وأكد مؤلف الدراسة، ديفيد إس فينك، باحث ما بعد الدكتوراه، في علم الأوبئة، في مدرسة ميلمان للصحة العامة، بجامعة كولومبيا، أن دراسته هي الأولى من نوعها التي توثق عواقب انتحار المشاهير في هذا العصر الرقمي، حيث بدأها بعد العثور على روبن ويليامز منتحرًا في مدينة تيبورن بكاليفورنيا، في 11 آب/ أغسطس عام 2014، وفقًا لموقع "سي إن إن".
وعمل فينك مع زملائه على توقع عدد حالات الانتحار بين شهري آب، وكانون الأول/ ديسمبر من عام 2014، من خلال تحليل معدلات الانتحار الشهرية، استنادًا إلى مجموعة من البيانات التي وثقتها المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، بين كانون الثاني/ يناير من عام 1999، وكانون الأول من عام 2015.
وتوقع فينك بناء على ذلك، حدوث 16849 حالة انتحار في الأشهر الـ4 المعنية، إلا أنه فوجئ بالإبلاغ عن 18690 حالة خلالها، أي وصلت الزيادة إلى حوالي 1841 حالة وفاة، مقارنة بالعدد المتوقع، ولوحظ أعلى عدد من حالات الانتحار غير المتوقعة بين الرجال (1398 حالة إضافية)، وبين الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 30 و44 عامًا (577 حالة إضافية).
ووجد الباحثون أيضًا عددًا أكبر من المتوقع بنسبة 32%، في حالات الانتحار بالاختناق (ويشمل ذلك الشنق)، في الأشهر التي تلت شنق ويليامز لنفسه، مقارنة بزيادة 3% فقط في حالات الانتحار بأساليب أخرى. وأكد فينك أن التقارير الإعلامية التي وصفت انتحار الممثل بشكل دقيق، لعبت دورًا هامًا في زيادة خطر انتقال الرجال الأميركيين اليائسين، الذين وصلوا إلى منتصف العمر، من التفكير بالانتحار إلى الإقدام عليه.
وأضاف فينك: "تشرح هذه الدراسة الكثير من الأمور التي نعرفها سلفًا، حول تأثير البيئة على سلوكياتنا بشكل عام، وتفكيرنا بالانتحار بشكل خاص"، مؤكدًا أن على الباحثين فهم علاقة وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي، بالسلوك الانتحاري، بشكل أفضل، ليستطيعوا إيجاد وسائل فعالة للتخفيف من حالات الوفيات.
وسلط جون آيرز، عالم إحصائيات الأوبئة في جامعة سان دييغو، الضوء على مشكلة موجودة في الدراسة المعنية، وهي أنها تركز على قضية حدثت في عام 2014، في حين تعاني المجتمعات اليوم من حالات انتحار جديدة بشكل مستمر، وقال: "وجدت البحث مدروسًا ودقيقًا، يطرح سؤالًا مهمًا، ويوفر مجموعة منطقية من الاستنتاجات، إلا أننا نحتاج اليوم إلى توسيع نطاق الدراسة، إلى ما هو أبعد من العيش في الماضي، لنستطيع وضع خطط لمنع انتشار الأفكار التي تتعلق بالانتحار في الوقت الحاضر".
كما أكد آيرز الذي لم يشارك فينك في تنفيذ الدراسة، أن تأثير المشاهير على الناس يمتد على كافة مجالات الحياة، إلا أن الأمر يشكل قلقًا كبيرًا بالنسبة لخبراء الصحة العامة، عندما يتعلق بالانتحار، لهذا وضعت منظمة الصحة العالمية مبادئ توجيهية لوسائل الإعلام، عند الإبلاغ عن حالة انتحار شخصية مشهورة، وقال: "تستند معايير منظمة الصحة العالمية، حول طرح قضايا الانتحار على وسائل الإعلام، إلى عقود من البحث، وهي معروفة بالنسبة للجميع، إذ تحذر من ذكر طريقة الانتحار، أو توقع أسبابه، أو تقديمه على أنه حل للمشاكل".
ووجد فينك وزملاؤه من الباحثين أن العناوين الرئيسية للصحف انحرفت بشكل واضح عن المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية، في ما يتعلق بقضية انتحار ويليامز، إذ تكهن بعض الإعلاميين حول سبب الوفاة، في حين ذكر آخرون تفاصيل دقيقة عن الحادثة، وقال آيرز: "لا نعرف بالضبط نوع الرسائل الضمنية التي توجهها وسائل الإعلام، فتنتهك بها معايير الإبلاغ عن حالة انتحار"، وأضاف: "قد تكون بشكل ما مسؤولة عن زيادة التفكير بالانتحار، أو حتى الإقدام عليه".
ووثق بحث فينك أيضًا، زيادة في عدد التقارير التي تحدثت عن وفاة ويليامز، في وسائل الإعلام التقليدية، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أسابيع من وفاته، وقال آيرز حول هذا الأمر: "حقق موقع رديت نجاحًا باهرًا بتنظيم المنتديات التي تناقش الانتحار بشكل آمن، حيث يعتبر موظفوه خبراء في التوعية من الانتحار"، وأضاف: "على الرغم من أن هذا الموقع يوفر مكانًا آمنًا لمناقشة مسألة الانتحار، إلا أنه يحجب المحادثات التي تحمل رسائل ضمنية تشجع عليه".
وأشار فينك إلى أن حالة وفاة ويليامز تختلف بشكل كبير، في تأثيرها على المجتمع، عن حالة انتحار كورت كوبين، المغني الشهير في فرقة نيرفانا، عام 1994، إذ لم تؤثر وفاة الأخير بشكل ملحوظ على معدل الانتحار في مسقط رأسه سياتل، ويرجح فينك أن السبب في ذلك يعود إلى التزام وسائل الإعلام وقتها بمعايير منظمة الصحة، في عدم ذكر تفاصيل وفاته، وتقديم رسائل مدروسة تحذر من الانتحار.
وأشار آيرز إلى أن بعض الولايات في كندا تمتلك قوانين صارمة حول الحديث عن الانتحار على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تتدخل الشرطة في حال الإبلاغ عن شخص يعلن أنه يفكر بقتل نفسه على الإنترنت، وقال: "يمكن أن يساعد فهم تأثير انتحار المشاهير على الناس، في العثور عن طريق الإنترنت على أولئك المعرضين لخطر إنهاء حياتهم، والتدخل من أجل مساعدتهم".
وتعقب آيرز في دراسته الأخيرة، عمليات البحث على الإنترنت عن "الانتحار"، بعد بث شركة "نتفليكس" لمسلسل "13 Reasons Why" الذي يسلط الضوء على قصة انتحار مراهقة، من دون اتباع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية في سرد الأحداث، فدعا لإيقاف عرضه على الفور، حتى يتمكن المنتجون من توجيه الرسائل للمراهقين بشكل صحيح.
ويأمل آيرز أن تصبح وسائل التواصل الاجتماعي بيئة صالحة للاستماع لمشاكل الناس، وتوقع احتياجاتهم، ليتمكن الخبراء من التدخل لدى التنبؤ بوجود شخص يفكر بالانتحار، وقال: "يعتبر موقع ريديت من أنجح المواقع التي وفرت ملجأ لسماع مشاكل الناس ومساعدتهم".
(العربي الجديد)