منذ عقود عديدة، كان الفرق بين المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية واضحًا وملحوظًا في التفاصيل كلّها، بدءًا من شكل الصورة الناتج عن نوعية الكاميرات المستخدمة. فكاميرا السينما تصوّر بخام (35 ملم. غالبًا)، بينما المسلسلات تستخدم كاميرات أخرى مخصّصة للتلفزيون. هناك فرق آخر أيضًا متمثِّل بنوعية المواضيع وشكل الرقابة: الأفلام أكثر حرية في مواضيعها وأجرأ في تناولها من التلفزيون، الذي تغلب عليه نزعة مُحافظة؛ بالإضافة إلى الميزانية وأماكن التصوير وطبيعة المؤثّرات الخاصة، وحتى الممثلين والفنيين. هناك حدود لنجاح أي مسلسل، بينما النجاح والطموح السينمائيين بلا حدود. طبعًا، لم يكن أي مخرج له اسم في التلفزيون، فهو مجرّد منفِّذ، والقيمة الحقيقية للكتّاب الذين يشرفون على العمل من بدايته إلى نهايته. ومن دون ريب، كانت المسلسلات أقل منزلة بدرجة كبيرة من الأفلام.
ببطء، تغيّر الوضع في العالم الذي نعيشه اليوم: ازدادت شعبية المسلسلات في الأعوام الـ10 الأخيرة، ما يعني أن نسبة مشاهدتها وإيراداتها العالمية ارتفعت، فأصبح محتملاً مشاهدة ملحمة مُكلفة ماليًا، كـ"لعبة العروش" (Game Of Thrones) مثلاً على شاشة التلفزيون وليس في صالة سينما، وفيها معارك كثيرة ومجاميع كبيرة ومؤثّرات ومشاهد صعبة، وتصل كلفة الحلقة الواحدة منها إلى 10 ملايين دولار أميركي. أو يصنع عملاً كـBreaking Bad، مؤلَّف من 62 حلقة مصنوعة بطموح سينمائي في كل لحظة، بدءًا من قرار تصويره بشريط خام 35 ملم. (كأنه تأكيد على انعدام الفرق بينه وبين الفيلم) وانتهاء بشكل كتابته وتنفيذه، إلى درجة قول ناقدٍ عنه إنّه "أطول فيلم شاهدته في حياته".
الفجوة بين التلفزيون والسينما انكمشت أكثر مع بداية عصر "نتفليكس" والمشاهدة على شبكات "إنترنت" عمومًا. تلك الشبكات تريد إنتاج محتواها الخاص، الذي لا يمكن مشاهدته إلا باشتراك شهري، وبالتالي تغير شكل التسويق والعائدات، ولم تعد الإعلانات التلفزيونية بين الفواصل، ولا قيمة تذكرة السينما أساسية أو مهمّة، بل اشتراك المُستخدم، الذي تقدَّم له أعمال متنوعة وحصرية فيختار هذه الشبكة من دون غيرها.
اقــرأ أيضاً
تلك اللحظة مفصلية جدًا، فهي أدّت إلى إنتاج أفلام، يُنجز بعضها مخرجون كبار، لا تعرض في صالات السينما، إذْ تُبثّ مباشرة على شبكات "إنترنت". وبلغ الأمر ذروته مؤخّرًا في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، التي عرضت 3 أفلام في المسابقة الرسمية من إنتاج "نتفليكس" لن تصدر سينمائياً، بينها الفيلم الفائز بأفضل سيناريو The Ballad of Buster Scruggs للأخوين إيثان وجويل كُوِنْ، الذي عرضته المنصّة الأميركية تلك في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018؛ و"روما" لألفونسو كوارن، الفائز بـ"الأسد الذهبي"، الذي يُبثّ في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
من ناحية أخرى، نجحت المسلسلات في استقطاب عدد من مخرجي السينما لتقديم أعمالهم بحرية كاملة. أبرز مثل على ذلك هو ديفيد فينشر، الذي عانى ـ في الأعوام الأخيرة ـ مع استديوهات هوليوود في مسألة دعم أفلامه، ولم يستطع إخراج أي فيلم جديد منذ Gone Girl، الذي أنجزه عام 2014. في الوقت نفسه، أعطته "نتفليكس"، عام 2017، ميزانية ضخمة لتنفيذ مسلسل Mindhunter، عن نشأة أحد أقسام "المكتب الفيدرالي للتحقيقات (أف. بي. آي.)".
الأسماء الكبيرة آتية من السينما: مارتن سكورسيزي يفكّر في إنجاز مسلسل قصير مع "نتفليكس"، والأخوان كُوِن باتا في مرحلة متقدّمة من المفاوضات المتعلّقة بتحويل فيلمهما الأخير إلى مسلسل.
تقنيًا، أو بخصوص "سينمائية المسلسلات" (إنْ صحّ التعبير)، انعدم الفرق فعليًا بين هذين النوعين الفنيين. اللافت للانتباه أن مسلسل The Haunting Of Hill House، الذي بُثّ مؤخّرًا محقّقًا نجاحًا كبيرًا، تُفتتح حلقته الـ6 بلقطة واحدة طويلة (14 دقيقة و55 ثانية) معقّدة جدًا على الشاشة، قبل استمرارها بالنهج نفسه، إذْ توجد 3 مشاهد طويلة متتالية.
