يستحيل اختزال السيرة المهنية ليحيى الفخراني، الحاضر في أنماطٍ تمثيلية مختلفة، على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، كما على خشبة المسرح. الطبيب الجرّاح يتحوّل إلى التمثيل، بُعيد حصوله على بكالوريوس الطب، عام 1971، ويُشارك في فرقة التمثيل الجامعي، ويطّلع على المسرح بفضل جورج برنارد شو. والفنان المنطلق في مهنة الأداء الاحترافي، ينتقل إلى التلفزيون والسينما، ويبدأ مساراً تصاعدياً، يبلغ به، أحياناً عديدة، ذروة التألّق التمثيلي، في شخصيات تُصبح معه أقرب إلى روح المُشاهد ونفسيته وأهوائه ومزاجه، مهما تبلغ من تعقيدٍ أو تركيبٍ أو بساطة.
الطب، بالنسبة إليه مهنة، والفن، حينها، هواية. لم يعتبر التمثيل مساراً له، فعمل في "صندوق الخدمات الطبية"، في التلفزيون المصري، مطلع سبعينيات القرن الفائت، إثر تخرّجه من "جامعة عين شمس"، عام 1971، هو المولود في مدينة المنصورة (محافظة الدقهلية)، في 7 إبريل/ نيسان 1945. يطمح إلى التخصّص العلمي بالاضطرابات النفسية والعصبية، لكن التمثيل يلتقطه سريعاً، ويأخذه إلى عالمٍ فني لن يكون بعيداً، كلّياً، عن البناء العصبي والنفسي للشخصيات، التي تُكتب وفقاً لحالات نفسية ومعنوية وجسدية وروحية، تتلاءم والبناء الدرامي للعمل الفني.
العناوين التي تحمل اسم يحيى الفخراني كثيرة. اللائحة السينمائية طويلة. الموقع السينمائي الإلكتروني المصري، "السينما.كوم"، يُحدِّد 112 دوراً تمثيلياً له. لكن شهرته الفعلية، وجماهيريته الممتدة إلى خارج مصر، تنطلق ـ بحسب آراء نقدية متفرّقة ـ من تأديته البديعة شخصية سليم البدري، في "ليالي الحلمية"، للثنائي أسامة أنور عكاشة كاتباً، وإسماعيل عبد الحافظ مخرجاً، التي يؤدّيها في 5 أجزاء (1987 ـ 1995). شخصية محتاجة إلى جهدٍ وتكثيف، لكونها انعكاساً ليس فقط لطبقة اجتماعية محدّدة، بل أساساً لحالة سياسية وثقافية واقتصادية متكاملة، ولمسار انهزاميّ يطاول الطبقة البورجوازية المنتمية إليها تلك الشخصية، ولانتقال قاسٍ ومدوٍّ من كونها سلطاناً حاكماً إلى متشرِّد منكسر، يعجز عن لجم الاندفاعة الخطرة لابنه علي (ممدوح عبد العليم)، المنقلب على حياته، بعد تحطّم أحلامه.
لكن يحيى الفخراني لن يبقى أسير تلك الشخصية، المُساهمة في صنع تاريخه الفني، لأن أدواراً تلفزيونية أخرى تُبلور حضوره الفني، في أعمال أساسية، لعلّ أبرزها "زيزينيا" (1997 ـ 1998)، و"للعدالة وجوه كثيرة" (2001)، و"سكة الهلالي" (2006)، و"شيخ العرب همام" (2010)، مثلاً. أما إطلالته التمثيلية السينمائية الأساسية، فتحدث عام 1985، مع اختيار علي عبد الخالق له في "الكيف"، الذي يجعله حِرفياً في تقديم شخصيات سينمائية، مختلفة ومتناقضة.
مباشرة بعد "الكيف" (عالم المخدرات وصراعاته والإدمان عليه والتجارة به)، ينتقل إلى "الأقزام قادمون" (1986) لشريف عرفة: الناجح في مهنته كإعلانيّ يروِّج لمشاريع تجارية واقتصادية مختلفة، يُصاب بصدمة، فيذهب إلى الإسكندرية، ويلتقي أقزاماً يعانون سطوة رجل أعمال عليهم. ثم "للحبّ قصة أخرى" (1986) لرأفت الميهي، و"إعدام ميت" (1985) لعلي عبد الخالق، و"حبّ في الزنزانة" (1983) لمحمد فاضل، و"عودة مواطن" (1986) لمحمد خان، و"خرج ولم يعد" (1984) لخان أيضاً، و"أرض الأحلام" (1993) لداود عبد السيّد، وغيرها الكثير.
أفلامٌ كهذه تجعله أحد أبرز ممثلي الثمانينيات والتسعينيات، تحديداً، إذْ إنه، في تلك الفترة، لن يكتفي ببلورة مفهومٍ للتمثيل بالنسبة إليه، المرتكز على شفافية إنسانية، لن تكترث بهوية الدور أو جنسية الشخصية، لأن التمثيل أهمّ من أن يُحاصَر بتساؤلات لا تنفعه.
