدخل فيها حبات الكسكسي والتوابل والأدوات التي تستعمل في "فتله"، أي في تحضيره، من دقيق القمح كي يصير ناعماً بعد تكويره بإضافة الماء والسميد وغربلته على عدة مراحل ثم إنضاجه على البخار المتصاعد من القِدر.
وقد دشنت المعرضَ قبل أسبوعٍ الرئيسة الجديدة لمعهد ثقافات الإسلام، الفرنسية بريزة خياري، ذات الأصول الجزائرية وعضو مجلس الشيوخ الفرنسي. وحضر التدشين ممثلون عن بلدية باريس وشخصيات من المثقفين والمبدعين والصحافيين الفرنسيين.
وعلى هامش المعرض، أكدت السيدة خياري في تصريحها لـ"العربي الجديد" على مغزى إطلاق تسمية "الحبوب المقدسة" المثقلة بالإيحاء والدلالات، إذ قالت عن هذا المعرض الأول الذي يُنظم برعايتها: "أردنا التركيز على أهمية حبة الكسكسي التي تُجهّزُ من حبوب القمح المطحونة، حيث تكمن الرسالة هنا في إظهار العمق التاريخي والروحي لهذه الوجبة الشعبية التي وسمت المجتمع المغاربي بكافة أطيافه، فالكسكسي يُحضّر في الأعياد الدينية، وخصوصاً في شهر رمضان عند السحور وكذلك في ولائم الزواج والختان، مما يدل دلالة واضحة على طابعه الثقافي والمجتمعي الذي يخوله كي يصبح تقليداً مغاربياً يدل على مقدرة الجالية المسلمة على الاندماج الثقافي الفعال، ذلك أن وجبة الكسكسي المحببة لدى الفرنسيين لا تمثل ظاهرة مستوردة "إيكزوتيكية" كما يريد أن يراها بعض أصحاب الصورة النمطية، بل هي ظاهرة اجتماعية لها بعدها الروحي والثقافي وما هي في الحقيقة إلَّا إضافة من الإضافات التي يفترضها تفاعل هذه الجالية مع المجتمع الفرنسي".
من هذه الزاوية "يُعتبر طبق الكسكس طريقة في الحوار الثقافي، لا بل نوعاً من الخطاب السياسي البنّاء"، بحسب خياري، مضيفة "يطيبُ لي أن أدعو أهلَ هذا الحي الشعبي (بارباس)، حيث يُنظّم هذا المعرض، لمشاركتنا في هذه الوجبة الثقافية التي تعرب عن حرارة العلاقات الإنسانية وكرم الضيافة".