في ذلك المكان المؤلم والمخيف، الواقع على بعد عشر دقائق من وسط العاصمة الرواندية كيغالي؛ يرقد رفات أكثر من ربع مليون شخص من ضحايا الإبادة الجماعية ضد التوتسي. لن تفرق في الجماجم بين طفل وامراة وشيخ وشاب، وقد أصبح "متحف الإبادة الجماعية" هو مثواهم الأخير، كي لا ينسى التاريخ خطيئة مَن شارك في هذه الجريمة الكبرى، ولو بالصمت والخذلان.
في أبريل/نيسان 1994 كشفت تقارير عالمية ما يحدث من قتل جماعي ممنهج قامت به قبائل الهوتو ضد قبائل التوتسي؛ حيث اشتم سكّان الأرض رائحةَ الموت وهي تحصد الأبرياء. غير أن هذه التقارير لم تحرك للعالم الخارجي ساكناً، إذ تعامل المجتمع الدولي مع الأحداث باعتبارها عنفاً عرقياً بين قبائل همجية؛ فلم يبذل جهداً كبيراً لوقف المجازر التي حصدت ما يقرب من مليون شخص وربما أكثر، فلن يعرف أحدٌ أبداً العدد الحقيقي للضحايا، فكثيرون منهم أحرقوا وألقيت بقاياهم في مقابر جماعية، أو أخذوا لأماكن نائية حيث أقيمت عليهم حفلات التعذيب والقتل قبل أن يلقيهم الجناة في أماكن مجهولة.
في عام 2000 بدأ مجلس مدينة كيغالي في وضع أساس مبنى مبدئي تحول في النهاية إلى مركز تذكاري ومتحف، ويعد هذا المركز التذكاري واحداً من ستة مراكز رئيسية في رواندا استهدفت التذكير بالإبادة الجماعية. وقد جُلب للمتحف رفات القتلى التي جمعت من جميع أنحاء العاصمة، وكانوا في معظمهم إما مُلقون في الشوارع أو في النهر. وقد وضع كل 100 ألف شخص في مكان واحد، حتى افتتح المركز التذكاري في 2004، حيث صُفت فيه الهياكل العظمية والرفات.
كانت استجابة الناس لإنشاء المتحف غامضة، فكثيرون ظنوا أن أحداً لن يدخله، خاصة من الناجين لكيلا يتذكروا أهوال ما مروا به، وكانوا عرضة للهلاك فيه، لكن شهد الأسبوع الأول من افتتاح المتحف زيارة 1500 شخص من الناجين كل يوم. وفي خلال الأشهر الثلاثة الأولى كان مجموع الزوار يزيد عن 60 ألف شخص من مجموعة عرقية وجنسيات متنوعة، منهم أكثر من سبعة آلاف زائر من المجتمع الدولي.
يوثّق المركز الإبادة الجماعية، ولكنه يصف أيضاً تاريخ رواندا الذي سبق الحدث. ويضع مقارنات بمواقع إبادة مناظرة في ألمانيا واليابان وكمبوديا والبوسنة. وخلافاً لمعسكرات الاعتقال السابقة في أوشفيتز وبيركيناو الموضوعة أجزاء منهما في متحف يحمل نفس الاسم بألمانيا؛ فإن موقع رواندا يضم رفاتاً بشرية للضحايا، والكثير من الأدوات والأسلحة التي استخدمت بالفعل في قتل هؤلاء الأبرياء.
الطابق العلوي للمتحف يضم ثلاثة معارض دائمة، أكبرها يوثق مذابح عام 1994، مما يساعد على إعطاء كابوس رواندا سياقاً تاريخياً يتناسب وحجم الضحايا. وهناك نصب تذكاري للأطفال، مع صور بالحجم الطبيعي، مصحوبة بتفاصيل حميمة عن ألعابهم المفضلة، وكلماتهم الأخيرة والطريقة التي قتلوا بها. ويسهم مركز التعليم والحدائق التذكارية ومركز التوثيق الوطني للإبادة الجماعية، الملحقان بالمتحف؛ في الإشادة القوية بالذين لقوا حتفهم، إذ يشكلون أداة تعليمية قوية للأجيال القادمة.
