تحتل الرقابة مساحةً أساسية في المشهد السينمائيّ العربي. دول عديدة، تمتلك صناعة سينمائية فاعلة وحيوية (كمصر والمغرب)، تعاني رقابةً تتنوّع أشكالها ومفاهيمها ومسالكها. ودول أخرى، تجتهد في تثبيت مكانٍ متقدّم لها في المشهد نفسه (لبنان مثلاً)، تواجه، بدورها، مأزق الرقابة، التي تلتزم قوانين موضوعة منذ 70 عاماً، من دون تحديثٍ يمزج تطوّر العصر بثقافة البلد ومزاجية اجتماعه.
والرقابة، المنضوية في إطار وظيفي تابع لأنظمة حاكمة، تخرج من إطارها الضيّق هذا، فتُصبح "ناطقاً رسميّاً" باسم حاكمين آخرين، كالمؤسّسات الدينية والطائفية/ المذهبية والاجتماعية والأمنية والسيادية، وغيرها. أي أن الوظيفة الرسمية للرقابة تُصبح غطاءً لأنماطٍ أخرى، تتواطأ السلطة السياسية معها في إدارة دفّة الحكم، لحماية مصالح مشتركة بين الجميع، أو لتحصين تبادل المصالح بين الجميع من كلّ مُصاب ممكن.
الحديث عن الرقابة متأتٍ من حدثٍ تشهده بيروت حالياً، يتمثّل بمنع أفلامٍ من العرض في مهرجان "أيام بيروت السينمائية الـ 9" (15 ـ 24 مارس/ آذار 2017). والمنع يظهر بأشكالٍ مختلفة: قرار يُعلن المنع، ويُحدّد أحياناً سببه، وإنْ بأقوالٍ عامّة؛ أو عدم منح إجازة عرض، من دون التصريح بسبب تأخير الإجازة.
وهذا غير جديد، لا في بيروت ولا في غيرها من عواصم العالم العربيّ، المعنية مباشرة بصناعة الثقافة والفنون والإبداع. لذا، يبدو كلّ تعليق نقدي صحافي يرفض المنع ـ خصوصاً عندما يتعرّض لأفلامٍ تُعرض في مهرجانٍ أو نشاطٍ ثقافي أو احتفالٍ بفنّ أو بفنان (من دون أن يعني هذا "موافقة" على المنع في ظروف أخرى) ـ عاجزاً عن الخروج من آنيّته، وغير قادر على ممارسة أي تأثير، لأن المسؤولين عن الرقابة يستمدّون "قوّتهم" من قانونٍ معمولٍ به، ومن توافق قوى سياسية واقتصادية واجتماعية حاكمة.
منع أفلامٍ من العرض في "أيام بيروت السينمائية الـ 9" ليس حالة مستقلّة بحدّ ذاتها. فالرقابة اللبنانية، التابعة لـ "المديرية العامة للأمن العام"، تخضع لمطلب "دار الفتوى" في الجمهورية اللبنانية، الخاصّ بضرورة حذف 12 دقيقة من "مولانا" للمصري مجدي أحمد علي، لإجازة عرضه التجاري، بعد صدور قرار من جهاز الرقابة نفسه، يُجيز العرض "كاملاً". والرقابة تخضع، أيضاً، لمطلب "المرجعية الروحية الدرزية" في لبنان، بإزالة لقطتين من "اسمعي" للّبناني فيليب عرقتنجي، يظهر فيهما رجل دين درزي، لإجازة عرضه التجاري.
هذا يحصل قبل أسابيع قليلة. التجارب الأسبق كثيرة العدد والحجج وأساليب المنع. لكن حالةً كهذه لن تُثني جهود أفرادٍ يسعون، عبر أساليب قانونية وثقافية، إلى تحديث قانون الرقابة، بوضع مشروعٍ جديد، يوائم بين متطلبات العصر وتطوّراته الكثيرة، وواقع لبناني مُثقل بتمزّقات في بنية اجتماعه. جهود تصطدم بتوافق المصالح المتنوّعة لسلطات الحكم اللبناني، لكنها تثابر على مسارها وسلوكها، بهدف تحقيق الإنجاز المطلوب.
اقــرأ أيضاً
الحديث عن الرقابة متأتٍ من حدثٍ تشهده بيروت حالياً، يتمثّل بمنع أفلامٍ من العرض في مهرجان "أيام بيروت السينمائية الـ 9" (15 ـ 24 مارس/ آذار 2017). والمنع يظهر بأشكالٍ مختلفة: قرار يُعلن المنع، ويُحدّد أحياناً سببه، وإنْ بأقوالٍ عامّة؛ أو عدم منح إجازة عرض، من دون التصريح بسبب تأخير الإجازة.
وهذا غير جديد، لا في بيروت ولا في غيرها من عواصم العالم العربيّ، المعنية مباشرة بصناعة الثقافة والفنون والإبداع. لذا، يبدو كلّ تعليق نقدي صحافي يرفض المنع ـ خصوصاً عندما يتعرّض لأفلامٍ تُعرض في مهرجانٍ أو نشاطٍ ثقافي أو احتفالٍ بفنّ أو بفنان (من دون أن يعني هذا "موافقة" على المنع في ظروف أخرى) ـ عاجزاً عن الخروج من آنيّته، وغير قادر على ممارسة أي تأثير، لأن المسؤولين عن الرقابة يستمدّون "قوّتهم" من قانونٍ معمولٍ به، ومن توافق قوى سياسية واقتصادية واجتماعية حاكمة.
منع أفلامٍ من العرض في "أيام بيروت السينمائية الـ 9" ليس حالة مستقلّة بحدّ ذاتها. فالرقابة اللبنانية، التابعة لـ "المديرية العامة للأمن العام"، تخضع لمطلب "دار الفتوى" في الجمهورية اللبنانية، الخاصّ بضرورة حذف 12 دقيقة من "مولانا" للمصري مجدي أحمد علي، لإجازة عرضه التجاري، بعد صدور قرار من جهاز الرقابة نفسه، يُجيز العرض "كاملاً". والرقابة تخضع، أيضاً، لمطلب "المرجعية الروحية الدرزية" في لبنان، بإزالة لقطتين من "اسمعي" للّبناني فيليب عرقتنجي، يظهر فيهما رجل دين درزي، لإجازة عرضه التجاري.
هذا يحصل قبل أسابيع قليلة. التجارب الأسبق كثيرة العدد والحجج وأساليب المنع. لكن حالةً كهذه لن تُثني جهود أفرادٍ يسعون، عبر أساليب قانونية وثقافية، إلى تحديث قانون الرقابة، بوضع مشروعٍ جديد، يوائم بين متطلبات العصر وتطوّراته الكثيرة، وواقع لبناني مُثقل بتمزّقات في بنية اجتماعه. جهود تصطدم بتوافق المصالح المتنوّعة لسلطات الحكم اللبناني، لكنها تثابر على مسارها وسلوكها، بهدف تحقيق الإنجاز المطلوب.