يحرّض فيلم "ذا بوست" (2017) لستيفن سبيلبيرغ، الذي يُعرض حالياً في لبنان ودول أوروبية وأميركية عديدة على استعادة مسار سينمائي يجمع صناعة الفن السابع الأميركي بالصحافة والإعلام الأميركيين.
والجمع بين عالمي السينما والصحافة ـ الإعلام يعود إلى سنين مديدة، لأن هوليوود مهتمّة بهذه المهنة، اهتمامها بجوانب مختلفة من الحياة اليومية، العامة والخاصّة. كما أنها تجد في الصحافة والإعلام "مادة درامية مثيرة للانتباه والمتابعة، لصناعة جاذبة لمُشاهدين عديدين، ولسجالات نقدية متنوّعة، بتوغّلها في شؤون المهنة، أو بتناولها شخصيات فاعلة فيها، ومؤثّرة في الحياة العامّة والخاصّة لأناس عاديين، أو لذوي مناصب أساسية في الأنظمة المتحكّمة بأنماط عيشٍ"، كما في تعليقٍ نقدي.
في الربع الأخير من عام 2015، مثلاً، أُطلقت العروض التجارية الدولية لفيلمين ينتميان إلى ما يُمكن تسميته بـ"أفلام الصحافة والإعلام"، وهما: "سبوتلايت" لتوم ماكارثي، و"حقيقة" لجيمس فاندربيلت. لكن، قبلهما بزمنٍ بعيد، أنجز أورسون ويلز "المواطن كاين" (1941)، الذي يحتلّ ـ لغاية الآن ـ مكانة متقدّمة في "لائحة أفضل الإنتاجات السينمائية الدولية"، أعواماً طويلة. والفيلم نموذج لمقاربة سينمائية لاذعة ومتهكّمة، من دون تناسي بنيانها الفني والدرامي والجمالي والأدائي المتماسك، لأحد أقطاب الصحافة المكتوبة، ولمساراته المهنيّة والحياتية والأخلاقية، رجل الأعمال الأميركي ويليام راندولف هيرست.
بمناسبة العروض التجارية لـ"ذا بوست"، فإن كثيرين يتذكّرون "كلّ رجال الرئيس" (1976)، لآلان ج. باكولا، بسبب مشتركٍ بينهما، يتمثّل بالرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون. ففي مقابل اهتمام سبيلبيرغ بـ"أوراق البنتاغون" الخاصّة بحرب فيتنام، يغوص باكولا في "فضيحة ووترغايت"، التي تسبّب بها الصحافيان كارل برنشتاين وبوب وودوورد، العاملان في "واشنطن بوست" ـ وهي الصحيفة نفسها المرتبطة بـ"أوراق البنتاغون" أيضاً، عبر شخصيتي مديرة الصحيفة كاترين غراهام (ميريل ستريب) ورئيس تحريرها بنجامن برادلي (توم هانكس) ـ والساعيان إلى كشف عملية تجسّس، قام بها رجال نيكسون ضد "الحزب الديمقراطي"، في أحد معاقله (مبنى "ووترغايت").
لم يكتفِ روبرت ريدفورد، في سيرته المهنيّة، بتأدية دور الصحافي بوب وودوورد، لأنه سيُشارك لاحقاً في فيلمين اثنين، يرتبطان بالإعلام المرئي، لكنهما يختلفان، أحدهما عن الآخر، على مستوى الموضوع والمعالجة. فالأول، "لقطة قريبة وشخصية" (1996) لجون آفنت، يدور حول علاقة مهنية وعاطفية، بين مراسل إعلامي ومذيعة جديدة (ميشيل بفايفر)، يُشرف على تدريباتها الأولى، تحديداً، ويدعمها ويدافع عنها في بدايات عملها، ثم يُغرم بها، قبل أن يُقتل أثناء تأديته إحدى مهمّاته الإعلامية في منطقة نزاع حربيّ.
أما الثاني، "حقيقة" لفاندربيلت، فيروي حكاية دان آرثر، المذيع الأول لبرنامج "60 دقيقة"، الذي تُنتجه الشبكة التلفزيونية الأميركية "سي. بي. آس. نيوز". والفيلم يتناول مُشاركة آرثر فريق عمل، بقيادة المنتجة ماري مابس (كايت بلانشيت)، في كشف فضيحة تهرّب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، المرشّح حينها لدورة رئاسية ثانية، من الخدمة العسكرية، في مطلع شبابه، بفضل "علاقات قوية" ناشئة بين عائلته ومسؤولين كبار (بينهم قادة عسكريون) في ولاية تكساس، معقل النفوذ الاقتصادي والمالي والسياسي لعائلة بوش.