استخدم التوثيق السمعي والبصري ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للتسجيل، وإثبات شهادة الناجين، وتوثيق عملية المحاكمات في المحاكم المحلية. ويختتم المتحف بأقسام تختص بعملية البحث عن العدالة عن طريق المحكمة الدولية في أروشا، وكذلك محاكم غاكاكا المحلية (المحاكم التقليدية التي يرأسها شيوخ القرى).
اقــرأ أيضاً
في أبريل/نيسان 1994 كشفت تقارير عالمية ما يحدث من قتل جماعي ممنهج قامت به قبائل الهوتو ضد قبائل التوتسي؛ حيث اشتم سكّان الأرض رائحةَ الموت وهي تحصد الأبرياء. غير أن هذه التقارير لم تحرك للعالم الخارجي ساكناً، إذ تعامل المجتمع الدولي مع الأحداث باعتبارها عنفاً عرقياً بين قبائل همجية؛ فلم يبذل جهداً كبيراً لوقف المجازر التي حصدت ما يقرب من مليون شخص وربما أكثر، فلن يعرف أحدٌ أبداً العدد الحقيقي للضحايا، فكثيرون منهم أحرقوا وألقيت بقاياهم في مقابر جماعية، أو أخذوا لأماكن نائية حيث أقيمت عليهم حفلات التعذيب والقتل قبل أن يلقيهم الجناة في أماكن مجهولة.
في عام 2000 بدأ مجلس مدينة كيغالي في وضع أساس مبنى مبدئي تحول في النهاية إلى مركز تذكاري ومتحف، ويعد هذا المركز التذكاري واحداً من ستة مراكز رئيسية في رواندا استهدفت التذكير بالإبادة الجماعية. وقد جُلب للمتحف رفات القتلى التي جمعت من جميع أنحاء العاصمة، وكانوا في معظمهم إما مُلقون في الشوارع أو في النهر. وقد وضع كل 100 ألف شخص في مكان واحد، حتى افتتح المركز التذكاري في 2004، حيث صُفت فيه الهياكل العظمية والرفات.
كانت استجابة الناس لإنشاء المتحف غامضة، فكثيرون ظنوا أن أحداً لن يدخله، خاصة من الناجين لكيلا يتذكروا أهوال ما مروا به، وكانوا عرضة للهلاك فيه، لكن شهد الأسبوع الأول من افتتاح المتحف زيارة 1500 شخص من الناجين كل يوم. وفي خلال الأشهر الثلاثة الأولى كان مجموع الزوار يزيد عن 60 ألف شخص من مجموعة عرقية وجنسيات متنوعة، منهم أكثر من سبعة آلاف زائر من المجتمع الدولي.
يوثّق المركز الإبادة الجماعية، ولكنه يصف أيضاً تاريخ رواندا الذي سبق الحدث. ويضع مقارنات بمواقع إبادة مناظرة في ألمانيا واليابان وكمبوديا والبوسنة. وخلافاً لمعسكرات الاعتقال السابقة في أوشفيتز وبيركيناو الموضوعة أجزاء منهما في متحف يحمل نفس الاسم بألمانيا؛ فإن موقع رواندا يضم رفاتاً بشرية للضحايا، والكثير من الأدوات والأسلحة التي استخدمت بالفعل في قتل هؤلاء الأبرياء.
الطابق العلوي للمتحف يضم ثلاثة معارض دائمة، أكبرها يوثق مذابح عام 1994، مما يساعد على إعطاء كابوس رواندا سياقاً تاريخياً يتناسب وحجم الضحايا. وهناك نصب تذكاري للأطفال، مع صور بالحجم الطبيعي، مصحوبة بتفاصيل حميمة عن ألعابهم المفضلة، وكلماتهم الأخيرة والطريقة التي قتلوا بها. ويسهم مركز التعليم والحدائق التذكارية ومركز التوثيق الوطني للإبادة الجماعية، الملحقان بالمتحف؛ في الإشادة القوية بالذين لقوا حتفهم، إذ يشكلون أداة تعليمية قوية للأجيال القادمة.
استخدم التوثيق السمعي والبصري ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS) للتسجيل، وإثبات شهادة الناجين، وتوثيق عملية المحاكمات في المحاكم المحلية. ويختتم المتحف بأقسام تختص بعملية البحث عن العدالة عن طريق المحكمة الدولية في أروشا، وكذلك محاكم غاكاكا المحلية (المحاكم التقليدية التي يرأسها شيوخ القرى).