يتطرّق الفنان والمؤلف والموسيقي والمغني المصري، حمزة نمرة، في هذا الحوار إلى الاضطهاد الفني الذي عانى منه فنانون في الماضي، ولا يزال يؤثّر سلباً على الفن، لغاية يومنا هذا، إذْ يواجه هو ذاته هذا النوع من الاضطهاد الذي يؤلمه، خاصّة حين يأتي من بلده.
* متى يبدأ الموسم الثاني من "ريميكس" الذي يعرض على التلفزيون "العربي"؟ وما الجديد الذي ستقدّمه في هذا البرنامج؟
نحن في فترة التحضير لحلقات البرنامج، وسوف نبدأ التصوير ما بين المغرب ولبنان وباريس وإسبانيا. أمّا العرض فأعتقد أنّه سيبدأ في منتصف مارس/آذار. سيتضمن البرنامج أغاني مختلفة من الوطن العربي، سيكون لبنان حاضراً بما أنّه لم يكن في "ريميكس" الأول وفلسطين والمغرب العربي والجزائر وتونس وسورية ومصر ستحضر بشكل أكبر. حتى المواقع ستكون مختلفة ولن تتمركز في بريطانيا. وكما قلت أغانينا عبارة عن موسيقى مصورة، أكثر مما هي تقديم عرض في الشارع أو في مناطق عامّة. وسنحاول إشراك فرق وموسيقيين من الوطن العربي.
* قلت إنك ستركّز على الفكرة في هذا الموسم وليس على البلد. ما هي الأفكار التي تتناولها فيه؟
هناك أفكار تتحدّث عن الغربة والاضطهاد الفني بشكل عام، لن نتناول الأفكار السياسية إنّما الجانب الإنساني من المعاناة التي تحدث في الوطن العربي. لكنّنا لا نزال في مرحلة تطوير الأفكار، وأنا أقول ما أفكّر به، لأنّني أحاول ألا تقتصر الأغاني على نوع الفولكلور الجميل فقط، بل أريدها أن تكون ذات انعكاسٍ ما على واقعنا أو أمر ما نشعر به في الوقت الحالي ويلامس أحاسيسنا. وهذا ما أحسست به في "ريميكس" واحد، حيث كان لأغنية "ظريف الطول"، صدى يمثّل الهوية الفلسطينية، كذلك أغنية "شلشل عليّ" العراقية، إذْ تلقاها العراقيون كأغنية تعبّر عنهم، وجاءت التعليقات عليها عن شوق الناس لبلادهم وبغداد. أشعر أنّ الناس تحتاج لسماع أغنية ترتبط بواقعها، وهذا ما أسعى إلى القيام به حالياً. وهذا هو المطلوب من الفن، حيث لا ينبغي أن يكون موجّهاً بشكل كبير ومباشر، لكن لا بدّ من وجود شيء يلمس إحساس المستمع.
* قلت إنّك ستتناول فكرة الاضطهاد الفني. أي نوع من الاضطهاد الفني قصدت؟
يعني مثلاً كانت هناك مغنية اسمها خربوشة منذ مائة عام تقريباً في المغرب، انتقدت أحد زعماء القبائل الذي كان ديكتاتورياً إلى حد كبير. فمنعت أغانيها. وهناك قصّة مماثلة للشيخ إمام الذي كانت أغانيه مضطهدة فنياً لفترة زمنية طويلة جداً. وأيضاً لو تحدثنا عن أغنية لإسماعيل ياسين تقول: "عيني علينا يا أهل الفن". يشعر الفنان دوماً أنّه عاجز عن تحقيق ما يفكّر به، بسبب اضطهاد الناس، سواء كان اضطهاداً مجتمعياً أو سياسياً. وأكرّر أنّني أقول أفكاراً عامّة قد لا تنفّذ، وهي واحدة من ضمن أفكار كثيرة.
* هل تواجه أي نوع من هذا الاضطهاد الفني؟
طبعاً، وهذا واضح للقاصي والداني. أنا بالفعل معرّض للاضطهاد الفني، ومضيق عليّ بشكل كبير في بلدي، فأغانيّ لا تعرض على أي قناة مصرية، وكأن هناك نوعاً من اتفاق عام على منع إذاعة أغانيّ أو تواجدي في حفلات. قد يكون ذلك بسبب آرائي السياسية، أو لأي أسباب أخرى. كذلك وصموني بأنّني معارض وأنّني إخوان. وأنا لا علاقة لي بالسياسة. عبّرت عن رأيي كمواطن مصري، وهذا حق يكفله الدستور، سواء كنت مع أو ضد. وإن كنت ضد فكرة ما فهذا لا يعني أن أصنّف كإرهابي. أنا أؤمن بفكرة سأستمر فيها، وأواصل الفن، لكن يصعب عليّ أن يصل فني إلى كل مكان باستثناء بلدي.