برنامج "60 دقيقة" نفسه سيكون نواة أساسية لـ The Insider (1999) لمايكل مان، بينما تظهر شبكة "سي. بي. آس." أيضاً في "عمتم مساء، وحظّاً سعيداً" (2005) لجورج كلوني (مخرجاً وممثلاً). كلّ فيلم منهما يختار موضوعاً واحداً، يعكس جانباً من المواجهات الحادّة بين الإعلام المرئي والسلطات الأميركية، إنْ تتمثّل السلطة بسطوة شركات تجارية ضخمة (الأول)، أو بنفوذ سياسي (الثاني). والموضوعان مستلاّن من وقائع حقيقية.
فالأول ينقل، سينمائياً، حكاية الإعلامي لويل برغمان (آل باتشينو)، أحد صانعي البرنامج، وجيفري ويغاند (راسل كرو)، نائب رئيس "قسم الأبحاث والتطوير"، في "شركة براون وويليامسن للتدخين".
والثاني، المستند إلى تقنية الأسود والأبيض في التصوير السينمائي، يعود إلى "الحقبة الماكارثية" في خمسينيات القرن الـ20، مُقدِّماً ما يُمكن اعتباره "حملة إعلامية مُضادة"، يقوم بها الثنائي إدوارد مورّو (ديفيد ستراثرن) وفْرد فرندلي (كلوني)، اللذين يعملان في برنامج "شاهِدْه الآن"، الذي يُبثّ على شاشة الشبكة نفسها.
في النصف الأول من تسعينيات القرن الـ20، يكشف ويغاند "حجم الأضرار الصحية للتدخين"، ويفضح "أكاذيب الشركة واحتيالها على القانون الأميركي في صناعة التبغ"، بمساعدة برغمان. لكن المخرج مايكل مان غير متوقّف عند مسألتي الكشف والفضح، بقدر ما يتوغّل في مصاعب المهنة، وخضوعها ـ أحياناً ـ لسلطة شركات أقوى ومصالح أهمّ، وللتحدّيات الجمّة التي يواجهها الإعلامي في مهنته.
ومع اشتداد "الحملة الماكارثية" ضد اليسار والشيوعيين في الولايات المتحدّة الأميركية، يبدأ الثنائي إدوارد مورّو، مُقدِّم برنامج "شاهِدْه الآن"، وفْرد فرندلي، منتجه، بتحقيق سلسلة حلقات حول "مطاردة الساحرات". وكما في فيلم مايكل مان، فإن العاملين في الشبكة التلفزيونية (سي. بي. آس.) يجدون أنفسهم في صراعٍ مع الإدارة العامة، بسبب مصالحها وسياساتها المهنية والمالية، ما يدفع كلوني إلى إيلاء هذا الجانب أولوية نقدية وسجالية، تترافق ووقائع المواجهة الإعلامية للحملة.
اقــرأ أيضاً
في الربع الأخير من عام 2015، مثلاً، أُطلقت العروض التجارية الدولية لفيلمين ينتميان إلى ما يُمكن تسميته بـ"أفلام الصحافة والإعلام"، وهما: "سبوتلايت" لتوم ماكارثي، و"حقيقة" لجيمس فاندربيلت. لكن، قبلهما بزمنٍ بعيد، أنجز أورسون ويلز "المواطن كاين" (1941)، الذي يحتلّ ـ لغاية الآن ـ مكانة متقدّمة في "لائحة أفضل الإنتاجات السينمائية الدولية"، أعواماً طويلة. والفيلم نموذج لمقاربة سينمائية لاذعة ومتهكّمة، من دون تناسي بنيانها الفني والدرامي والجمالي والأدائي المتماسك، لأحد أقطاب الصحافة المكتوبة، ولمساراته المهنيّة والحياتية والأخلاقية، رجل الأعمال الأميركي ويليام راندولف هيرست.
بمناسبة العروض التجارية لـ"ذا بوست"، فإن كثيرين يتذكّرون "كلّ رجال الرئيس" (1976)، لآلان ج. باكولا، بسبب مشتركٍ بينهما، يتمثّل بالرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون. ففي مقابل اهتمام سبيلبيرغ بـ"أوراق البنتاغون" الخاصّة بحرب فيتنام، يغوص باكولا في "فضيحة ووترغايت"، التي تسبّب بها الصحافيان كارل برنشتاين وبوب وودوورد، العاملان في "واشنطن بوست" ـ وهي الصحيفة نفسها المرتبطة بـ"أوراق البنتاغون" أيضاً، عبر شخصيتي مديرة الصحيفة كاترين غراهام (ميريل ستريب) ورئيس تحريرها بنجامن برادلي (توم هانكس) ـ والساعيان إلى كشف عملية تجسّس، قام بها رجال نيكسون ضد "الحزب الديمقراطي"، في أحد معاقله (مبنى "ووترغايت").