هذا الطموح والتنفيذ المعقّد كان محصورًا بالسينما حتى وقت قريب. لكن المخرج مايك فلانغن، مخرج الحلقات الـ10، تأكيدٌ آخر على تغيّر القواعد، وعلى أنّ المخرج، لا الكاتب، بات مالك المسلسل. وهو يفسّر الأمر بقوله إنّه صنع المسلسل "كأنه فيلمٌ في 8 ساعات".
ومع هذه التغيّرات كلّها، يُطرح سؤالان: ما هي الفوارق الحقيقية بين فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني؟ وإلى متى ستصمد تلك الفوارق حتى تذوب هي الأخرى؟
ببطء، تغيّر الوضع في العالم الذي نعيشه اليوم: ازدادت شعبية المسلسلات في الأعوام الـ10 الأخيرة، ما يعني أن نسبة مشاهدتها وإيراداتها العالمية ارتفعت، فأصبح محتملاً مشاهدة ملحمة مُكلفة ماليًا، كـ"لعبة العروش" (Game Of Thrones) مثلاً على شاشة التلفزيون وليس في صالة سينما، وفيها معارك كثيرة ومجاميع كبيرة ومؤثّرات ومشاهد صعبة، وتصل كلفة الحلقة الواحدة منها إلى 10 ملايين دولار أميركي. أو يصنع عملاً كـBreaking Bad، مؤلَّف من 62 حلقة مصنوعة بطموح سينمائي في كل لحظة، بدءًا من قرار تصويره بشريط خام 35 ملم. (كأنه تأكيد على انعدام الفرق بينه وبين الفيلم) وانتهاء بشكل كتابته وتنفيذه، إلى درجة قول ناقدٍ عنه إنّه "أطول فيلم شاهدته في حياته".
الفجوة بين التلفزيون والسينما انكمشت أكثر مع بداية عصر "نتفليكس" والمشاهدة على شبكات "إنترنت" عمومًا. تلك الشبكات تريد إنتاج محتواها الخاص، الذي لا يمكن مشاهدته إلا باشتراك شهري، وبالتالي تغير شكل التسويق والعائدات، ولم تعد الإعلانات التلفزيونية بين الفواصل، ولا قيمة تذكرة السينما أساسية أو مهمّة، بل اشتراك المُستخدم، الذي تقدَّم له أعمال متنوعة وحصرية فيختار هذه الشبكة من دون غيرها.
تلك اللحظة مفصلية جدًا، فهي أدّت إلى إنتاج أفلام، يُنجز بعضها مخرجون كبار، لا تعرض في صالات السينما، إذْ تُبثّ مباشرة على شبكات "إنترنت". وبلغ الأمر ذروته مؤخّرًا في الدورة الـ75 (29 أغسطس/ آب ـ 8 سبتمبر/ أيلول 2018) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، التي عرضت 3 أفلام في المسابقة الرسمية من إنتاج "نتفليكس" لن تصدر سينمائياً، بينها الفيلم الفائز بأفضل سيناريو The Ballad of Buster Scruggs للأخوين إيثان وجويل كُوِنْ، الذي عرضته المنصّة الأميركية تلك في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018؛ و"روما" لألفونسو كوارن، الفائز بـ"الأسد الذهبي"، الذي يُبثّ في ديسمبر/ كانون الأول المقبل.
من ناحية أخرى، نجحت المسلسلات في استقطاب عدد من مخرجي السينما لتقديم أعمالهم بحرية كاملة. أبرز مثل على ذلك هو ديفيد فينشر، الذي عانى ـ في الأعوام الأخيرة ـ مع استديوهات هوليوود في مسألة دعم أفلامه، ولم يستطع إخراج أي فيلم جديد منذ Gone Girl، الذي أنجزه عام 2014. في الوقت نفسه، أعطته "نتفليكس"، عام 2017، ميزانية ضخمة لتنفيذ مسلسل Mindhunter، عن نشأة أحد أقسام "المكتب الفيدرالي للتحقيقات (أف. بي. آي.)".
الأسماء الكبيرة آتية من السينما: مارتن سكورسيزي يفكّر في إنجاز مسلسل قصير مع "نتفليكس"، والأخوان كُوِن باتا في مرحلة متقدّمة من المفاوضات المتعلّقة بتحويل فيلمهما الأخير إلى مسلسل.
تقنيًا، أو بخصوص "سينمائية المسلسلات" (إنْ صحّ التعبير)، انعدم الفرق فعليًا بين هذين النوعين الفنيين. اللافت للانتباه أن مسلسل The Haunting Of Hill House، الذي بُثّ مؤخّرًا محقّقًا نجاحًا كبيرًا، تُفتتح حلقته الـ6 بلقطة واحدة طويلة (14 دقيقة و55 ثانية) معقّدة جدًا على الشاشة، قبل استمرارها بالنهج نفسه، إذْ توجد 3 مشاهد طويلة متتالية.
هذا الطموح والتنفيذ المعقّد كان محصورًا بالسينما حتى وقت قريب. لكن المخرج مايك فلانغن، مخرج الحلقات الـ10، تأكيدٌ آخر على تغيّر القواعد، وعلى أنّ المخرج، لا الكاتب، بات مالك المسلسل. وهو يفسّر الأمر بقوله إنّه صنع المسلسل "كأنه فيلمٌ في 8 ساعات".
ومع هذه التغيّرات كلّها، يُطرح سؤالان: ما هي الفوارق الحقيقية بين فيلم سينمائي ومسلسل تلفزيوني؟ وإلى متى ستصمد تلك الفوارق حتى تذوب هي الأخرى؟