* هل أنت ممنوع من دخول مصر؟
لغاية اللحظة لا يوجد هناك أي أمر يمنعني من دخول بلدي، لكن الأوضاع مقلقة، وهناك حالة من عدم الاتزان تجعلك عاجزاً عن توقّع ما قد يحدث. وطبعاً هذا يثير مخاوفي، لأنّني في النهاية لست سياسياً أو ناشطاً... أنا فنّان.
* هل تعتقد أنّ الثورة في مصر ساهمت في ظهورك بشكل أكبر؟
طبعاً، وليس أنا وحدي، بل ساهمت في ظهور موجة فنية كبيرة جداً. ولو لم أكن محسوباً على الثورة، لما حصل كل ذلك، لكني مصنّف في خانة غير مرحّب بها في مصر من قبل السلطات.
* تحاول تقديم خط مختلف عن الفن السائد في الوطن العربي، عبر إضفاء قيمة للمشاعر الإنسانية. ألا تعتقد أنّ معظم الأغاني العربية إنّما هي تعبير عن العواطف الإنسانية؟ أم أنّك ترى أنّ هناك جوانب إنسانية يغفلها الفن العربي، أو يركّز بشكل كبير على جانب معيّن فيها؟
مساحة الفن العربي كبيرة جداً، لكن لو تكلمنا عن التيّار السائد، فسيكون مشابهاً للتيّار الموجود في بريطانيا أو أوروبا، ويتناول بمعظمه الحالة العاطفية بين امرأة ورجل، وكل ما يندرج في هذا الإطار. إنّها ليست مشكلة في العالم العربي فقط، بل في العالم بأسره. هذا النمط الرائج، ويتمحور حول الحب، والفراق والشوق... لكن لا يخلو الفن العربي من القيم التي هي أعمق وأبعد. ولم يصل الوطن العربي إلى المستوى، لأنّ شركات الإنتاج تستسهل التيار السائد. لذلك نرى أنّ الفن الدارج أصبح مبتذلاً. أتمنّى أن تدرك شركات الإنتاج أنّ هناك نوعاً آخر من الفن ممكن تقديمه بالإضافة إلى الفنون الرائجة، وأنّه سيلقى إقبالاً.
* هل نتوقّع صدور ألبوم جديد في وقت قريب؟ حفلات؟
أضع اللمسات الأخيرة على ألبومي الجديد الذي سيصدر، كما أعتقد، في أوّل مارس/آذار، وعنوانه حتى اللحظة "حطير من تاني"، وهو حوالي عشر أغان كلّها مصرية، باستثناء واحدة بالعربية الفصحى. الأغاني من ألحاني ومن توزيعي، بالاشتراك مع كريم عبد الوهاب. يشاركني في الكلمات الشعراء: محمود فاروق وحازم ويفي ومحمد السيد. نرتب لحفلات في لندن، وهناك حفلة في الأردن في آخر إبريل/نيسان المقبل.
* هل ترى أنّ الجمهور العربي قد أنصف حمزة نمرة؟
لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لأنّها ستكون مبكرة جداً، لكني في هذه اللحظة، سعيد جداً بردود الأفعال، وتفاعل الجمهور سواء المصري أو من الوطن العربي. وأشعر أنّ هناك تحديات وأفكارا أريد تقديمها.
* ما هو مستوى النجومية الذي تسعى إليه؟ أي هل نرى حمزة نمرة نجماً عالمياً، كما عمر الشريف؟
أنا لا أضع هذا هدفاً، بل أسعى إلى التعبير عن أشياء في داخلي، وإيصالها لأكبر عدد من الناس. ما الذي سيحدث بعد ذلك، نجاح أم فشل، لا أعرف. وبالتأكيد أحلم بوصول صوتي إلى العالم، لكن هناك عائق اللغة، لأنّني لا أغني بلغات أجنبية. لم أعتد على ذلك، وليست موهبتي. لكن قد تكون اللغة أحياناً نقطة انطلاق، مثل موسيقى الراي وفن الطوارق وفنون أخرى كثيرة بلغات أخرى انتشرت بشكل واسع النطاق.