لم يكتفِ روبرت ريدفورد، في سيرته المهنيّة، بتأدية دور الصحافي بوب وودوورد، لأنه سيُشارك لاحقاً في فيلمين اثنين، يرتبطان بالإعلام المرئي، لكنهما يختلفان، أحدهما عن الآخر، على مستوى الموضوع والمعالجة. فالأول، "لقطة قريبة وشخصية" (1996) لجون آفنت، يدور حول علاقة مهنية وعاطفية، بين مراسل إعلامي ومذيعة جديدة (ميشيل بفايفر)، يُشرف على تدريباتها الأولى، تحديداً، ويدعمها ويدافع عنها في بدايات عملها، ثم يُغرم بها، قبل أن يُقتل أثناء تأديته إحدى مهمّاته الإعلامية في منطقة نزاع حربيّ.
أما الثاني، "حقيقة" لفاندربيلت، فيروي حكاية دان آرثر، المذيع الأول لبرنامج "60 دقيقة"، الذي تُنتجه الشبكة التلفزيونية الأميركية "سي. بي. آس. نيوز". والفيلم يتناول مُشاركة آرثر فريق عمل، بقيادة المنتجة ماري مابس (كايت بلانشيت)، في كشف فضيحة تهرّب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش، المرشّح حينها لدورة رئاسية ثانية، من الخدمة العسكرية، في مطلع شبابه، بفضل "علاقات قوية" ناشئة بين عائلته ومسؤولين كبار (بينهم قادة عسكريون) في ولاية تكساس، معقل النفوذ الاقتصادي والمالي والسياسي لعائلة بوش.
برنامج "60 دقيقة" نفسه سيكون نواة أساسية لـ The Insider (1999) لمايكل مان، بينما تظهر شبكة "سي. بي. آس." أيضاً في "عمتم مساء، وحظّاً سعيداً" (2005) لجورج كلوني (مخرجاً وممثلاً). كلّ فيلم منهما يختار موضوعاً واحداً، يعكس جانباً من المواجهات الحادّة بين الإعلام المرئي والسلطات الأميركية، إنْ تتمثّل السلطة بسطوة شركات تجارية ضخمة (الأول)، أو بنفوذ سياسي (الثاني). والموضوعان مستلاّن من وقائع حقيقية.
فالأول ينقل، سينمائياً، حكاية الإعلامي لويل برغمان (آل باتشينو)، أحد صانعي البرنامج، وجيفري ويغاند (راسل كرو)، نائب رئيس "قسم الأبحاث والتطوير"، في "شركة براون وويليامسن للتدخين".
والثاني، المستند إلى تقنية الأسود والأبيض في التصوير السينمائي، يعود إلى "الحقبة الماكارثية" في خمسينيات القرن الـ20، مُقدِّماً ما يُمكن اعتباره "حملة إعلامية مُضادة"، يقوم بها الثنائي إدوارد مورّو (ديفيد ستراثرن) وفْرد فرندلي (كلوني)، اللذين يعملان في برنامج "شاهِدْه الآن"، الذي يُبثّ على شاشة الشبكة نفسها.
في النصف الأول من تسعينيات القرن الـ20، يكشف ويغاند "حجم الأضرار الصحية للتدخين"، ويفضح "أكاذيب الشركة واحتيالها على القانون الأميركي في صناعة التبغ"، بمساعدة برغمان. لكن المخرج مايكل مان غير متوقّف عند مسألتي الكشف والفضح، بقدر ما يتوغّل في مصاعب المهنة، وخضوعها ـ أحياناً ـ لسلطة شركات أقوى ومصالح أهمّ، وللتحدّيات الجمّة التي يواجهها الإعلامي في مهنته.
ومع اشتداد "الحملة الماكارثية" ضد اليسار والشيوعيين في الولايات المتحدّة الأميركية، يبدأ الثنائي إدوارد مورّو، مُقدِّم برنامج "شاهِدْه الآن"، وفْرد فرندلي، منتجه، بتحقيق سلسلة حلقات حول "مطاردة الساحرات". وكما في فيلم مايكل مان، فإن العاملين في الشبكة التلفزيونية (سي. بي. آس.) يجدون أنفسهم في صراعٍ مع الإدارة العامة، بسبب مصالحها وسياساتها المهنية والمالية، ما يدفع كلوني إلى إيلاء هذا الجانب أولوية نقدية وسجالية، تترافق ووقائع المواجهة الإعلامية للحملة.