تكريمه الأخير، في إطار "مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ الـ38" (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، يتمثّل بمنحه "جائزة فاتن حمامة التقديرية"، وبعرض فيلمين من اللائحة الطويلة لأفلامه السينمائية، هما "للحبّ قصة أخيرة" للميهي، و"عودة مواطن" لخان. تحمل الجائزة اسم الممثلة الراحلة، التي يلتقيها الفخراني في آخر أدوارها السينمائية، في "أرض الأحلام".
اقــرأ أيضاً
الطب، بالنسبة إليه مهنة، والفن، حينها، هواية. لم يعتبر التمثيل مساراً له، فعمل في "صندوق الخدمات الطبية"، في التلفزيون المصري، مطلع سبعينيات القرن الفائت، إثر تخرّجه من "جامعة عين شمس"، عام 1971، هو المولود في مدينة المنصورة (محافظة الدقهلية)، في 7 إبريل/ نيسان 1945. يطمح إلى التخصّص العلمي بالاضطرابات النفسية والعصبية، لكن التمثيل يلتقطه سريعاً، ويأخذه إلى عالمٍ فني لن يكون بعيداً، كلّياً، عن البناء العصبي والنفسي للشخصيات، التي تُكتب وفقاً لحالات نفسية ومعنوية وجسدية وروحية، تتلاءم والبناء الدرامي للعمل الفني.
العناوين التي تحمل اسم يحيى الفخراني كثيرة. اللائحة السينمائية طويلة. الموقع السينمائي الإلكتروني المصري، "السينما.كوم"، يُحدِّد 112 دوراً تمثيلياً له. لكن شهرته الفعلية، وجماهيريته الممتدة إلى خارج مصر، تنطلق ـ بحسب آراء نقدية متفرّقة ـ من تأديته البديعة شخصية سليم البدري، في "ليالي الحلمية"، للثنائي أسامة أنور عكاشة كاتباً، وإسماعيل عبد الحافظ مخرجاً، التي يؤدّيها في 5 أجزاء (1987 ـ 1995). شخصية محتاجة إلى جهدٍ وتكثيف، لكونها انعكاساً ليس فقط لطبقة اجتماعية محدّدة، بل أساساً لحالة سياسية وثقافية واقتصادية متكاملة، ولمسار انهزاميّ يطاول الطبقة البورجوازية المنتمية إليها تلك الشخصية، ولانتقال قاسٍ ومدوٍّ من كونها سلطاناً حاكماً إلى متشرِّد منكسر، يعجز عن لجم الاندفاعة الخطرة لابنه علي (ممدوح عبد العليم)، المنقلب على حياته، بعد تحطّم أحلامه.
لكن يحيى الفخراني لن يبقى أسير تلك الشخصية، المُساهمة في صنع تاريخه الفني، لأن أدواراً تلفزيونية أخرى تُبلور حضوره الفني، في أعمال أساسية، لعلّ أبرزها "زيزينيا" (1997 ـ 1998)، و"للعدالة وجوه كثيرة" (2001)، و"سكة الهلالي" (2006)، و"شيخ العرب همام" (2010)، مثلاً. أما إطلالته التمثيلية السينمائية الأساسية، فتحدث عام 1985، مع اختيار علي عبد الخالق له في "الكيف"، الذي يجعله حِرفياً في تقديم شخصيات سينمائية، مختلفة ومتناقضة.
مباشرة بعد "الكيف" (عالم المخدرات وصراعاته والإدمان عليه والتجارة به)، ينتقل إلى "الأقزام قادمون" (1986) لشريف عرفة: الناجح في مهنته كإعلانيّ يروِّج لمشاريع تجارية واقتصادية مختلفة، يُصاب بصدمة، فيذهب إلى الإسكندرية، ويلتقي أقزاماً يعانون سطوة رجل أعمال عليهم. ثم "للحبّ قصة أخرى" (1986) لرأفت الميهي، و"إعدام ميت" (1985) لعلي عبد الخالق، و"حبّ في الزنزانة" (1983) لمحمد فاضل، و"عودة مواطن" (1986) لمحمد خان، و"خرج ولم يعد" (1984) لخان أيضاً، و"أرض الأحلام" (1993) لداود عبد السيّد، وغيرها الكثير.
أفلامٌ كهذه تجعله أحد أبرز ممثلي الثمانينيات والتسعينيات، تحديداً، إذْ إنه، في تلك الفترة، لن يكتفي ببلورة مفهومٍ للتمثيل بالنسبة إليه، المرتكز على شفافية إنسانية، لن تكترث بهوية الدور أو جنسية الشخصية، لأن التمثيل أهمّ من أن يُحاصَر بتساؤلات لا تنفعه.
تكريمه الأخير، في إطار "مهرجان القاهرة السينمائيّ الدوليّ الـ38" (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، يتمثّل بمنحه "جائزة فاتن حمامة التقديرية"، وبعرض فيلمين من اللائحة الطويلة لأفلامه السينمائية، هما "للحبّ قصة أخيرة" للميهي، و"عودة مواطن" لخان. تحمل الجائزة اسم الممثلة الراحلة، التي يلتقيها الفخراني في آخر أدوارها السينمائية، في "أرض الأحلام".