يُشكِّل العصر الذهبي الكلاسيكي للسينما الهوليوودية، في أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته تحديداً، مساحة كبيرة يحتلها نجومٌ عاملون في صناعة الصورة والترفيه، بالاستناد إلى تقنيات المهنة، وجمال الملامح، والحضور الآسر لشخصية النجم. زازا غابور، الراحلة مساء 18 ديسمبر/ كانون الأول 2016، عن 99 عاماً، تُعتَبر إحدى الممثلات الجميلات، اللواتي تضيع سِيَرهن الفنية في متاهات حياتهنّ الخاصّة، المفتوحة أمام الجميع، وهي حياة عاطفية، تبدو أداة وحيدة لشهرتها، علماً أن زيجاتها تبلغ 9، تنتهي 7 منها بالطلاق، ويُلغى أحدها.
بين حياةٍ صاخبة بفضائح ومساراتٍ مرتبكة، وأعمالٍ يُحافظ بعضها على براعة الإبداع البصري في مواجهة البساطة الغالبة على بعضٍ آخر، تحتل زازا غابور مكانةً أساسية في التاريخ المديد لسينما أميركية، مقيمة في عصرٍ آفل منذ زمن. لكنها، في زمنها ذاك، تُعتَبر "تقدميةً" في بعض آرائها. ففي ردّها على سؤال حول حفيدتها باريس هيلتون، وتصرّفاتها التي لا توصف، لم تُطلق أحكاماً أخلاقية، مكتفيةً بالقول "إن كثيرين "يخافون" من ظهور انعكاسنا الحقيقي على الملأ".
زيجات وحالات طلاق عديدة، تختزلها زازا غابور بالقول إن "طلاق المرأة، الذي يحدث لأنها لم تعد مُغرَمة، سخيفٌ كزواجها لأنها مُغرَمة". ففي كتابٍ يُعتبر "الرواية الرسمية" لسيرتها الذاتية، بعنوان "حياة واحدة لا تكفي"، تقول غابور إنها لم تكره رجلاً، بعد انفصالها عنه، إلى درجةٍ تجعلها تُعيد له الألماس المُهدى إليها منه. وهي، في الكتاب نفسه، تؤكّد أنها مرتبطة بعلاقتين أساسيتين في حياتها، مع شون كونري وفرانك سيناترا، مشيرةً إلى رفضها إقامة أي نوع من العلاقات مع جون كينيدي وإلفيس بريسلي وجون هيوستن وهنري فوندا.
في إطار حياتها الشخصية، تقول زازا غابور إنها دخلت في علاقة مع مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك قبل زوجها الأول، الصحافي والديبلوماسي التركي برهان آصاف بَلْغي. وتُضيف، في حوارات مختلفة، أن ابنتها كونستانس فرنشيسكا هلتون (1947 ـ 2015) مولودة إثر تعرّضها لاغتصابٍ من قبل زوجها الثاني، كونراد هلتون، مؤسّس سلسلة فنادق "هلتون". هذا كلامٌ يثير جدلاً كبيراً في الأوساط الاجتماعية والفنية والإعلامية، ويطرح سؤال السلوك الجنسي لعشّاقها وأزواجها، ما يدفع كثيرين، لاحقاً، إلى وصف حياتها العاطفية بـ "المضطربة".
ذلك أن حكاياتٍ عديدة لنجومٍ هوليووديين كثيرين تطغى، غالباً، على أعمالهم الفنية. يُصبحون، معها، أكثر حضوراً في الحياة اليومية للناس، الذين يجدون فيها ما يثير لديهم من متعٍ، تصنعها النمائم. بعض هؤلاء النجوم يحترف التمثيل، ويعمل مع سينمائيين أساسيين في صناعة أفلامٍ، لا تزال لغاية الآن جزءاً من التاريخ العريق للفن السابع. بعض هؤلاء يسير على درب شهرةٍ تتحرّر، أحياناً، من وطأة الاستعراض والأضواء، لمصلحة فنٍ راقٍ. لكن الأغلب يكمن في طغيان الذاتي على المهنة، فيُصبح الذاتي "حديث الناس"، والمهنة مجرّد أداة لمتابعة أخبارٍ شخصية.
يُمكن لزازا غابور أن تكون الأشهر في مجال الحياة الشخصيّة، رغم اشتغالها بإدارة بعض أبرز سينمائيي ذاك العصر المنتهي منذ زمن: جون هيوستن، فينسنت مينيلّي، هنري فيرنويل، أورسون ويلز، وغيرهم. فهي، إذْ تُنتخب ملكة جمال بلدها الأصلي هنغاريا عام 1936، تختبر العمل الفني في هوليوود، بتحريضٍ من والدتها جولي غابور. وهي، إذْ تبدأ مساراً سينمائياً مطلع الخمسينيات الفائتة، تجد في العمل التلفزيوني مدخلاً إلى نجومية، ستُلاحقها أعواماً طويلة، قبل أن تغيب في ما يُشبه النسيان أو الاختفاء، لولا بعض التصرّفات العلنية، التي تزيد من فضائحها العامة.
والسينما، في مراحل عديدة، تختارها كـ "ضيف شرف" في أفلامٍ، تحتل مارلين مونرو وجينجر روجرز وليسلي كارون، مثلاً، المكانة الأولى فيها. فمع مونرو وروجرز، تظهر في "نحن لسن متزوّجات" (1952) لإدموند غولدينغ. ومع كارون، تؤدّي دوراً في "ليلي" (1953) لتشارلز واترز، قبل أن تُشارك في "لمسة الشرّ" (1958) لويلز، علماً أنها تؤدي دوراً أساسياً في "مولان روج" (1952) لهيوستن، في العام نفسه الذي يمنحها فيه ميرفن لو روا دوراً في فيلمه الكوميدي الموسيقي "جميلٌ النظر إليه". لكنها لن تبقى أسيرة هوليوود، في تلك الفترة، إذْ يختارها الفرنسي الأرمني هنري فيرنويل، لتُمثِّل في "عدو الشعب رقم واحد" (1953)، إلى جانب فرناندل، الذي يمزج تقنية الفيلم البوليسي بالكوميديا الموسومة بنَفَس الفرنسي فرناندل، أحد "عباقرة" الكوميديا والسخرية في السينما الفرنسية.
وفي فرنسا أيضاً، تُقدِّم زازا غابور دوراً في الاقتباس السينمائي لرواية "دم وأضواء" (1935) لجوزف بِيْري، الذي يُحقِّقه جورج روكييه عام 1954، ويمثّل فيه دانيال جيلان: مصارع ثيران يريد وضع حدٍّ لمهنته، لكنه يواجه رفضاً حادّاً من متعهّده وعشيقته.
لن تبقى زازا غابور، واسمها الحقيقي ساري غابور (مواليد بودابست، 6 فبراير/ شباط 1917)، أسيرة السينما. ذلك أن التلفزيون يمنحها مساحة تعبير أدائي أيضاً، ويظلّ المكان الوفي لها في حياتها المهنية، فتلجأ إليه في ستينيات القرن الـ 20 وسبعينياته، من دون أن تبتعد عن "برودواي" ومسارحها. أساساً، يُشكِّل التلفزيون، ببعض برامجه، بطاقة دخول لها إلى عالم الفن السابع. فبفضل برنامج تلفزيوني بعنوان "ملاذ العازب"، مطلع الخمسينيات، تحتل زازا غابور واجهة المشهد التمثيلي، قبل انتقالها إلى السينما، مع ميرفن لو روا.